يمر من وزير مالية إلى آخر دون إحراز أي تقدم او تحقيق اي من الآمال و الأمنيات التي عبر عنها الجميع، ويبدو ان طريق الاتفاق مع المؤسسة المالية الدولية يبدو شائكا في ظل عدم التوصل الى اتفاق داخلي مثلما اشترط النقد الدولي منذ البداية.
التوافق الذي يريده صندوق النقد الدولي هو توافق بين الحكومة والمنظمة الشغيلة أساسا ثم بقية المنظمات الا ان احدث تصريحات عن الاتحاد العام التونسي للشغل في شخص انور بن قدور الامين العام المساعد المكلف بالدراسات والتوثيق الذي قال ان الاتحاد لاحظ نقاطا خلافية في وثيقة الإصلاحات المقدمة من قبل رئاسة الحكومة لصندوق النقد الدولي يتعلق بالخصوص بالدعم، حيث ترغب حكومة نجلاء بودن رفع الدعم دفعة واحدة، بينما يرى الاتحاد أن رفع الدعم يجب ان يكون تدريجيا وموجها نحو العائلات المعوزة والموظفين اي الطبقة الوسطى.
لافتا الى ان الوثيقة لم تتضمن حديثا عن الإصلاحات المستوجبة التي طالب بها الاتحاد، أي إصلاح للمؤسسات العمومية واصلاح المنظومتين الصحية والتربوية وأساسا إصلاح الجباية التي تناساها الجميع في هذا الظرف.
في وقت تبدو فيه امال تونس في التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ضعيفة والطريق شائكا يمكن استحضار خطاب السلطات التونسية في السنتين الاخيرتين و المبالغ في التفاؤل والبعيد عن الواقع
اذ لم تختلف الخطابات لكل وزراء المالية في السنتين الاخيرتين وكانت كلها لا تعكس حقيقة وواقع النقاشات واللقاءات التي لم تثمر شيئا الى اليوم. ثلاث وزراء تشابهت كلماتهم ووصفهم لمرحلة النقاشات وعبروا عن امالهم اثنان منهم لم تتحقق امنياتهم ومازالت امال الوزيرة الحالية قَيْد الغَيْب.
ففي جويلية 2020 قال نزار يعيش رئيس وزير المالية في حكومة الياس الفخفاخ أنه تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج الحكومة التونسية لفترة 4 سنوات القادمة القائم أساسا على دعم الجانبين الإجتماعي والاقتصادي، معتبرا أنه في حال تجاوب الصندوق مع هذا التوجه سيتم إمضاء اتفاق معه في غضون 4 أشهر على أقصى تقدير.
أما علي الكعلي وزير المالية في حكومة هشام المشيشي وخلال جلسة استماع له في مجلس نواب الشعب في شهر ماي 2021 فقد صرّح انه اثر الزيارة الى واشنطن تم الانطلاق في اجراء المفاوضات التقنية في واشنطن وستتم متابعتها، عن بعد، انطلاقا من تونس وقال انذاك ان الحكومة تطمح إلى إبرام إتفاق مع صندوق النقد الدولي في غضون الأشهر الثلاثة القادمة.
أما سهام نمسية وزيرة المالية حاليا فقالت في اخر تصريح اعلامي ان الحكومة استكملت المحادثات مع صندوق النقد الدولي وسيخوض الطرفان، خلال الأسابيع المقبلة مشاورات ستفضي الى انطلاق المفاوضات الرسمية بين الجانبين على أمل التوصل الى اتفاق مالي.
وبعيدا عن الخطاب الايجابي لبعض مدراء الصندوق فان تصريح جيري رايس المتحدّث بإسم صندوق النقد الدولي يبدو اكثر واقعية حيث قال ان، الصندوق يُواصل محادثاته مع السلطات التونسيّة مبينا انه «اعتبارا للوضعيّة الاقتصاديّة الكارثية فإنّه من الضروري اتخاذ إجراءات حاسمة وتنفيذ الإصلاحات دون انتظار نهاية المحادثات أو إبرام برنامج تعاون مع الصندوق». مضيفا ان الصندوق اطلق منذ بداية سنة 2022 محادثات تقنية مع تونس «ستتواصل على المستوى التقني أو على مستوى ضمان تطوير القدرات».
يقول حكيم بن حمودة وزير مالية سابق ان النقاشات مع صندوق النقد الدولي تراوح مكانها اليوم مبينا انها مازالت في مرحلة النقاشات التقنية وان المفاوضات لم تنطلق بعد مشيرا الى ان مرحلة النقاشات التقنية طالت اكثر من اللازم فهي عموما لا تتجاوز بعض الأسابيع الا ان تونس في المرحلة ذاتها منذ 2021. وعن اسباب هذا البطء قال بن حكومة ان الأزمة الخانقة التي تعيشها تونس هي السبب الرئيسي.
من جهة اخرى قال بن حمودة ان السلطات التونسية قد تكون فوتت على نفسها التوصل الى اتفاق في 2020 حين كان الظرف استثنائيا الا انها خيرت الحصول على خط تمويل سريع ثم التمتع بحقوق السحب الخاصة في وقت كان بالإمكان إبرام الاتفاق حينها نظرا للظرف الاستثنائي.
واضاف ان كل وزارء المالية اطلقوا وعودا ببداية المفاوضات قريبا لكن لم نخرج من هاته المراوحة ويستعرض المتحدث اسباب المراوحة في نفس المكان وابرزها السياسي فعلى الرغم من ان صندوق النقد الدولي هو مؤسسة مالية دولية لكنه يتاثر بالاوضاع السياسية وعدم الوضوح الذي يميز بلادنا منذ الجائحة ثم غياب حزام سياسي وخاصة اجتماعي حول المقترحات التي قدمتها كل الحكومات.
ولا تختلف قراءة النقد الدولي وقراءة السلطات حول المالية العمومية بشكل عام الا أن ما ينتظره النقد الدولي هو إجراءات راديكلية من اجل ايقاف نزيف الاقتصاد واتخاذ اجراءات جريئة قبل فتح المفاوضات وفي ظل الظرف الحالي يبدو فتحا صعبا.
ومن ابرز المراحل التي تسبق التوصل الى اتفاق تكون في البداية بجس النبض عن طريق ممثل الحكومة التونسية في مجلس ادارة الصندوق والمكلف بكرسي تونس (الدول التي تكون حصة مساهمتها في الصندوق ضعيفة تجتمع ويمثلها كرسي واحد) للتباحث في إمكانية العمل على اتفاق ثم تبدا نقاشات اولية تتواصل بزيارة خبراء وفي إطار هذه الزيارات يعبر الصندوق عن الإصلاحات الضرورية التي يجب تطبيقها، واذا ما رغبت الحكومة في مواصلة النقاشات تضع مقترح برنامج واذا ما لاحظ الصندوق ان هناك تقاربا في الرؤى فحينها يقوم خبراء الصندوق بزيارة تنطلق معها المفاوضات الحقيقية.