قوية متتالية فعالياتها، تعانق فيها الشعر الكوني، وانفتحت على عديد التجارب الإبداعية، والمدارس الشعرية العربية والدولية...
المهرجان الدولي للشعر في نسخته الجديدة، هو مهرجان صورته، صورة النخيل في بلاد الجريد، طافحا باليمن، ميّاس الرداء، ضاربة جذوره، عميقا في ثرى هذه الأرض المعطاء... وفير عطاءه، عطاء النخل... يروي ويشبع ... ويشيع الألق والدفء... عطاء ممارسة النصّ الشعري التونسي، بل العربي والعالمي، بلا إقصاء، تأصيلا في المقاربة وتعميقا في المحاورة. وكم كان عطاء هذا الحصاد، واعدا ومؤسّسا عبقا بشذى المعرفة، وهل يستقيم نقد أدبي دون هذا وذاك...؟
تكريم واعتراف بالإبداع...
على أنغام الشعر والبوح بالكلمات وتناغم القصائد في تشريح الواقع العربي والعالمي، وبين همس الحروف وإبراز الثابت والمحذوف من خلال القراءات الشعرية التي كانت بإمضاء نخبة من الشعراء، تمّ تكريم ضيوف المهرجان الدولي للشعر والمشاركين في مختلف فعالياته. والذين أبهرهم سحر الفضاء وروعة المكان. وكرم المضيفين لضيوفهم، كما وصف ذلك الشاعر التوزري السيد التابعي في قصيدة «هذا الجريد».
«أهل الجريد قد امتدت مكارمهم هم السّماحة والأخلاق والحسب»
لم يقتصر التكريم على الكبار فقط، فقد كان للشعراء الشبان نصيب من خلال مشاركتهم في المسابقة الجهوية للمهرجان والتي أشرف عليها الثنائي الأستاذ عبد الرزاق ساسي، أستاذ اللغة العربية، والشاعر أحمد مباركي، وشارك فيها كلّ من: محمود طارقي، وخلود المونة، وفادي بوعقة وأحمد خليقة وأماني الجوادي، وشيماء حميدة» وينتسب البعض منهم إلى نادي الأدب بالمعهد الثانوي الشابي، وبعد التمحيص والبحث في البنى الإيقاعية والدّلالات، والصور البلاغية في القصائد المترشحة للمسابقة قرّرت لجنة التحكيم إسناد الجوائز كالآتي:
• الجائزة الأولى: لمحمود طارقي (حامة الجريد) عن قصيدته «النهار الذي تنتظره».
الجائزة الثانية: لفادي بوعقه (معهد الشابي توزر) عن قصيدته «الرّياح لواقح».
• الجائزة الثالثة: لخلود المونة (معهد الشابي) عن قصيدتها «ألا تعلم».
وفي السياق ذاته تضمّن التقرير الختامي للمهرجان جملة من التوصيات، تمّ خلالها:
- التأكيد على أهمية هذا المهرجان الشعري العريق، الذي كان ولا زال المرفأ الأكبر الذي يرتاح على ضفافه الشعراء من وعثاء السفر، يبوحون بما يخالجهم من مشاغل وهموم، وعواطف وأحاسيس.
- الإشادة بالتطوّر الذي شهدته هذه الدورة على عدة مستويات، كالبرمجة ونوعية الضيوف والتنظيم وتنوع الفعاليات واحتفاء الشعر بالفنون التشكيلية، والموسيقى والكتاب.
- انفتاح المهرجان على الآفاق العربية والدولية، في إطار ما بذله المنظّمون من سعي دؤوب لتوسيع مداراته واهتماماته الشعرية والأدبية.
- التضامن مع الدّول التي ترزخ تحت الاستعمار، على غرار فلسطين، والدول التي تعاني ويلات الحروب والإرهاب والتطرّف مثل سوريا والعراق وليبيا.
- التصدّي لمختلف أشكال تقييد حرية الإبداع والفكر، وتحرير الكلمة الصّادقة والهادفة، حتى يبقى الشعر بالخصوص من أهمّ أدوات التعبير والتقارب بين شعوب العالم.
- تدعيم دور الثقافة باعتبارها من الآليات القادرة على مجابهة الكراهية والعنصرية، ومقاومة مختلف أشكال التطرّف والإرهاب.
- التأكيد على أهمية العلاقة بين الشعر والنقد، على غرار ما تمّ تناوله خلال هذه الدورة من دراسات نقدية مختلفة لعديد الأعمال الشعرية لشعراء من الجريد، والذين لم تنصفهم مهرجانات وتظاهرات أدبية وشعرية أخرى، رغم أهمية انتاجاتهم الشعرية.
والجدير بالذكر أنّ هذا المهرجان نظّمته جمعية المهرجان الدولي للواحات تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وبدعم من المندوبية الجهوية بتوزر وبمساهمة اتحاد الكتاب التونسيّين من خلال فرعه بتوزر، وعديد الأطراف الأخرى الفاعلة في الحقل الثقافي.
عبد الرزاق ساسي أستاذ مادة العربية:
لقد أثبتت تجربة المسابقة الجهوية في الشعر التي نظمت ببادرة من المهرجان الدولي للشعر، أن المؤسسات التربوية تزخر بعديد الكفاءات الأدبية، التي تحتاج إلى الإحاطة والرّعاية، قصد مزيد صقل مواهبها، من خلال النوادي الأدبية التي أصبح من الضّروريّ أن تكون هامة وذات فاعلية داخل المؤسسات التربوية بالخصوص، وفي هذا السياق سنسعى بمعية المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية، وعدد من المثقفين والمبدعين والشعراء إلى بعث مهرجان جهوي، ثمّ وطني يعني بأدب الشباب خلال الفترة القادمة، لتمكين أصحاب الإبداعات من إبراز مواهبهم، خاصّة وأنّنا خضنا التجربة سابقا ضمن ملتقى الشّابي للأدباء الشّبان والذي كانت نتائجه باهرة ومشجعة.