الاحتلال يعيد رسم خرائط السيطرة منطقة عازلة في غزة وضربات كثيفة في الضفة

استأنف كيان الاحتلال ضرباته على عديد المناطق

في قطاع غزة في الوقت الذي حذرت فيه منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من تدهور خطير يهدد الوضع الصحي للأطفال في قطاع غزة مع دخول فصل الشتاء، مشيرة إلى أن استمرار سوء التغذية وانتشار الأمراض يشكّل تهديدًا مباشرًا لحياة آلاف الأطفال، ولا سيما الأكثر ضعفا منهم.
ويتزامن القصف الإسرائيلي مع مخاوف بشأن "الاحتفاظ" بالمناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال حاليا مع مخاطر بأن يصبح "الخط الأصفر" هو حدود القطاع الجديدة في سياق إعادة رسم خرائط غزة بما يلائم مصالح الاحتلال .
الخط الأصفر
وفي اليوم الثاني والخمسين لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتضح ملامح مرحلة جديدة عنوانها استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على ما يُعرف بـ"الخط الأصفر". إذ كشفت مصادر أمنية صهيونية أنّ الجيش يخطط للإبقاء على انتشاره في تلك المنطقة داخل القطاع المحتل، في خطوة تُفسر على أنها محاولة لفرض واقع ميداني طويل الأمد .
ووفق مراقبين فإن هذا القرار لا يتماشى مع تصريحات جيش الاحتلال بشأن معاناته من نقص يقارب 1300 ضابط في الوحدات القتالية، إضافة إلى توقعات بعدم التحاق 30% من الجنود بوحداتهم خلال العام المقبل، وهي أرقام تعكس أزمة غير مسبوقة داخل المؤسسة العسكرية للاحتلال. ومع ذلك، يبدو أن الاحتلال يصر على تعويض هذا النقص عبر تكثيف العمليات الجوية والمدفعية، وهو ما يتجلى في استمرار استهداف مناطق الخط الأصفر بالقصف المتقطع، وتحليق المروحيات التي تطلق النار في محيط خان يونس، في خرق واضح لروح وقف إطلاق النار.
ورغم الهدوء النسبي الذي يفترض أن يرافق أي اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن السلوك الميداني للاحتلال الاسرائيلي يشير إلى أن غزة لا تزال تُعامل باعتبارها ساحة مفتوحة للضغط العسكري، وأنّ "إسرائيل'' تسعى إلى ترسيخ شريط أمني يفصل بين شمال القطاع وجنوبه، بما يضمن لها رقابة مستمرة على حركة السكان وعلى أي نشاط للمقاومة.

أما في الضفة الغربية، فالمشهد لا يقل توترا، إذ وسعت قوات الاحتلال من عملياتها الأمنية، واقتحمت مدينة طوباس شمالي الضفة، وأغلقت الطرق المؤدية إليها، فارضة حظر تجوال على سكانها. وتزامن ذلك مع مداهمات واسعة لمنازل في بلدة قباطية جنوبي جنين، ما يعكس توجها صهيونيا لإحكام السيطرة على مدن الضفة بالتوازي مع ترتيبات جديدة في غزة، وكأن الاحتلال يدير ساحتين مرتبطتين لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى.
تجمع هذه التطورات بين أزمة داخلية إسرائيلية تتمثل في نقص القوى البشرية، ومساع ميدانية لفرض وقائع جديدة في غزة والضفة المحتلة، ما يجعل المرحلة القادمة أكثر توترا وتعقيدًا. وفي ظل غياب أي مسار سياسي حقيقي، تبدو المنطقة مقبلة على صراع طويل الأمد يتخذ أشكالا مختلفة، لكنه يبقى تحت سقف معادلة واحدة: محاولات من الاحتلال لترسيخ نفوذه على الأرض، مقابل صمود فلسطيني يتجدد رغم استمرار الضغوط.

العفو الدولية تحذر
من جانبها أكدت منظمة العفو الدولية، أنّ الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في قطاع غزة لا تزال مستمرة دون هوادة، على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار.
وقالت المنظمة في إحاطة رسمية، أمس الاثنين، إنّ مرور أكثر من شهر على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء لم يوقف جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة المحتلّ، من خلال فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تدمير الفلسطينيين جسديًا، دون أي تغيير يُذكر في نواياها.وقدمت المنظمة تحليلاً قانونيًا للإبادة الجماعية المستمرة، مستندةً إلى شهادات الأهالي والموظفين الطبيين والعاملين في المجال الإنساني، لتسليط الضوء على الظروف الصعبة المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع.
