Print this page

نال الجائزة التقديرية لـجائزة أبو القاسم الشابي: الطاهر لبيب ... المفكّر الذي جمع بين السوسيولجيا والإنسانيات

"في انتظار خبر إنّ" (آخر روايات الطاهر لبيب)

جاء الخبر اليقين والسعيد بمنح الجائزة التقديرية لـ"جائزة البنك التونسي/ أبو القاسم الشابي للأدب العربي" للمفكّر وعالم الاجتماع الطاهر لبيب. في هذا التقديراعتراف بجهود باحث ومفكر واصل لعقود إثارة أسئلة السوسيولوجيا العربية، وقراءة الثقافة العربية بعيون ناقدة وذائقة أدبية، وكتابة مسار استثنائي بعقل الفيلسوف وبصيرة السوسيولوجي..

إن تكريم جائزة أبو القاسم الشابي التي يرأسها الشاعر منصف الوهايبي لعالم الاجتماع طاهر لبيب بمنحه جائزتها التقديرية هي قيمة اعتبارية تكرّم في جوهرها المثقف الذي يعبر حدود التخصص ليجعل من المعرفة مشروعا ومسارا وحياة.

لم تكن الجائزة تكريما لكتاب بعينه أو بحث بالذات، بقدر ما كانت احتفاءً برحلة فكرية كاملة. رحلة بدأت في ريف "المزونة" بسيدي بوزيد، هناك حيث ولد الطاهر لبيب سنة 1942، وارتوى من بساطة المكان وعمقه الإنساني، قبل أن يشقّ طريقه نحو الجامعة التونسية، ثم نحو باريس حيث تفتّحت روحه العلمية على يد كبار المفكرين: غولدمان وبروديل وبارت. ثلاثة أسماء منحته ثلاث رؤى، جمع بينها ليصنع لنفسه منهجا نقديا خاصا، يُصغي للنص كما يُصغي للمجتمع، ويقرأ الثقافة كما تُقرأ التحوّلات الكبرى.
عُرف الطاهر لبيب بعمله المرجعي "سوسيولوجيا الغزل العربي: الشعر العذري نموذجا"، وهو كتاب كتبه بالفرنسية ثم ترجمه بنفسه إلى العربية، كما كتب بالعربية والفرنسية مجموعة من المؤلفات والدراسات التي صارت علامات مرجعية في علم الاجتماع الثقافي، من "سوسيولوجيا الثقافة" إلى "ڤرامشي في العالم العربي". كان قادرا على أن يكتب بعمق الباحث وشاعرية الروائي، وأن يقف في منطقة التماس بين المعرفة والجمال.

عالم الاجتماع الذي ربط بين النظرية والممارسة
بعد دراسته في باريس، عاد الطاهر لبيب إلى العالم العربي معلّما وباحثا، يدرّس في تونس وبيروت، متنقّلا بين الجامعات كرحّالة يحمل كتبا وأسئلة. ومثلما كتب وألّف، أسّس وبنى. فقد كان من مؤسّسي الجمعية العربية لعلم الاجتماع، وأول أمين عام لها ثم رئيسها. وكان عضوا في أول لجنة تنفيذية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، كما شارك في العديد من المشاريع الفكرية الكبرى، وفي مقدمتها "مشروع نقل المعارف" والمنظمة العربية للترجمة التي أدارها لأكثر من عقد كامل في بيروت، مارّا عبرها من بوابة الترجمة إلى مشروع نهضوي يتجاوز اللغة إلى إعادة بناء الوعي.
وفي الأدب، كتب القصة القصيرة والرواية، وحبّر نصوصا تشهد على حساسية كاتب لا ينفصل عن الإنسان مهما انشغل بالتحليل الاجتماعي. كان الطاهر لبيب باحثا يملك قلما وأفقا، وصوتا نقديا ثاقبا ومختلفا.
يُعرف الطاهر لبيب رغم سعة علمه بالتواضع ودفء التواصل. وهو رجل لم يسعَ إلى الأضواء، بل جاءت هي إليه. وحين كرّمته الجامعة التونسية، صدر كتاب بعنوان "الثقافة والآخر"، وكأنّ العنوان يلخّص حياته ومساره. وفي سنة 2014، أطلقت دار الثقافة في المزونة اسمه على مبناها، اعترافا من المدينة التي وُلد فيها أن ابنها صار رمزا من رموزها، وأحد أهم عقول السوسيولوجيا العربية.
إنّ تتويج الطاهر لبيب مساء السبت 22 نوفمبر 2025 بجائزة أبو القاسم الشابي للأدب العربي ليس احتفاءً بمسيرة شخصية فقط، بل هو احتفاء بموقع المثقف الحقيقي الذي يربط الجامعة بالواقع، وينقل المعرفة من الكتب إلى الناس.

المشاركة في هذا المقال