لا تزال مستشفيات قطاع غزة هدفا رئيسيا لنيران الاحتلال الذي يواصل استهدافه لكل القطاعات الحيوية ولما تبقى من مؤسسات طبية في غزة المحاصرة .
يأتي ذلك فيما كشفت تقارير اعلامية عن ملامح خطة صهيونية جديدة لمرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، وتتضمن تغييرا جذريا في شكل القطاع وتركيبته السكانية، في خطوة تهدف لإعادة هندسة سياسية وجغرافية يعمل الاحتلال الصهيوني على تنفيذها في القطاع المحتل ضاربا عرض الحائط كل الاتفاقيات والمواثيق والقوانين الدولية .
وتأتي هذه الخطة بالتزامن مع تعثر تطبيق الاتفاق المطروح استنادا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأمر الذي دفع تل ابيب الى استغلال المشهد وطرح بدائل أحادية الجانب تستثمر فيها كامل جبروتها وعتادها لتوسيع مخططها الاحتلالي الحربي .
ملامح الخطة
وبحسب ما نشرته صحف صهيونية تشمل الخطة الإسرائيلية عدة عناصر أبرزها اعادة توطين ما يقرب من مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية شرق ما يعرف بالخط الأصفر. وتفريغ مناطق نفوذ حركة المقاومة حماس من المدنيين كليا، لتحويلها إلى مناطق عمليات عسكرية تدريجية تستهدف عناصر المقاومة. وايضا اخضاع جزء من القطاع لإدارة أمنية إسرائيلية–أمريكية مشتركة، بما يشبه إعادة رسم خريطة غزة من جديد.
وتشير تقديرات خبراء إلى أن هذه البنود تشكل تفسيرا مختلفا تماما لخطة ترامب، التي لم تتضمن إعادة توطين جماعي أو تغييرا ديموغرافيا واسعا للسكان. وكشفت الخطة الإسرائيلية التي جرى تسريبها مؤخرا حول مستقبل قطاع غزة عن توجه خطير يرمي إلى إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية بالقوة، في لحظة يعاني فيها القطاع من حصار خانق ودمار واسع خلّفته الحرب.
فوفق ما نشرته وسائل الإعلام ، تتضمن الخطة ما يسمى بـ"غزة الجديدة"، وهي رؤية أحادية الجانب يسعى الاحتلال من خلالها إلى فرض واقع جديد كليا على الأرض، مستفيدا من اختلال ميزان القوى وتعثر تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار الهش .
وبحسب تفاصيل الخطة، تعتزم "إسرائيل" إعادة توطين ما يقارب مليوني فلسطيني في مناطق جديدة تقع شرق الخط الأصفر تحت سيطرتها المباشرة، في خطوة يعتبرها خبراء نوعا من النقل القسري للسكان، لما تحمله من تهجير وتغيير جذري في بنية المجتمع الغزي.
ويرى مراقبون أن هذه الخطة ليست سوى محاولة واضحة لفرض أمر واقع جديد يضمن لحكومة الاحتلال إحكام قبضتها على غزة، وإقصاء أي دور فلسطيني رسمي أو شعبي في إدارة مستقبل القطاع. وتعبّر هذه الرؤية عن رغبة إسرائيلية في التعامل مع غزة ككيان منفصل، بلا امتداد سياسي أو جغرافي، وبلا صلة بمشروع الدولة الفلسطينية.
أهداف الاحتلال
ويؤكد خبراء أن الخطة تحمل محاولة لإعادة الاحتلال المباشر للقطاع، وإن جرى ذلك تحت غطاء إعادة الإعمار أو الترتيبات الأمنية. فإسرائيل، وفق مراقبين، تحاول الاستفادة من الأزمة الإنسانية التي يعيشها أهالي غزة، ومن عجز المجتمع الدولي عن فرض آليات تنفيذ واضحة على الأرض، لتمرير مشروع يعيد الفلسطينيين إلى واقع مشابه لما قبل عام 1967، حين كانت السيطرة الإسرائيلية على القطاع كاملة وغير مقيدة.