وقالت الأمينة العامة للمنظمة، أنييس كالامارد: "إن وقف إطلاق النار يُنذر بعودة الحياة في غزة إلى طبيعتها. لكن بينما قلّصت السلطات والقوات الإسرائيلية نطاق هجماتها وسمحت بدخول كميات محدودة من المساعدات الإنسانية، يجب ألا ينخدع العالم. الإبادة الجماعية الإسرائيلية لم تنتهِ بعد". وأضافت: "يُخلق وهمٌ خطيرٌ بأن الحياة في غزة تعود إلى طبيعتها، في حين أن التهديد مستمر والقيود المفروضة على السكان لم تُلغَ".
وأظهرت دراسة موسعة للمنظمة أنّ "إسرائيل" ارتكبت ثلاثة أفعال محظورة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بقصد محدد لتدمير الفلسطينيين في غزة، تشمل القتل، والتسبب في أضرار جسدية أو عقلية خطيرة، وفرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تدميرهم جسديًا.
وأوضحت كالامارد أنه رغم انخفاض حجم الهجمات وبعض التحسن المحدود، لم يحدث أي تغيير ملموس في الظروف التي تفرضها "إسرائيل" على الفلسطينيين في غزة، ولا يوجد دليل يشير إلى أي تعديل في نواياها. وأضافت: "إسرائيل ألحقّت ضررًا بالغًا بالفلسطينيين من خلال إبادة جماعية، بما في ذلك عامين من القصف المتواصل والتجويع المُمنهج المتعمّد، ولا يوجد أي مؤشر على اتخاذ إجراءات جدية لعكس أثر جرائمها المميتة".وشدّدت على أنّ "إسرائيل" تواصل سياساتها القاسية، وتقييد الوصول إلى المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية، وفرض شروط متعمدة تهدف إلى تدمير الفلسطينيين جسديًا، محذرةً من أن الظروف الحالية لا تزال تحمل احتمالية حقيقية لتدميرهم، خاصة في ظل تفشي الأمراض بعد سنوات من الحصار غير القانوني، وأشهر من الحصار الشامل هذا العام، ما أدى إلى خلق ظروف تؤدي إلى موت بطيء نتيجة نقص الغذاء والماء والمأوى والملابس وخدمات الصرف الصحي.
وأشارت المنظمة إلى أن "إسرائيل" لا تزال تفرض قيودًا شديدة على دخول الإمدادات واستعادة الخدمات الأساسية، بما في ذلك منع دخول المعدات والمواد اللازمة لإصلاح البنية التحتية، وإزالة الذخائر غير المنفجرة، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وهو ما يشكل مخاطر صحية وبيئية لا رجعة فيها. كما تحد من توزيع المساعدات الإنسانية، وتقيّد المنظمات المسموح لها بتوصيل الإغاثة.
ونبهت المنظمة إلى استمرار التهجير الإسرائيلي الممنهج للفلسطينيين من أراضيهم الخصبة، حيث يسيطر الجيش الإسرائيلي على نحو 54-58% من مساحة القطاع، بينما يعيش الفلسطينيون في أقل من نصف مساحة غزة، في مناطق أقل قدرة على دعم الحياة، مع استمرار القيود على المساعدات الإنسانية.
وأكدت المنظمة أن "إسرائيل" لم تُجرِ أي تحقيقات مع المسؤولين عن الإبادة الجماعية، ولم تُحاسب أي من المشتبه بمسؤوليتهم، فيما جاء وقف إطلاق النار نتيجة لضغوط دولية وليس نتيجة تغيير في موقف "إسرائيل".
رفع الحصار الإنساني
وقالت كالامارد: "يجب على إسرائيل رفع حصارها اللاإنساني وضمان وصول غير مقيد للغذاء والدواء ومواد إعادة الإعمار، واستعادة الخدمات الأساسية، وتوفير مأوى مناسب للنازحين، وضمان عودتهم إلى ديارهم". وأضافت أن المجتمع الدولي بدأ يخفف الضغط على "إسرائيل"، حيث لم يتضمن القرار الأخير للأمم المتحدة التزامات واضحة باحترام حقوق الإنسان أو ضمان المساءلة، كما أشار مثال ألمانيا ووقف تعليق تراخيص تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل" في 24 نوفمبر.ودعت المنظمة قادة العالم لإثبات التزامهم بواجبهم في منع الإبادة الجماعية وإنهاء الإفلات من العقاب الذي غذى عقودًا من الجرائم الإسرائيلية، وطلبت وقف جميع عمليات نقل الأسلحة إلى "إسرائيل" حتى توقف جرائمها، والسماح لمراقبي حقوق الإنسان والصحفيين بالوصول إلى غزة لضمان شفافية التقارير.
