لسنة 2026 خطتها للانتقال الطاقي التي حرصت على أن تبرز كم هي واعدة وقادرة على تحقيق الانتقال الذي تأخر كثيرا عبر حزمة من الإجراءات أبرزها تخفيضات ديوانية على اللواقط الشمسية وتشجيعات للتونسيين على تركيب منظومات إنتاج منزلي وتوسيع دور صندوق الانتقال الطاقي ضمن حزمة من الدعم الرسمي للطاقات المتجددة حزمة هامة لكن ليست بالثقل الذي تم التسويق له على أنه الخيار الأمثل لتحقيق الانتقال الطاقي فهذه الإجراءات التي أصبحت تتكرر كل سنة لم تحقق أي انتقال طاقي والسبب أنها لا تعالج أصل الأزمة ولا تتعامل مع جذورها فما تطرحه الحكومة من خطة استراتيجية لا يتجاوز في حقيقة الأمر كونه إجراء جزئيا يستهدف قطاعات هي الأقل استهلاكا للطاقة أي أنها ترغب عبر سلسلة من الإجراءات التي تحفز التحكم في العجز في أقل أجزاء منظومة الطاقة مساهمة في العجز ولا تقترب إطلاقا من القطاعات الثقيلة التي تستهلك أكثر من ثلثي الطاقة في البلاد فلو نظرنا إلى الوقائع سنجد أن الاستهلاك المنزلي والخدماتي للطاقة وهو أساسا الكهرباء لا يمثل أكثر من ربع الطلب النهائي على الطاقة أما الصناعة والنقل فهما يستأثران بأكثر من 70 بالمائة من الطلب ومع ذلك ترتكز خطة الحكومة واستراتيجيتها على المواطن وعلى عداد كهربائه هذا الترتيب للأولويات يكشف عن خلل جوهري في رسم الخطة التي أغفلت الصورة التي يقدمها توزيع استهلاك الطاقة في البلاد والتي تبين أن النقل يستأثر بأكثر من ثلث الاستهلاك يليه استهلاك الصناعات وهو ما أفرز خطة تقوم على سياسة تضع الأسرة في مركز المشهد وتترك الصناعة والنقل في الهامش وهذا اختيار سهل سياسيا لكنه عديم الجدوى اقتصاديا ولا يحقق الانتقال الطاقي الموعود في سنوات الأزمات الطاقية الماضية اكتشف التونسيون كيف يؤثر اضطراب سوق الطاقة الدولي وسلاسل التوريد على حقيقة معادلة الطاقة في البلاد إنتاج محلي محدود تراجع اليوم وفق آخر الإحصائيات ليغطي قرابة 36 بالمائة من احتياجاتنا التي يقع تلبية أغلبها عبر استيراد مكلف في سوق غير مستقر مما يجعلنا في تبعية طاقية وهنا المحصلة النهائية لهذه المعادلة تفترض أن تتحرك الدولة في اتجاهين واضحين الأول ضمن استراتيجية شاملة للانتقال الطاقي في علاقة بالاستهلاك تمزج بين مشاريع كبرى لإنتاج الطاقة الكهربائية وخطة تقودنا إلى تحول في سلة استهلاك الطاقة لقطاعي النقل والصناعة وهذا لا تقدمه استراتيجية الحكومة الراهنة التي اختزلت الأزمة في بعد واحد وهذا الاختزال يتجلى في خطاب الحكومة التي تقدم بعض خططها في علاقة بمؤسسات عمومية ستشرع في إنتاج الطاقة الكهربائية ذاتيا وتقدم ذلك على أنه خطوة مهمة تسمح بالتحكم في استهلاك الطاقة وترشيده بما يؤثر إيجابيا على مؤشرات الطاقة العامة في البلاد لكن ما تقدمه الحكومة هنا باعتباره جزءا من خطتها لتطوير البنية التحتية عبر ربط مؤسسات عمومية بشبكة إنتاج الطاقة المتجددة هو في الحقيقة اختزال يكشف عن الخلل الثاني الذي يجب معالجته في استراتيجيتها وهو أن أي انتقال طاقي