رمزية للثقافة الفلسطينية والعربية على منصة الأدب العالمي، جاء فوز الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله بجائزة نيوستاد العالمية للآداب والتي تُعرف بـ"نوبل الأمريكية". وكأننا بالشعر ينبعث من رماده كطائر فينيق ليُذكّرنا بأنّ للكلمة سيفا أصدق من الحديد، وبأنّ الرواية قادرة على أن تُعيد للأرض صوتها، وللإنسان ملامحه الأولى.
تُعتبر جائزة "نيوستاد" التي تأسست سنة 1969 واحدة من أعرق الجوائز الأدبية في العالم، ليس فقط لقيمتها المادية التي تبلغ خمسين ألف دولار، بل لما تمثّله من رمزية ثقافية مرموقة تأتي في المرتبة الثانية بعد جائزة نوبل.
أديب الملحمة الإنسانية
لم يكتب يوما إبراهيم نصر الله من برجٍ عاجي، وهو الفلسطيني الأردني المولود في مخيم الوحدات بعمّان عام 1954. من رحم المعاناة نطق نصه فكان رجع صدى لنبض الحياة اليومية التي عاشها الفلسطينيون والعرب في مواجهة الفقد والمنفى والأمل المؤجل.
منذ مجموعاته الشعرية الأولى، مرورا بسلسلته الملحمية "الملهاة الفلسطينية"، وحتى رواياته التي نالت جوائز عربية ودولية، رسم نصر الله مشروعا أدبيا متكاملا، يمزج الواقعي بالأسطوري، والذاتي بالجماعي، والألم بالأمل. لم يكن إبراهيم نصر الله شاهدا على الوجع الفلسطيني فحسب، بل كاتبا له، ومؤرخا لجماله وجرحه معا.
وفي الساعات الأخيرة عند الإعلان عن جائزة "نيوستاد العالمية للآداب" التي تمنحها جامعة أوكلاهوما ومجلة "الأدب العالمي اليوم"منذ أكثر من نصف قرن، صنع إبراهيم نصر الله الحدث
ليكون أول عربي يُتوّج بهذه الجائزة.
وقد أعلن "روبرت كون ديفيس-أونديانو"، المدير التنفيذي لمجلة "الأدب العالمي اليوم" باسم جامعة أوكلاهوما ولجنة الجائزة والمجلة، أنه سيتم تنظيم مهرجان نيوستاد الأدبي في أكتوبر 2026 على شرف نصر الله، وسيخصص لمناقشة أعماله ومنجزات الثقافة الفلسطينية، معتبرا إنّ فوز نصر الله "يمثل لحظة فارقة في إعادة تشكيل النظرة الغربية للثقافة الفلسطينية".
جموح "الخيول البيضاء" يهدي فلسطين اللقب
بفضل روايته "زمن الخيول البيضاء" فاز إبراهيم نصر الله بجائزة "نيوستاد". وهي رواية مشوقة عن الأرض والخيول والجياد والجِمال والجمال... إنها سفر طويل في ذاكرة الريف الفلسطيني، حيث تمتزج الخيول بالعشب، والحكايات بأسماء القرى التي كادت تُمحى من الخرائط. هي رواية تشبه تشويق حكايات الجدّات، ومفاجآت كتب التاريخ في فصولها غير المروية.
وكانت القائمة النهائية قد ضمت 8 مرشحين آخرين من جنسيات مختلفة حول العالم: الروائي والشاعر الأوكراني يوري أندروخوفيتش (1960)، والروائية والأكاديمية الأميركية إليف باتومان (1977)، والشاعرة الأميركية مي- مي بيرسنبروغ (1947)، والروائي والأكاديمي الأميركي روبرت أولين باتلر (1945)، والشاعرة السودانية الأميركية صافية الحلو (1990)، والروائي الفرنسي ماتياس إينار (1972)، والكاتبة والشاعرة اليابانية يوكو تاودا (1960)، والروائية والأكاديمية الأميركية جيسمين وارد (1977).
إنّ فوز إبراهيم نصر الله بجائزة نيوستاد لا يخصه وحده، بل يعيد فلسطين إلى الخارطة الثقافية العالمية، من بوابة الأدب. وحين سيقف إبراهيم نصر الله على منصة التكريم في أوكلاهوما في سنة 2026، سيفتخر كل العرب بأدب من ذهب.