كما يشير محللون إلى أن توقيت نشر هذه الخطة ليس اعتباطيا، بل يعكس رغبة إسرائيل في اختبار ردود الفعل من جهة، وتهيئة الأجواء لمرحلة قد تحاول فيها فرض وقائع جديدة بالقوة، بحجة استمرار الخلاف حول المرحلة الثانية من الاتفاق القائم. فبينما يرفض الاحتلال الانسحاب، وترفض المقاومة تسليم سلاحها باعتباره حقها المشروع، تحاول تل أبيب تقديم "خيار ثالث" يضمن لها السيطرة الشاملة دون الدخول في التزامات سياسية أو تفاوضية.
ويحذر مراقبون من أن تطبيق هذه الخطة سيشكل خطرا بالغا على مستقبل القضية الفلسطينية برمتها، لأنه يعني عمليا تصفية أي فرصة لقيام دولة فلسطيني موحدة ، وتكريس حالة التفكك الجغرافي التي تعاني منها الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن نقل السكان، بأي شكل من الأشكال، سيكون بمثابة تهجير قسري مغلف بخطاب إداري وإنساني، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي وينذر بانفجار إنساني وأمني جديد.
ويرى خبراء أن غزة، رغم ما تمر به من حصار ودمار، ما زالت قادرة على إحباط مثل هذه المشاريع، كما فعلت مرارا خلال العقود الماضية. فصمود أهلها، وتمسكهم بأرضهم، ورفضهم لأي ترتيبات تُفرض عليهم قسرا، شكل دائما حاجزا أمام محاولات فرض الأمر الواقع. ويشير محللون إلى أن أي خطة تتجاوز الإرادة الفلسطينية مصيرها الفشل، مهما بدت قوتها على الورق، لأن غزة أثبتت أنها غير قابلة للكسر، وأن شعبها قادر على إعادة التوازن مهما كانت الظروف صعبة.
تمثل الخطة الإسرائيلية الجديدة، محاولة لإعادة صياغة غزة بما يخدم المصالح الإسرائيلية وحدها، دون اعتبار للحقوق الفلسطينية أو للثمن الإنساني الهائل الذي يدفعه السكان. ومع ذلك، فإن تجارب السنوات الماضية تظهر أن غزة، رغم جراحها، تظل رقما صعبا في معادلة الصراع، وأن أي محاولة لفرض مستقبلها بالقوة ستواجه برفض شعبي واسع، وبمقاومة قادرة على قلب الحسابات، حتى في أحلك الظروف.
إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية
من جانبها اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء امس الاول الثلاثاء، قرارا يؤكد مسؤولية الأمم المتحدة تجاه فلسطين ويدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967 ودعم حل الدولتين.
وذكرت تقارير أن مشروع قرار أعدته جيبوتي، والأردن، وموريتانيا، وقطر، والسنغال وفلسطين، عُرض للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق الاناضول.
وصوّتت 151 دولة لصالح مشروع القرار، بينما عارضته 11 دولة، في مقدمتها إسرائيل والولايات المتحدة، وامتنعت 11 دولة عن التصويت.
ويعيد القرار المعتمد التأكيد على مسؤولية الأمم المتحدة تجاه قضية فلسطين، ويطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة بعد عام 1967، إضافة إلى دعم حل الدولتين.
تركيا تدعو لتطبيق القرار
وفي كلمة أمام الجمعية العامة قبل التصويت، أكد المندوب الدائم لتركيا لدى الأمم المتحدة أحمد يلدز دعم بلاده القوي لمساعي الحل السلمي للقضية الفلسطينية، داعيا جميع الدول الأعضاء للعمل بجدية على تنفيذ بنود القرار.
ووصف يلدز الوضع الإنساني في غزة بأنه "مقلق للغاية"، مشيرا إلى أن عدد القتلى جراء الهجمات الإسرائيلية تجاوز 70 ألفا.
وأشار إلى التطورات الدبلوماسية التي شهدها العام الأخير، حيث تزايد الدعم الدولي لحل الدولتين.
وقال إن تركيا ترحب بالتوصل إلى وقف إطلاق النار بعد عامين من الحرب المدمرة في غزة، وتدعو بصفتها وسيطا لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 وخطة السلام المكوّنة من 20 بندا "تنفيذا كاملا وصادقا".