وشددت كالامارد على ضرورة ألا يُصبح وقف إطلاق النار ستارًا للإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة.وارتكبت "إسرائيل" منذ 7 أكتوبر 2023 -بدعم أمريكي أوروبي- إبادة جماعية في قطاع غزة، شملت قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا واعتقالا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.وخلفت الإبادة أكثر من 240 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين معظمهم أطفال، فضلا عن الدمار الشامل ومحو معظم مدن القطاع ومناطقه من على الخريطة.
المجاعة تهدد حياة آلاف الأطفال في غزة
من جهة أخرى تتواصل آثار المجاعة الكارثية في قطاع غزة بعد نحو شهرين على اتفاق وقف إطلاق النار، بناء على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسماح إسرائيل بإدخال أصناف من المواد الغذائية إلى القطاع.ولا تزال ''إسرائيل'' تمنع أو تسمح بدخول كميات قليلة من المواد الغذائية الأساسيّة، ما يجعل سعرها مرتفعا وخارج نطاق القدرة الشرائية لآلاف العائلات في قطاع غزة، خاصة المواد الغذائية الأساسية للأطفال كالبيض والفواكه واللحوم.
وفي بيان نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" حذّرت من تدهور خطير يهدد الوضع الصحي للأطفال في قطاع غزة مع دخول فصل الشتاء، مشيرة إلى أن استمرار سوء التغذية وانتشار الأمراض يشكّل تهديدًا مباشرًا لحياة آلاف الأطفال، ولا سيما الأكثر ضعفا منهم.وقالت "يونيسيف": "حسب فحوص أجريت في أكتوبر الماضي فإن نحو 9300 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد"، وهو ما وصفته المنظمة بأنه "رقم مقلق للغاية" يعكس عمق الأزمة الإنسانية التي يعيشها القطاع.
وأكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا، أن الواقع الإنساني في قطاع غزة يزداد تدهورًا يومًا بعد يوم، دون وجود أي تحرك فعلي لمعالجة الأزمة الإنسانية، وخاصة في القطاعات المتعلقة بالتغذية والمساعدات الطارئة.
وأضاف وفق"إرم نيوز": "حتى اللحظة، لم نشهد أي تحسن حقيقي تجاه الوضع الإنساني، رغم الإعلان عن المجاعة قبل نحو أربعة أشهر، إسرائيل ما زالت تمنع دخول مستلزمات الإيواء والمواد الأساسية، وتقيّد دخول مساعدات أونروا، ما يعيق دورها الإغاثي."وأوضح الشوا أنّ "إسرائيل تفرض قيودًا على دخول عشرات الأصناف الغذائية، خاصة البروتينات والمكملات الغذائية الضرورية للأطفال".
وتابع: "يوميًا نكتشف حالات جديدة من سوء التغذية، وهذا يترافق مع تدهور الحالة الصحية للأطفال، إضافة إلى النساء وكبار السن، في ظل غياب المياه الصحية والرعاية الطبية الكافية".
أزمة القطاع الصحي
وأضاف الشوا أنّ "القطاع الصحي في غزة يواجه أزمة حادة بسبب النقص الكبير في المستلزمات الطبية والأدوية"، مشيراً إلى أن ما يدخل من احتياجات طبية لا يتجاوز 10% من الكميات المطلوبة.
وأكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أن "حالة المجاعة لا تزال قائمة، وهناك تدهور حاصل على كل المستويات الصحية والإنسانية"، مشددًا على ضرورة التحرك العاجل لمعالجة هذا الواقع الكارثي.
وطالب الشوا بفتح المعابر بشكل كامل ودون قيود، وإدخال المساعدات الإنسانية، وخاصة تلك المرتبطة بالأطفال وسوء التغذية، والسماح للمؤسسات الإغاثية بالعمل بحرية لتقديم الدعم اللازم في ظل استمرار المجاعة وتفاقم الاحتياجات المعيشية والدوائية.وأوضح أن هناك تنسيقاً كاملاً مع منظمات الأمم المتحدة، مثل "اليونيسف" و"منظمة الصحة العالمية" و"الأونروا"، لمحاولة الوصول إلى الأطفال المتضررين من سوء التغذية، رغم محدودية الكميات التي تصل كمساعدات، مبينا أن الجهود تتركز حالياً على تقديم برامج غذائية وصحية عبر العيادات المتنقلة، والتي تسهم في إجراء التشخيص الطبي الأولي للأطفال والنساء، تمهيدًا لبدء مراحل العلاج، التي تتطلب إدخال مساعدات طبية وغذائية عاجلة إلى قطاع غزة.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115