الصحة في تونس ليست بخير: أمراضها مزمنة ، تشخيصها صادم وشفاؤها طويل الأمد

تقاس رفاهية الشعوب عادة بعديد المؤشرات أبرزها الصحة ومدى قدرة المواطن في أي دولة على الوصول إلى الخدمات الصحية

ومدى يسرها ونوعية الخدمة المقدمة وتقاس درجة تأخر الدول أيضا بعديد المؤشرات منها الصحة التي تكون عادة بخدمات سيئة وارتفاع عدد السكان للأطباء ومدى تحديث المستشفيات وقياس مدة انتظار المرضى، وباعتبار هذه المقاييس وفي حال الأمر في تونس وبالنظر إلى المؤشرات والمعلومات المتوفرة والإحصائيات المتعلقة بالقطاع الصحي يمكن للقارئ أن يصنفها لوحده إما في الخانة الأولى أو الثانية.

تعج قاعات انتظار المستشفيات التي لاتكفي مقاعدها لحمل المرضى بجميع الفئات العمرية التي تصطف لأجل معاينة بعد طول انتظار لموعد كان قد حدد منذ أشهر والانتظار لا يعني النجاح في الحصول على الخدمة فالتجهيزات عادة ما تكون معطلة ليكون تأجيل جديد للموعد الى اجل غير مسمى وقد ترفع من مخاطر تمس بحياة المريض، هي حالات متكررة ولا تخفى على احد والاطلاع عليها لن يكون بالأمر المفاجئ للمهتمين. ولم يعد الأمر يحتاج الى الدعاية للصورة المشرقة للمنظومة الصحية في تونس ففي ترتيب المنتدى الاقتصادي العالمي وفي مؤشر الصحة جاءت تونس بالمركز 58 من بين 140 دولة باعتماد الأمل عند الحياة فقط كمعيار تقييمي وهو ما لا يعكس حقيقة الوضع الصحي في تونس الذي يعاني من مشكلات كبرى تطفو إلى السطح في فترات لتعود إلى النسيان مرة أخرى ولعل ما حصل سابقا فيما يتعلق باللوالب القلبية منتهية الصلوحية ومسالة البنج الفاسد وغيرها من الأحداث التي تثار في زمن حدوثها ثم تنسى.

لا فائدة ترجى من النشاط التكميلي الخاص
قال محمد الهادي سويسي كاتب عام النقابة العامة للأطباء وأطباء الأسنان وصيادلة الصحة العمومية في حديثه لـ«المغرب» أن قطاع الصحة العمومية هو حصيلة سياسات خاطئة أبرزها فتح باب النشاط التكميلي الخاص داخل المستشفيات على حساب المرضى القادمين للعلاج في مستشفى عمومي. والحل كان بهدف عدم الترفيع في الأجور حسب المتحدث.
ولفت المتحدث إلى أن الوضع الصحي في تونس في تقهقر مستمر فقد ظهرت أمراض لم تكن موجودة. والوضع نتيجة سياسات خاطئة على غرار إيقاف الانتدابات ورغبة الأطباء في مغادرة البلاد نظرا لوجود حوافز وتشجيعات كبيرة في العروض المقدمة مبينا ان السنة الفارطة شهدت مغادرة 800 طبيب. اماعن عزوف الاطباء عن التوجه الى المناطق الداخلية فقد اكد المتحدث انه لو تم تقديم حوافز مجزية فلن يتردد اي طبيب في الذهاب الى اي جهة وهو حسب قوله امر معمول به في عديد البلدان.

وأثار المتحدث أيضا ضعف الميزانية المخصصة لوزارة الصحة العمومية والمقدرة بنحو 2866.8 مليون دينار لهذا لابد من وضع إستراتيجية للنهوض بالقطاع على المدى الطويل داعيا الطبقة السياسية إلى الاتفاق على ضرورة وضع الصحة في أولوياتهم ووضع أهداف واضحة وإرساء أرضية ملائمة لإنجاح الخطط، كما انتقد المتحدث غياب نظام معلوماتي داخل المستشفيات وطول الانتظار.