وشدد على ضرورة تقديم مساعدات إنسانية واسعة ودون انقطاع لغزة، وإطلاق عملية إعادة الإعمار فورا، محذرا من اتساع رقعة العنف في الضفة الغربية أو لبنان أو سوريا أو المنطقة عموما.
كما أدان يلدز "بشدّة" اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين واغتصابهم لأراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، مؤكدا أن تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط لا يكون إلا عبر حل الدولتين وعلى أساس حدود ما قبل 1967.
مضمون القرار الأممي
ويعيد القرار الذي تم اعتماده التأكيد على مسؤولية الأمم المتحدة إزاء القضية الفلسطينية، ويطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، ودعم حل الدولتين.
كما يطالب القرار بوقف اعتداءات المستوطنين على أراضي الفلسطينيين، وامتثال إسرائيل للقانون الدولي، واستئناف المفاوضات، وعدم الاعتراف بأي تغييرات في الحدود، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
كما يعرب القرار عن ارتياحه لوقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في غزة يوم 10 أكتوبر المنصرم، ويشدد على رفض أي محاولات لتغيير التركيبة السكانية أو الوضع الجغرافي للقطاع، مؤكدا أنه جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ويدعو القرار إسرائيل إلى الانسحاب من كافة الأراضي التي تحتلها منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وتحقيق الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة.
ورغم أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة قانونيا، فإنها تُعد مؤشرا مهما على توجهات المجتمع الدولي لدعم فلسطين في وجه الاحتلال.
استمرار القصف
وفي اليوم الـ53 من بدء وقف إطلاق النار في غزة، وميدانيا أفادت مصادر في مستشفيات قطاع غزة باستشهاد 5 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق عدة بالقطاع منذ صباح امس.
كما أكد مصدر في المستشفى المعمداني استشهاد فلسطينيين اثنين وسقوط عدد من المصابين بنيران جيش الاحتلال في حي التفاح شمال شرقي مدينة غزة.
وواصل الاحتلال خرق اتفاق وقف إطلاق النار باستهداف مناطق داخل الخط الأصفر، حيث نسف مباني في حي التفاح، وأطلقت مروحياته ومدفعيته النيران على أهداف شرقي مدينة خان يونس جنوبي القطاع.
يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه إسرائيل أنها تسلمت بقايا جثمان أحد الأسيرين المتبقيين في قطاع غزة قبل نقله إلى معهد الطب الشرعي قرب تل أبيب للتعرف عليه. لتنفي في وقت لاحق ان الجثتان لا تعودان للرهائن.
وفي الضفة الغربية، قالت تقارير إن قوات الاحتلال فجرت مبنى داخل مخيم جنين شمالي الضفة.
كما أصيب 3 جنود إسرائيليين في عمليتي طعن قرب رام الله ودعس شمالي الخليل، قبل أن يستشهد المنفذان بنيران قوات الاحتلال.
ونفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر امس الأربعاء، عمليات نسف لمبان سكنية شرقي مدينة غزة، تزامنا مع قصف مدفعي استهدف الأحياء الشرقية لمدينة خان يونس جنوبي القطاع. ويعد حي الشجاعية واحدا من أكبر وأقدم أحياء مدينة غزة، وقد شهد خلال الإبادة الإسرائيلية التي استمرت لعامين دمارا واسعا في المنازل والبنية التحتية.
وفي جنوب القطاع، قصفت المدفعية الإسرائيلية المناطق الشرقية من مدينة خان يونس داخل نطاق السيطرة العسكرية الإسرائيلية.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، خرق الجيش اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، نحو 591 مرة حتى الأحد الماضي، ما أسفر عن مقتل 357 فلسطينيًا وإصابة 903 آخرين.
وخلفت الإبادة الإسرائيلية التي بدأت في 8 أكتوبر 2023، أكثر من 70 ألف شهيد فلسطيني، ونحو 171 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا مع كلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.
