Print this page

مشاركة مرتفعة ومشهد سياسي متشابك العراق بين صناديق الاقتراع وتقاطعات النفوذ الإقليمي

في مشهد سياسي غير متوقّع، شهدت الانتخابات التشريعية العراقية

الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في نسبة المشاركة، إذ أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أنّ أكثر من 55 في المائة من الناخبين أدلوا بأصواتهم، في مفارقة لافتة بالنظر إلى مقاطعة التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر، وإلى حالة الإحباط الشعبي من تكرار الأزمات وغياب الإصلاحات الجوهرية.

جرت هذه الانتخابات ، وهي السادسة منذ عام 2003 ،وسط حالة من الهدوء النسبي مقارنة بالسنوات الماضية، في بلد أنهكته الحروب والانقسامات والفساد، رغم ثرواته النفطية الهائلة.وقد فتحت صناديق الاقتراع أبوابها أمام 21.4 مليون ناخب لاختيار 329 نائبا يشكّلون البرلمان الجديد لولاية تمتد أربع سنوات، وسط تنافس 7740 مرشحا، بينهم نحو ثلث من النساء، و75 مستقلا فقط.
ورغم الدعوات الواسعة إلى المقاطعة، واعتبار التيار الصدري أن العملية الانتخابية "فاقدة للنزاهة"، فإن الإقبال المرتفع أعاد طرح تساؤلات حول دوافع الناخبين بين رغبة في التغيير وخشية من استمرار نفوذ القوى التقليدية، خصوصا تلك المرتبطة بمحاور إقليمية متنازعة.

ومن جهتها أعلنت اللجنة الأمنية العليا للانتخابات البرلمانية في العراق، أمسس الأربعاء، نجاح خطة تأمين العملية الانتخابية، وأشارت إلى معالجتها خروقات بسيطة رافقت التصويت في بعض المناطق.وقال رئيس اللجنة، الفريق قيس المحمداوي، خلال مؤتمر صحفي، إن القوات الأمنية "نجحت في تأمين الانتخابات"، موضحا أن "الخروقات التي سجلت بسيطة وتمت معالجتها".
وأضاف أن "القطعات الأمنية لم تتدخل في مجريات التصويت"، مشيرا إلى أن "الجهد الاستخباري أسهم بشكل كبير في نجاح العملية".ولفت إلى أن "عصا الذاكرة (التي تحمل نتائج الاقتراع) وصلت لأول مرة خلال وقت قصير عقب إغلاق الصناديق".من جانبها، قالت مفوضية الانتخابات إنها "ملزمة بإعلان النتائج ضمن التوقيتات المحددة"، مشيرة إلى تسجيل 48 شكوى، منها 39 في التصويت الخاص و9 في التصويت العام، مع استمرار فترة تقديم الشكاوى.
وأضافت المفوضية إن النتائج الأولية ستعلن خلال 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع، على أن تعلن النتائج النهائية بعد الانتهاء من فحص الطعون خلال الأيام المقبلة.يُذكر أن الدورة الحالية لمجلس النواب بدأت في 9 جانفي 2022، وتستمر 4 سنوات، ووفق القانون العراقي، يجب إجراء الانتخابات التشريعية قبل 45 يوما من انتهاء الدورة البرلمانية.

توقعات النتائج
ويتوقع مراقبون أن يحقق ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نتائج جيدة، وإن كانت عودته إلى رئاسة الحكومة ليست محسومة، بالنظر إلى طبيعة التحالفات التي تتشكل عادة بعد الاقتراع.
السوداني، الذي تولّى منصبه عام 2022 عقب أزمة سياسية حادة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، نجح نسبيا في الحفاظ على توازن العراق في خضم التوترات الإقليمية، لكنه يواجه اليوم اختبارا جديدا في ظلّ سباق بين القوى الشيعية والسنية والكردية على رسم ملامح المرحلة المقبلة.
ورغم خوض القوى الشيعية الانتخابات تحت رايات مختلفة، إلا أن المؤشرات تفيد بإمكانية عودتها للاتحاد تحت مظلة "الإطار التنسيقي" بعد إعلان النتائج، لتشكّل الكتلة الأكبر.
في المقابل، يتوقّع أن يحقق محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، مكاسب ملموسة في المعسكر السني، بينما يستمر التنافس التقليدي في إقليم كردستان بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
النفوذ الخارجي

على الصعيد الإقليمي، لا يمكن فصل المشهد الانتخابي العراقي عن صراع النفوذ بين إيران والولايات المتحدة.فبينما تراجع الحضور الأمريكي في مفاصل القرار العراقي خلال السنوات الأخيرة، ازداد الحضور الإيراني عبر أحزاب وفصائل تمتلك نفوذا سياسيا وعسكريا واسعا. وتبدو الولايات المتحدة، من جهتها، عالقة بين رغبتها في تقليص وجودها العسكري وبين خشيتها من ترك الساحة العراقية بالكامل لإيران.
فهي تواصل الضغط على بغداد لضبط سلاح الفصائل، وتهدد باستخدام أدوات مالية مثل الفصل السابع في حال تصاعد نفوذ جماعات موالية لطهران.
يقف العراق اليوم عند مفترق حساس في وقت تتواصل فيه الحروب الإقليمية وتتصاعد التوترات بين طهران وتل أبيب.لكنّ السؤال الأهم يبقى: هل تستطيع صناديق الاقتراع أن تفرز واقعا سياسيا جديدا يعيد للعراق إلى مرحلة الاستقرار ، أم أن اللعبة ستبقى رهينة التجاذبات الخارجية التي لم تغادر بغداد منذ أكثر من عقدين؟

المشاركة في هذا المقال