وفي ما يخص سوء المعاملة التي يلقاها المرضى قال المتحدث أن الضغط الذي يمر به الإطار داخل المستشفى يدفع إلى خلق أجواء مشحونة مبينا أن تحسين ظروف العمل من شأنه أن يقلص هذا الضغط. ومن المنتظر أن يقوم الأطباء في 4 افريل القادم بتحرك احتجاجي للمطالبة بتلافي النواقص بتفعيل الانتدابات وتحسين الأجور.

نحو 15 شكاية يوميا
من جهته يؤكد سليم سعد الله رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في حديثه لـ«المغرب» ان المنظمة تتلقى يوميا بمعدل يتراوح بين 10 و15 شكاية من طرف المواطنين وأكثرها يتمحور حول طول فترة المواعيد وعدم استقبال المرضى في مواعيدهم المحددة سابقا اما نتيجة ارتفاع العدد او لتعطل التجهيزات هذا الى جانب نقص الادوية في الصيدليات الداخلية للمستشفيات، وأضاف سعد الله ان المنظمة عادة ما تكون حاضرة بمجالس ادارة المستشفيات العمومية والمسألة التي تطرح بصفة متكررة هي النقص الحاد في التمويل وعدم خلاصهم من الصندوق الوطني للتامين على المرض وهو ما ينتج عنه نقص فادح في التجهيزات والمعدات.ولفت المتحدث إلى ان الشكاوى يكون مصدرها أيضا حرفاء المصحات الخاصة وتتمحور حول اما الفوترة او الأخطاء الطبية.

ومنظومة الصحة هي حلقة متكاملة من بنية تحتية الى إطارات وخدمات مباشرة وغير مباشرة و في آخر تحيين للمعهد الوطني للإحصاء في 18 اكتوبر 2017 والمتعلق بمحور الصحة بلغ عدد الأطباء 13 الف و998 طبيب و45 الف و 642 إطارات شبه طبية ويبلغ عدد أطباء الصحة العمومية 6 آلاف و832 طبيب و7 آلاف و 727 أطباء خواص و15 ألف و593 فني سامي و30 ألف و49 ممرض ويبلغ 808 ساكن لكل طبيب والعدد في تطور من سنة إلى أخرى ففي سنة 2016 كان العدد 769 ساكن لكل طبيب ويرتفع العدد عند أطباء الاختصاص فمثلا نجد 3 ألاف و270 ساكن لكل طبيب أسنان و 4 آلاف و279 ساكن لكل صيدلية. يوجد 14 مستشفى عمومي و 108 مستشفى محلي و 32 مستشفى جهوي.

وضعية بائسة في المستشفيات

من جهته قال عثمان الجلولي كاتب عام الجامعة العامة للصحة إن الجامعة كانت قد حذّرت من الانزلاق داخل المستشفيات وسيتواصل الانزلاق ما لم يتم اتخاذ قرارات مستعجلة، وبين الجلولي أن وضعية المستشفيات وضعية بائسة وقد أصبحت اقرب الى مقابر.
وأكد الجلولي تردي الخدمات في الاستقبال نتيجة عدم احترام المعايير الدولية على غرار عدد المرضى للطبيب أو للمرض مضيفا أن بعض الأقسام تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط النظافة، وانتقد الجلولي ما يتم تخصيصه للخط الأول الذي يضم المستشفيات المحلية ومجامع الصحة الأساسية من اعتمادات لا تكفي للنهوض بها وتحسين خدماتها.
وفي وثيقة التصرف في الميزانية حسب الأهداف تمت الإشارة الى ان تفاقم مديونية الهياكل الصحية العمومية أدى إلى عجزها عن الإيفاء بتعهداتها تجاه المزودين العموميين والخواص مما اثر في نوعية الخدمات المسداة وأشار المشروع السنوي للقدرة على الأداء إلى أن المستشفيات الجهوية والمؤسسات العمومية للصحة تتكفل بأجور عملتها البالغة 120 مليون دينار على حساب مواردها الذاتية.

تجارب عديدة يرويها الوافدون على المستشفيات العمومية تروي البؤس الذي تعاني منه هذه المؤسسات كأنه لا يكفي ان يكون المكان بعيدا عن كل المعايير الدولية للصحة ليضاف اليها المعاملات التي يلقاها المرضى في الداخل فالإصلاح لابد ان يشمل جميع النواحي حتى تتماثل المنظومة الصحية للشفاء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115