المستهلك في السنة المقبلة جملة من التحديات ستؤثر حتما على مقدرته الشرائية، تحديات ترتبط في جزء منها بموروث مُرَحّل من سنة 2019 وجزء أخر يرتبط بالمتغيرات التي ستستجد على الصعيد الوطني والعالمي .
ستنطلق سنة 2020 بزيادة في تعريفة النقل غير المنتظم للأشخاص (تاكسي فردي، تاكسي جماعي، لواج، نقل ريفي) بنسبة 8 % كما كان مبرمجا منذ شهر أفريل المنقضي، حيث كان الاتفاق بين وزارة النقل وجامعة النقل التابعة لمنظمة الأعراف على إدراج زيادة في تعريفة النقل يتولى جيب المواطن دفعها مع بداية اليوم التالي من الاحتفال برأس السنة الإدارية، جدير بالذكر إلى أن الزيادة المتفق عليها على إثر الزيادة في المحروقات، زيادة أثارت موجات احتجاجية في قطاع النقل الغير المنتظم للمطالبة بإبطالها غير أن الحكومة لجأت آنذاك إلى منحهم زيادة في التعريفة يبدأ العمل بها بداية من مطلع 2020.
زيادات منتظرة في أسعار المحروقات
ويبدو أن الزيادات في المحروقات لن تتوقف،حيث يقترح مشروع قانون المالية لسنة 2020 بدوره إجراء زيادات في المحروقات فقد ذكرت وثيقة مشروع قانون المالية أنه سيتم التخفيض في ميزانية دعم المحروقات استجابة لعدة من المتغييرات من بينها إجراء تعديلات لأسعار وتعريفات البيع للعموم في علاقة مع تطور أسعار النفط في الأسواق العالمية وتكون الزيادة في المحروقات القشة التي ستقصم المقدرة الشرائية للمواطن ، فالزيادة في المحروقات تؤثر في كل مدخلات الإنتاج و ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار .
وعلاوة على الزيادة في أسعار المحروقات ،فإن المساهمة الاجتماعية التضامنية بنسبة 1% المقررة لفائدة الصناديق الاجتماعية والتي تم إقرارها في قانون المالية لسنة 2018 ستتواصل بحكم أن قانون المالية المشرع لها لم يحدد أي تاريخ لإيقاف العمل بهذا الاقتطاع مع العلم أن المساهمة كانت ترمي إلى تحصيل مبلغ مالي يتراوح بين 300 و400 مليون دينار.
وفي سياق أخر وعلى الرغم من أن مشروع قانون المالية لسنة 2020 لم يتضمن إجراءات جبائية كتلك التي وقع إقرارها في قانون المالية لسنة 2020، فإن طابع الضغط الجبائي متواصل، حيث يتوقع مشروع قانون المالية للعام المقبل أن ترتفع المداخيل الجبائية بنسبة 9.2 %،حيث سترتفع الاداءات المباشرة بنسبة 9.6 % ، حيمن المتوقع ان تتطور الضريبة على الدخل بنسبة 13.2 %، كما سترتفع الاداءات غير المباشرة بنسبة 8.9 % بناء على تطور مردود المعاليم الديوانية بـ13.3 % والأداء على القيمة المضافة التي يدفعها أساسا المستهلك بـ6.4 %.
ومن المعلوم أن الزيادات في الاداءات والترفيع في القيمة المضافة يغذي التضخم الذي سيزيد في تدهور المقدرة الشرائية للمواطن .
وفي جانب أخر ينتظر أن تعرف المقدرة الشرائية تدهورا مدفوعا بحدوث أزمات في بعض منظومات الإنتاج الفلاحية التي لها علاقة مباشرة بقفة التونسي، حيث تحدث إتحاد الفلاحين عن تدهور عدد من المنظومات الفلاحية ،أهمها الألبان واللحوم الحمراء والدواجن وقطاع الصيد البحري.كذلك حمّلت كلّ من النّقابة التونسية للفلاحين والمنظمة التونسية لإرشاد المستهلك الحكومة «مسؤولية تردّي وضع القطاع الفلاحي وتدهور القدرة الشّرائية للمستهلك خاصّة في صفوف الفئات المتوسطة ومحدودة الدخل» وطالبت المنظمتان في بيان مشترك يوم الجمعة المنقضي، بضرورة دعم منظومة الإنتاج والإنتاجية والضّغط على تكاليف الإنتاج القياسية، لا سيما بالنظر الى ما آلت إليه أوضاع كل المنظومات الفلاحية من ضعف وتدهور القدرة الشرائية للمستهلك التونسي مع ارتفاع أسعار كل المواد.