خلل في المنظومة الصحية
من جانبها اعلنت منظمة الأمم المتحدة، أن أكثر من 16 ألفا و500 مريض فلسطيني لا يزالون بحاجة إلى رعاية منقذة للحياة خارج قطاع غزة.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي، إنه مع حلول فصل الشتاء بتحدياته التي تواجه الفلسطينيين المنهكين بقطاع غزة، تعمل الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني بلا كلل لتوسيع نطاق تقديم المساعدة للمحتاجين، بمن فيهم الأطفال.
وأشار دوجاريك إلى تقديم الآلاف من المواد الأساسية للأشخاص الذين عانوا بشدة على مدار العامين الماضيين نتيجة الحرب في غزة، وشملت هذه المواد الأحذية والملابس والبطانيات والمناشف، إلى جانب توزيع الإمدادات الأساسية الأخرى.
وذكر أنه تم أيضا توزيع 160 "خيمة للأنشطة" نهاية نوفمبر الماضي، "مما مكن آلاف الأطفال من الوصول إلى أنشطة الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي وخدمات إدارة الحالات".
وتطرق دوجاريك إلى الجانب الصحي، مؤكدا أن فريقا من منظمة الصحة العالمية قاد عملية إجلاء طبي يوم الاثنين لـ18 مريضا و54 مرافقا لهم من غزة لتلقي العلاج في الخارج.
وشدد على أنه "لا يزال أكثر من 16 ألفا و500 مريض بحاجة إلى رعاية منقذة للحياة خارج قطاع غزة".
كما تمنع إسرائيل إدخال قدر كاف من الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية إلى غزة، حيث يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني في أوضاع لاإنسانية كارثية.
توسيع القصف
واستهدفت مروحيات إسرائيلية، مساء امس بنيران رشاشاتها مناطق بمدينة طوباس وبلدة قباطية شمالي الضفة الغربية المحتلة.
وذكرت مصادر محلية أن مروحيات إسرائيلية من طراز "أباتشي" أمريكية الصنع أطلقت النيران في طوباس، وسُمع ذلك عدة مرات مساء امس.
وفي بلدة قباطية جنوب جنين، نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" عن مصادر محلية، أن مروحيات إسرائيلية من طراز "أباتشي" أطلقت الرصاص الحي الثقيل على منطقة جبل الزكارنة في البلدة.
وأوضحت الوكالة أن المنطقة التي أطلق الرصاص صوبها هي منطقة مفتوحة وغير مأهولة.
وتشهد محافظة طوباس منذ أكثر من أسبوع، تصعيدا عسكريا خلّف دمارا واسعا في البنية التحتية والممتلكات، إضافة إلى إصابة مئات الفلسطينيين واعتقال عشرات آخرين.
كما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي ظهر امس، فرض حظر تجوال شامل في بلدة قباطية، حتى إشعار آخر، وفق ما أعلنت البلدية في بيان لها.
يأتي ذلك بالتزامن مع تصعيد عسكري إسرائيلي واسع بالضفة الغربية المحتلة، منذ أيام، تضمن عمليات دهم، وهدم منازل، وإغلاق مدن.
وشمل هذا التصعيد، محافظات الخليل جنوبا، ورام الله بالوسط، ونابلس وطوباس شمالا، حيث فرض الجيش إجراءات مشددة على الحركة اليومية للمواطنين، وأغلق شوارع رئيسية، ودهم منازل فلسطينيين، ما أدى إلى تعطيل الخدمات العامة والمدارس.
ومنذ 21 جانفي الماضي، تشهد مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم شمالي الضفة الغربية عملية عسكرية هدم الجيش الإسرائيلي خلالها آلاف المنازل وأجبر نحو 32 ألف فلسطينيا على النزوح، بحسب معطيات رسمية.
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه الضفة الغربية تصعيدا غير مسبوق في هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في 8 أكتوبر 2023. وشمل الاستهداف الفلسطينيين وممتلكاتهم ومصادر أرزاقهم، كما أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن 1087 فلسطينيا بالضفة، وإصابة قرابة 11 ألفا، إلى جانب اعتقال ما يفوق 21 ألفا، وفق معطيات رسمية.