سبق للحكومة التونسية التراجع عن نيّة إقـرار ضريبـة بـ 18% على الأنشطة الثقافية في مشروع قانون المالية لسنة 2017 على خلفية احتجاج ورفض أهل القطاع لهذه الضريبة المجحفة... واليوم يتكرر الموقف نفسه لأهل الفن والثقافة مع رفض هياكل الفنون الدرامية سحب فصول من قانون المالية 2017 على الشركات المسرحية والتحذير من إفلاس المشاريع الفنية وموت الحركة الثقافية...
المؤسسات الثقافية ليست شركات ربحية
«هل الدولة فعلا في حاجة لحركة ثقافية وإبداعية شعارها مقاومة الإرهاب... ؟ « بهذا السؤال الإنكاري استهل أصحاب الرسالة الموجهة إلى كل من مجلس النواب ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ووزارة الشؤون الثقافية ووزارة المالية بلاغهم الاحتجاجي والتحذيري من تبّعات قانون المالية 2017. وقد اعتبرت الهياكل المسرحية الممضية على نص البيان أن إدماج الشركات الثقافية في الفصول 48 و49 و50 و51 يلزمها بالاقتطاعات نفسها التي تدفعها الشركات الربحية. وفي هذا السياق جاء في نص البلاغ :» بعد تهميش للقطاع دام سنوات كنا مكرهين لتكوين هذه الشركات والهياكل الدرامية لا من أجل التمتع بدعم الدولة فقط بل لنتحدى البطالة حتى لا نقف في صف المطالبين بالوظيفة العمومية وحتى لا نثقل كاهل الدولة. نحن نعاني من قلة الإمكانيات لإنتاج إبداعاتنا ولخلق فرص عمل لزملائنا في وزارة أجور الموظفين فيها تساوي 80 % من ميزانيتها وهذا نهش لجزء مهم من إمكانيات دعم الإنتاج والتوزيع وتضييق لمجال الحلم والإبداع ...»
ولأن الإنتاج الثقافي والإبداعي في جملته نشاط غير ربحي يعيش على منح التشجيع والدعم من الدولة ...فقد اعتبر أصحاب البلاغ «أن تطبيق الفصول سالفة الذكر من قانون المالية 2017 على القطاع الثقافي لا يترجم ما جاء في الفصل 42 لدستور الجمهورية التونسية 2014 إنما يعارضه تماما حيث لا يمكن أن يقابل تطبيق الفصول التالية :»الحق في الثقافة مضمون، تشجيع الدولة للإبداع الثقافي، دعم الثقافة الوطنيّة في تأصلها وتنوعها وتجددها بما يكرس قيم التسامح، ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات» بسن هذه الإجراءات المجحفة».
المطالبة بمراجعة قانون المالية 2017
اعتبر أصحاب البيان أن سحب فصول قانون المالية 2017 على الشركات المسرحية من شأنه «أن يعكر صفو الوحدة الوطنية ويعمق الإحساس بالتهميش لمجموعة العاملين في القطاع الثقافي والإبداعي ويؤكد عدم احترام وقلة دراية المسؤولين السياسيين بالوضع المأساوي الذي يعيشه هذا الميدان.علما وأن هذه الموارد التي ستجنيها وزارة المالية تبلغ مائة ألف دينار في أحسن الحالات. وبهذه الإجراءات وغيرها من تهميش سوف توصد أغلب المؤسسات الخاصة أبوابها وتعلن إفلاسها وتطالب بالحق في الشغل وتنضاف إلى طوابير الحالمين بوظيفة...»
وفي خاتمة بيانها طالبت الهياكل المسرحية بـ» مراجعة قانون المالية 2017 في باب «إحداث مساهمة ظرفية استثنائية لميزانية الدولة» باستثناء الشركات الثقافية من هذا الإجراء». ودعت إلى «التدخل السريع لوزارة الإشراف لإيجاد حل ظرفي في انتظار مراجعة هذا القانون». كما نادت بـ»تشريك الفاعلين من المبدعين والمثقفين في مناقشة القوانين الخاصة بهم بعيدا عن قرارات المكاتب المغلقة».
تحذير وتلويح بالتصعيد
عن دواعي إصدار البيان المذكور وأهدافه، أضاف مدير فضاء الفتح الثقافي جمال العروي في تصريح لـ»المغرب» بالقول: «كانت فصول قانون المالية لسنة 2017 بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس وعمّقت أزمة القطاع المسرحي الذي يتخبّط في إشكالات مادية لا حصر لها... فمنذ حوالي 20 سنة ووزارة الثقافة تقتني العروض بالمبلغ ذاته ومنذ ما يزيد عن 15 عاما وميزانية الدعم على الإنتاج والتوزيع ثابتة لا تتغير في حين أن تونس أصبحت تتوّفر على 280 شركة مسرحية. ولهذا فإن سحب قانون المساهمة الظرفية لفائدة ميزانية الدولة على الشركات المسرحية لن تزيد القطاع إلا أزمة وعرقلة في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تدخل عاجل وإصلاح جذري...»
وبعد مراسلة رئاستي الجمهورية والحكومة ووزارتي المالية والشؤون الثقافية ومجلس نواب الشعب، أفاد المسرحي جمال العروي أن التصعيد سيكون خيار المرحلة القادمة إن لم تجد مطالبهم آذانا صاغية لدى الجهات المعنية. وعن أشكال هذا التصعيد أوضح الفنان جمال العروي قائلا:» طبعا كل تحركاتنا لن تخرج عن الإطار السلمي من ذلك تنظيم وقفات احتجاجية والاضطرار إلى غلق كل الفضاءات المسرحية خصوصا ونحن على أبواب الاحتفال باليوم العالمي للمسرح...»
فبأي طعم سيكون حلول اليوم العالمي للمسرح والفن الرابع في تونس يترنح يمينا وشمالا بسبب عاصفة الأزمة المادية ويتصارع مع فصول قانون المالية ويواجه التهديد من أجل عنوان مسرحية !؟