أزمة الألبان من جديد
وفي مايتعلق بقطاع اللحوم الحمراء ، فإن المعطيات الميدانية التي ينشرها المرصد الوطني للفلاحة تشيرالى وجود تراجع في قطيع الأبقار في هذه السنة وهو ما يفسر زيادة كميات اللحوم الموردة ،حيث تم توريد 7783 رأس من العجول المعدة للتسمين مقابل توريد 5776 رأس في الفترة ذاتها من سنة 2018.
وسيغذي تراجع القطيع من جهة حدوث إشكالية على مستوى توفر اللحوم الحمراء من جهة والى عدم توفر الألبان من جهة ثانية ،حيث أوضح منور الصغير مدير وحدة الإنتاج الحيواني بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري في تصريح سابق لـ«المغرب» انه هناك تراجعا في القطيع تبعا للازمة التي شهدها القطاع منذ 2017 حيث وصل النقص بين 2016 و2019 بـ 50 ألف رأس بقر وهو ما نتج عنه تراجع في الإنتاج مؤكدا أن هذا النقص ستنتج عنه أزمة هيكلية في بداية 2020 لان الإشكالية لم يتم حلها بصفة جذرية مبينا انه عند الاتفاق بين المنظمات المهنية والحكومة في 24 أفريل 2019 كانت هناك نقطتان، الأولى اعتماد دينامكية الأسعار والاتفاق الثاني تجديد القطيع لكن إلى حد اللحظة لم يتم تفعيل ذلك وهو ماخلق حالة من الاستياء لدى المربين.
من جهتها أثارت الغرفة الوطنية للقصابين مؤخرا إشكالية حول عدم توفر اللحوم الحمراء متوقعة أن تصعد أسعار اللحوم الحمراء ليصل الكيلوغرام إلى 40 دينار مع العلم أن المعدل الحالي للأسعار بين 24 و26 ديناروتعد إشكالية اللحوم الحمراء وعدم توفرها من الإشكالات البارزة خلال السنوات الأخيرة اين صعد الكلغ من اللحوم الحمراء من 16 دينار في 2016 إلى متوسط 26 دينار وقد وصل في بعض الفترات إلى 31 دينار، كما استقرت أسعار الدواجن بعد الارتفاع.
فقدان السيطرة على أسعار الخضروالغلال
من جهتها أخذت أسعار الخضر والغلال خلال السنوات الأخيرة منحى تصاعديا، حيث لم تعد قاعدة العرض والطلب المحدد الأول للأسعار بل أصبحت الأسعار تحدد على مستوى مسالك التوزيع وبدرجة أقل تحددها تكاليف الإنتاج وقد شهدنا في اكثر من مناسبة عمليات المداهمة لمخازن المحتكرين خلال السنوات الفارطة لكنها لم تعط أكلها وتواصلت عمليات المضاربة وتواصل معها الغلاء،كما باتت أسعار الغلال -حتى في مواسمها- مرتفعة على غرارالكلمنتين حيث أفاد رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين في تصريح لـ«المغرب» بنابل أن سعر الكيلوغرام عند الإنتاج بمتوسط 2 دينار، بالنسبة للخضروات الشتوية ، فقد بلغت الانجازات الجملية للخضروات الشتوية 2019/ 2020 حوالي 23618 هكتار مقابل إنجاز بـ 46260 هكتار خلال نفس الفترة من العام المنقضي منها 4000 هكتار بصل شتوي ،3150 هكتار من الجزر و2950 هكتار خضر ورقية أي تقلص المساحات إلى النصف، الأمر الذي ينذر بصعود في أسعار الخضروات التي تشهد منذ فترة صعودا غير مبرر.
يبدو أن المستهلك وبالتحديد الفئات الهشة والمتوسطة ستبقى دائما الحلقة الأضعف والأكثر التزاما يتحمل تأخر انطلاق عمليات الإصلاح، فالإشكالات التي تعيشها بعض القطاعات ليست وليدة اليوم، لكنها تواجه بالحلول الترقيعية والتي لا يمكنها أن تخفف العبء على المواطن ولا أن تعالج الإشكالات بشكل نهائي .