بسنة 2017، حيث بلغت 68,3 % مع موفى 2018 (68,8 % خلال سنة 2017) ،فإن مستوى العجز التجاري للسنة المنقضية تجاوز 19 مليار دينار، وقد بلغت قيمة الصادرات 40986.2 مليون دينار فيما بلغت قيمة الواردات 60035.2 مليون دينار مما أدى إلى تسجيل عجز في حدود 19049.1 مليون دينار حسب المعهد الوطني للإحصاء.
خلافا للتوقعات المرسومة ببلوغ 18مليار دينار كمستوى عجز في الميزان التجاري ،أنهت تونس سنة 2018 بعجز تجاري يتجاوز 19 مليار دينار مقابل 15.5 مليار دينار لسنة 2017 و12.6 مليار دينار في 2016 وفقا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء التي أصدرها يوم أمس ،وعلى الرغم من أهمية نسبة التغطية التي حافظت نسبيا على استقرارها ،فإن ذلك لايخفي تطور سقف العجز التجاري الذي سيولد ضغوطا إضافية على الاحتياطي من العملة الصعبة الذي يشهد وضعية صعبة وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن قيمة العجز التجاري المسجل خلال السنة المنقضية يعادل 114 يوم توريد في الوقت الذي يكفي الاحتياطي من العملة الصعبة لدى البنك المركزي 81 يوم توريد فقط .
ويرى خبراء إقتصاد أن تراجع قيمة الدينار كان يفترض أن ينمي قطاع الصادرات ويرفع من نسقه على إعتبار أن إنخفاض قيمة العملة في بلد ما يعزز من تنافسية المنتجات المعدة للتصدير ، الأمر الذي لم يحدث مع تونس فتراجع قيمة الدينار كان له تأثير عكسي حيث دفع تراجع قيمة الدينار الموردين إلى زيادة حجم عملياتهم أمام ما يشهده الدينار من انزلاق من يوم إلى آخر ويعتبر تهافت الموردين على الاستيراد من بين العوامل التي ساهمت في ارتفاع العجز التجاري .
ولقد ذكر المعهد أن الواردات إرتفعت بنسبة 20 % مقابل ارتفاع في نسق الصادرات بنسبة 19.1 %، قد أرجع المعهد ارتفاع الواردات إلى واردات إلى الطاقة بالأساس بنسبة ناهزت الـ40 % والمواد الأولية والفسفاطية بنسبة 23.6 %، الأمر ذاته ينسحب على مواد التجهيز والمواد الفلاحية والغذائية الأساسية مع العلم أن الواردات دون إحتساب فاتورة الطاقة قد ارتفعت بنسبة 17.3 % وبالحساب النقدي فإن عجز الميزان التجاري لقطاع الطاقة قد إرتفع إلى 6.1 مليار دينار مقارنة بـ4 مليار دينار خلال 2017 ويمثل العجز الطاقي 32.4 في المائة من العجز الجملي .
ولئن انخفضت أسعار المواد الطاقية عالميا خلال الأشهر الأخيرة لتتراوح بين 48 دولار و56 دولار، فإن اثر هذا التراجع لم يبرز بعد ويتوقع الخبراء أن يبرز أثر هذا التراجع بداية هذا العام.
وقد ارتفعت الصادرات بنسبة 19.1 % حيث سجلت صادرات قطاع المنتجات الفلاحية والغذائية تحسنا واضحا بلغ 45.2 %وذلك تأثرا بتحسن مبيعات زيت الزيتون بزيادة بأكثر من 1000 مليون دينار مقارنة بالموسم 2017، كما تحسن قطاع التمور أيضا بنحو 200 مليون دينار إضافية .
كما لعب تطور صادرات الصناعات المعملية الطاقة والنسيج والملابس والجلد بنسبة 26.4 في المائة و 18.6 % على التوالي في تحسن واقع الصادرات .
