Print this page

تقلبات العملات العالمية في نهاية السنة: أرقام مقلقة ورسائل اقتصادية عميقة

مع اقتراب نهاية السنة، تدخل أسواق العملات العالمية

مرحلة دقيقة تتسم بارتفاع واضح في حدة التقلبات، في وقت يشهد فيه الاقتصاد الدولي تباطؤًا نسبيًا وتزايدًا في حالة عدم اليقين. ويُعد سوق الصرف الأجنبي الأكبر عالميًا، إذ تشير أحدث تقديرات بنك التسويات الدولية إلى أن حجم التداول اليومي تجاوز 7,5 تريليونات دولار، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في سرعة وحجم التحركات خلال الربع الأخير من العام مقارنة ببقية الفترات.

تراجع السيولة وإغلاق المراكز المالية

تشير البيانات إلى أن تقلبات أسعار الصرف في شهري نوفمبر وديسمبر ترتفع بنسب تتراوح بين 15 و30 بالمئة عن المتوسط السنوي، ويعود ذلك أساسًا إلى انخفاض السيولة مع دخول الأسواق في موسم العطلات، إلى جانب قيام البنوك وصناديق الاستثمار بإغلاق مراكزها المالية وإعادة موازنة محافظها قبل نهاية السنة المالية. هذا السلوك يخلق اختلالًا مؤقتًا بين العرض والطلب، ما يجعل العملات أكثر عرضة لتحركات حادة خلال فترات زمنية قصيرة.
الدولار في قلب المشهد النقدي العالمي
يبقى الدولار الأمريكي المحرك الرئيسي لسوق العملات، إذ تُظهر الإحصاءات أن نحو 88 بالمئة من معاملات الصرف الأجنبي تتم باستخدامه بشكل مباشر أو غير مباشر. ومع استمرار السياسة النقدية المتشددة نسبيًا للاحتياطي الفيدرالي، باتت تحركات الدولار أكثر حساسية لأي بيانات تتعلق بالتضخم أو سوق العمل. وتشير تقديرات مؤسسات مالية كبرى إلى أن تغيير التوقعات بشأن أسعار الفائدة بمقدار 0,25 نقطة مئوية قد يؤدي إلى تحرك الدولار بنسبة تتراوح بين 2 و4 بالمئة خلال أسابيع قليلة، وهو ما ينعكس فورًا على بقية العملات العالمية.
العملات بين الضغوط والاختلافات الهيكلية
في المقابل، تعاني العملات الأوروبية والآسيوية من ضغوط متفاوتة تبعًا لأداء اقتصاداتها. فقد أظهرت بيانات عامي 2023 و2024 أن عملات الأسواق الناشئة سجلت تراجعات تراوحت بين 8 و18 % في بعض الدول، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وخروج رؤوس الأموال الأجنبية. كما تواجه هذه العملات ضغوطًا إضافية في نهاية السنة بسبب زيادة الطلب على العملات الصعبة لتسديد الديون الخارجية وتمويل الواردات.
تلعب الاحتياطات النقدية دورًا محوريًا في حماية العملات من التقلبات الحادة، إذ تشير البيانات إلى أن الدول التي تمتلك احتياطات تغطي أكثر من ستة أشهر من الواردات تسجل استقرارًا نسبيًا في أسعار الصرف، مقارنة بدول لا تتجاوز احتياطاتها ثلاثة أشهر، حيث تكون عملاتها أكثر هشاشة أمام الصدمات الموسمية. وفي الوقت نفسه، ساهم التضخم العالمي الذي بلغ في المتوسط نحو 5,5 % خلال عام 2024 في زيادة الضغوط على العملات، خاصة في الدول التي لم تنجح بعد في السيطرة على الأسعار أو استعادة الثقة النقدية.

نهاية السنة و اتجاهات العام المقبل
لا تعكس تقلبات العملات في نهاية السنة مجرد عوامل موسمية، بل تمثل قراءة مكثفة لحصيلة عام كامل من السياسات الاقتصادية والمالية. فأسعار الصرف في هذه المرحلة تُظهر بوضوح تقييم الأسواق لقدرة الاقتصادات على الصمود في مواجهة التحديات المقبلة، سواء تعلق الأمر بالنمو أو الاستقرار المالي أو إدارة الدين العام.

في الختام، تؤكد تقلبات العملات في نهاية السنة أن سوق الصرف لم يعد مجرد انعكاس للأرقام والمؤشرات، بل أصبح تعبيرًا مباشرًا عن حالة عدم اليقين التي تطبع الاقتصاد العالمي. فبين تشدد السياسات النقدية، وتقلص السيولة، وتزايد المخاطر الجيوسياسية، تتحرك العملات وفق منطق الترقب والحذر أكثر من منطق الاستقرار. ومن هنا، تبرز نهاية السنة كمرحلة مفصلية تختزل حصيلة عام كامل، وتمهد في الوقت ذاته لاتجاهات العام المقبل، ما يجعل قراءة تحركات العملات في هذه الفترة ضرورة لفهم موازين القوة الاقتصادية العالمية واستشراف مستقبلها في عالم سريع التغير.

المشاركة في هذا المقال