مسرحية نوار الملح لبحري الرحالي: الحكاية الشعبية وسيلة تعبير ثقافية ثرية

بقلم: رشأ التونسي
الحكاية الشعبية هي ذاكرة الشعوب وسجل تراث المجتمع،

حصيلة الحكمة والإبداع والحب والحياة والجنون والموت، الخرافة كانت دائما فرعا من فروع وجداننا وعاداتنا وتقاليدنا والحكواتي هو الذي يحافظ على هذا التراث الشفوي الثري وينقله من جيل لجيل تماما كالأساطير اليونانية.

على مدى ساعة وعلى مسرح الحمرا ثلاث حكواتية، رجل وإمرأتان لرواية « نوار الملح» حكاية واقعية من الكاف، الشخصية الرئيسية محمد بالصيد الطالبي الغناي الذي يتنقل تسعة أشهر في السنة يغني أشعاره المرتجلة «الخضراء» تتعرف البنات على حكايات الأخريات من خلال أغانيه « السيارة ، وفي أحد الأيام يتعرض له شخص ليلا ويذبحه كالخروف يعثر عليه في الصباح أهل السوق ويجدوه ما زال يتنفس، يحملونه للمستشفى أين يخيطون جرحه العميق لتكتب له الحياة من جديد وتصبح أغانيه خرافة تجاوزت الحدود وتصبح رد إعتبار لكل فنان تعذب في الفترات الظلامية « وما أكثرها»

بين الوديان دمي يقطر نموت ونحيا على حب حلال .
من هذه الحكاية إستنبط بحري الرحالي مخرج مسرحية» نوار الملح» عمله المسرحي، لم يتقيد بالنص الأصلي ، تفرع وتطور ليصل لحاضرنا اليوم فالفنان في بلدنا هو فنان الغلبة المقهور رغم كل الفرحة التي يضيء بها القلوب وإذا كانت اللهجة المحلية هي أهم مزايا الحكاية الشعبية لما تعطيه من نكهة مختلفة لنفس الحكاية عبر الجهات، إختار البحري الرحالي لهجة كافية منتقاة من أشكال متعددة من لهجات الكاف، اللهجة تدل على المكان والحكاية صالحة لكل زمان.

البحري الرحالي، ريم الحمروني، صالحة النصراوي، حكايات وسير يلتقي فيها الممثل بالراوي لتسع شخصيات عدا الشخصيات المحكية خارج المسرح بالكلمة والتعبير الجسدي ، الشيخ الماحي صاحب الأرض الجبار والمكروه من أهل القرية، المدب مستشار الشيخ العاشق لصلوحة بنت الشيخ بدون أمل، شهلة ومهرية وشخصيات خليط بين الأنس والجن. عامل آخر حاضر وبقوة في سيرورة الخرافة وهي فصول السنة الأربعة الصيف والشتاء والخريف والربيع، كل فصل وتأثيره على معتقدات راسخة في وجدان أهل القرية ، الفصول التربة التي تحكي أفراح الناس وحزنها وصراعاتها وتتقلب حسب تقلبات أفعال البشر خيرا وشرا والعكس صحيح، هذه الفصول هي التي أخذت بثأر الغناي وإغتصاب شهلة وأرض الفقراء من الشيخ ومن وراءه، فخرجت عن مسارها وعن أوقاتها وساعدتها الأرض فتملحت وقضت على نفسها وعلى ساكنيها، لكن من وسط بحيرة الملح أزهرت « نوارة» هي عذرية شهلة ودم الفنان الذي قتل لأنه يغني الجمال والحب وأصبحت مزارة يقصدونها للتبرك:

«للّة شجرة الوليّة الصّالحة أغصانها معنّڤة السحاب ..وعروقها ترضع في الملح خضراء شتاء وصيف مسقيّة من عند ربي»
تأسرنا مسرحية «نوار الملح» خلال ساعة تمر بسرعة مع تشابك الأحداث و دقة البناء وحبكة السيناريو وجمالية الحركة الراقصة و الموسيقى
العمل أيضا تذكير بمكانة الحكاية الشعبية كوسيلة تعبير ثقافية ثرية ولن نستطيع جمع وتصنيف ودراسة هذا النوع من الأدب إذا لم نواصل روايته، فالحكاية الشعبية هي جزء مهم من الذاكرة الجماعية ولها مكانة مهمة في إثراء معرفتنا ببيئتنا وحضارتنا العميقة وهويتنا.

كان في البرنامج أن تشارك عليا السلامي في التمثيل والغناء رغم ان لا علاقة لها بالكاف لكن عندما قرأت النص أعجبها و أضافت ملاحظات شخصية حافظ عليها البحري لكن عليا مع الأسف كان لديها عمل في إسبانيا وعندما وافقت على المشاركة في المسرحية لم يكن التاريخ مضبوطاً .

• «نوار الملح»: نص وإخراج البحري الرحالي
- أداء البحري الرحالي وريم الحمروني وصالحة النصراوي
- موسيقى عليا السلامي وإضاءة مراد المبخوت

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115