يحتاج شبكات ترافقه أي وجود شبكة كهرباء قادرة على استيعاب الإنتاج المتجدد ومحطات شحن موزعة على امتداد البلاد وخطط لضمان الاستقرار خلال فترات الذروة والأهم قدرة على سد النقص بسرعة لضمان إمداد طاقة مستقر ما تقدمه الحكومة الآن في عناصر خطتها لا يتضمن أي إشارة لا تلميحا ولا تصريحا بأنها تعتزم تحديث شبكتها لنقل الطاقة وهذا قد يكون صحيحا إن كانت لدينا شبكة تحقق المطلوب منها ولكن اليوم شبكتنا غير قادرة على ذلك وهذا يضع الخطاب الرسمي أمام مساءلة عن سبب إغفال هذا العنصر خاصة وأنه دون شبكة قوية تضمن تحقيق الاستفادة الكاملة وإدماج القطاعات ومنها النقل الخاص أو العمومي عبر تحقيق انتقال كامل للنقل العمومي المعتمد على الكهرباء فإن كل خطوة نقطعها في مسار الانتقال ستكون مجردة من نجاعتها التي لن تتحقق إلا إذا تعاملت الدولة مع الطاقة لا كملف تقني بسيط بل كملف هيكلي يمكن أن يحدد مستقبل تونس لا يمكن الحديث عن انتقال طاقي وعن استراتيجية وطنية تسقط مسألة توطين الصناعة والتكنولوجيا ففي تونس اليوم التي تعلن توجهها إلى الطاقات المتجددة تقدم بوعي أو دون وعي خدمة لاقتصاديات دول أخرى إذ إنها تضخ تمويلات هامة في بضائع ومنتجات وتكنولوجيات يتم استيراد أغلبها وهو نتاج طبيعي لغياب سلسلة القيمة المحلية ولعدم رسم سياسات عمومية ترسخ هذه السلاسل وتجذرها في البلاد عبر استقطاب المصنعين الأجانب أو المحليين أو تشجيع مراكز بحوث تقنية وجامعية للمساهمة في جهود التصنيع والتجميع وتوطين المعرفة وإنتاجها بهدف الخروج من موقع المستهلك الخروج من هذا الموقع لا يمكن أن يتم ما لم توظف الدولة كل إمكانياتها وتجنّد طاقاتها بهدف تحقيق مصالحها هي لا مصالح شركائها الذين باتوا اليوم يدفعون بالبلاد إلى الانخراط في أجندتهم الطاقية خاصة أوروبا التي ترغب في جعل البلاد حقل إنتاج يوظف لفائدتها مع تحميل تونس التكلفة المالية والعبء في حين أن البلاد اليوم تحتاج إلى مشروعها الخاص الذي يجب أن يدمج الجامعة والتكوين المهني كعنصر أساسي في بنوده عبر مراجعة جذرية تسمح بإحداث تخصصات واضحة في علاقة بالصناعة والتكنولوجيا من التخطيط والابتكار إلى التركيب والصيانة ضمن مسار يهدف إلى بناء عقول تقود وتستفيد من الانتقال الطاقي لضمان أن الأموال التي ستضخ في مسار الانتقال تكون استثمارا طويل الأمد لا على التجهيزات فقط بل أيضا على الكفاءات والعقول التي يمكنها أن تحقق للبلاد استفادة قصوى وهي اليوم غير محتملة بما تقدمه بنود خطة الحكومة وهذا يسمح بالقول إن الحكومة قدمت خطة جزئية تقوم على معالجات متفرقة وليست استراتيجية وطنية شاملة تقوم على رؤية وسياسات لا تختزل الانتقال الطاقي في بعد اجتماعي يهدف إلى تخفيف فواتير الكهرباء للمنازل بل تجعله مشروعا سياديا اقتصاديا يتطلب انخراط الدولة بكامل قوتها وهذا ما لا تزال تونس بعيدة عنه وعن متطلبات هذا المستوى من التخطيط لذلك مهما كانت النوايا سيظل الأثر الاستراتيجي محدودا وستبقى الأزمة في مكانها تنتظر من يواجهها