وحسب نشرية المعهد الوطني للإحصاء ،فإن خمس بلدان تساهم في العجز التجاري لتونس (الصين وايطاليا وروسيا وتركيا والجزائر) بحجم يتجاوز 13مليار دينار وتتصدر الصين القائمة ب5.4 مليار دينار تليها إيطاليا ب2.8 مليار دينار ،وتتزود تونس من الصين الشعبية أساسا المواد الغذائية والمواد الأولية ومواد التجهيز أما ايطاليا فان مجمل الواردات هي المواد الغذائية والمواد الأولية ونصف المصنعة ومواد التجهيز والمواد الطاقية.
وقد سجلت المبادلات التجارية فائضا مع العديد من البلدان وأهمها فرنسا بما قيمته 3455.5 مليون دينار وليبيا 1173.7 مليون دينار والمغرب بـ324.7 مليون دينار.
ولئن تم الانطلاق في تطبيق عدة إجراءات في محاولة لتذليل العجز التجاري الذي أصبح هيكليا بحيث بات من الصعب التحكم فيه وقد تم إتخاذ حزمة من الإجراءات خلال السنوات الثلاث الاخيرة،ومحاولة التقليص من العجز التجاري جاءت في شكل إبرام إتفاقية مع ثاني أكبر مساهم في العجز التجاري وهي تركيا ،حيث تم توقیع 4 اتفاقیات تعاون في جويلية 2017 في مجالات المنافسة والمواصفات والتراتیب الفنیة ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي رسم لها هدف الحد من العجز التجاري الكبیر الذي تسجله تونس مع تركیا يقضي أساسا بالتخفيض في توريد بعض المواد الاستهلاكية غير الضرورية واتخاذ إجراءات استثنائية تتمثل في فرض رسوم جمركية على عدد من المنتوجات التركية خلال فترة محددة يقابلها الترفيع في قيمة الصادرات التونسية نحو الأسواق التركية، لكن النتيجة على ارض الواقع ماتزال غير ملموسة .
أما عن المساهم الأول في العجز التجاري، فقد تم الاتفاق بين كلّ من البنك المركزي التونسي والبنك المركزي الصيني على اعتماد عملة الصين اليوان وعملة الدينار التونسي في عمليات التبادل التجاري بين الدولتين من أجل تخفيف الضغط على الدولار، إلا أن أثر هذه الخطوة لم يظهر بعد .
كذلك منشور البنك المركزي والذي يقضي بوقف إقراض التجار لتمويل توريد 220 منتوجا منذ سنتين ويهدف الى تشديد القيود على واردات المواد الاستهلاكية غير الضرورية، إجراء لم يعط أكله، أما عن الإجراءات التي تضمنها قانون المالية 2018 والتي ماتزال تنتظر تقييما حقيقيا والتي من بينها الترفيع في المعاليم الديوانية الموظفة على بعض المنتجات والمواد الموردة بهدف حماية المنتوج الوطني والتقليص من عجز الميزان التجاري ويشمل الترفيع خاصة بعض المنتجات الفلاحية وكذلك المنتجات الصناعية النهائية على غرار الملابس الجاهزة والأحذية والتجهيزات الكهرومنزلية وبعض المنتجات الصناعية الأخرى الطازجة والمجفّفة الموظّف لفائدة الصندوق العام للتعويض والتّرفيع في المعلوم على الغلال والفواكه الطازجة والمجففة والموظف لفائدة الصندوق العام للتعويض، والتّرفيع في نسبة التسبقة المستوجبة بعنوان توريد مواد الاستهلاك إلى 15 % بصفة ظرفية خلال سنتي 2018 و2019 وذلك للحد من عجز الميزان التجاري.
حزمة من الاجراءت يبدو أنها فشلت في إيقاف نزيف ارتفاع العجز التجاري الذي تجاوز نصف حجم ميزانية الدولة لسنة 2018 والمقدرة بـ35951 مليون دينار وسيؤدي اتساع العجز التجاري إلى تعقيد الأوضاع في الفترة المقبلة خاصة أمام ضعف الاستثمار الأجنبي وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتداين الذي سيكون مكلفا باعتبار التصنيف الائتماني السلبي لتونس.