تلويح أمريكي بعودة الحرب وخروقات إسرائيليّة مستمرة انقسامات وعوائق ميدانية تُهدد وثيقة الضمانات الدولية لوقف إطلاق النار

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن "السماح

لإسرائيل باستئناف القتال في غزة بكلمة منه"، جدلًا واسعا حول مصير اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع ضمن وثيقة الضمانات في قمة شرم الشيخ للسلام، التي نصّت صراحة على حظر العودة إلى العمليات العسكرية كجزء من تفاهمات دولية شاملة لإنهاء الحرب في القطاع.واعتبر مراقبون سياسيون أن هذه التصريحات تمثل تجاهلا صارخا للوثيقة الدولية، وتهديدا صريحا للخطة الكاملة لإنهاء الحرب، خاصة أن الاتفاق ينصّ على حل أي عقبات أو خروقات عبر المفاوضات، لا بالتصعيد العسكري.

وكان ترامب قد صرّح، أنه "سيفكر في السماح لإسرائيل باستئناف العمل العسكري في غزة، إذا لم تلتزم حماس ببنود الاتفاق"، مضيفا أن "الجيش الإسرائيلي يمكنه العودة للقتال بمجرد أن أنطق بالكلمة".وجاءت التصريحات خلال مقابلة هاتفية مع شبكة "سي ان ان ''، حيث بدا ترامب مشككا بخطوط المرحلة الحالية، مؤكدا أن أي تراجع من حماس عن الاتفاق، "سيُواجه برد إسرائيلي فوري"، بموافقة ضمنية منه، أو بكلمة واحدة كما قال. وأضاف: "إذا رفضت حماس نزع سلاحها، فستعود إسرائيل إلى الشوارع بمجرد أن أنطق بالكلمة " .
لم تكن هذه التصريحات معزولة عن سياق سياسي داخلي وخارجي. فمن جهة، يحاول ترامب الظهور كرجل القرارات القوية، وصاحب الحضور الحاسم في ملفات الشرق الأوسط، خاصة في ظل تراجع مكانة الإدارة الحالية أمام تعقيدات الوضع الذي خلفته حرب الإبادة في غزة على الصعيد الإقليمي والدولي.ومن جهة أخرى، يستثمر ترامب الملف الفلسطيني–الإسرائيلي لإعادة تأكيد تحالفه الوثيق مع ''إسرائيل''، وهو أمر لطالما وظّفه لكسب دعم شعبية ودعم اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة.
صفقة تبادل معقّدة
وفي إطار اتفاق وقف إطلاق النار، أفرجت حماس عن آخر 20 أسيرا إسرائيليا أحياء، فيما أطلقت ''إسرائيل'' سراح أكثر من ألفي أسير فلسطيني، بينهم 250 محكوماً بالمؤبد، و90 جثمانا، في خطوة وصفت بأنها "مرحلة أولى" من اتفاق أوسع.
إلا أن الأرقام وحدها لا تروي القصة كاملة. فبحسب المتحدث باسم حماس، لا تزال جثامين 18 رهينة إسرائيلي تحت الأنقاض، بحاجة إلى "معدات ثقيلة وزمن"، في وقت تتهم فيه ''إسرائيل'' الحركة بـ"المماطلة"، بل إنها زعمت أن إحدى الجثث المستلمة لا تطابق بيانات الأسرى لديها.
ويأتي ذلك في ظل استمرار الجدل حول مدى التزام الطرفين ببنود الاتفاق، والاتهامات المتبادلة بخرق التفاهمات، وهو ما يضع مستقبل الاتفاق برمته على المحك.
ووفق مراقبين ورغم لعب الولايات المتحدة دور "الوسيط"، إلا أن الدعم غير المشروط الذي قدمته إدارة ترامب للعدوان الإسرائيلي الذي بدأ في 8 أكتوبر 2023، جعل الكثيرين يرون واشنطن كطرف منحاز أكثر منها وسيطا نزيها.
وتُقدر الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار غزة بحوالي 70 مليار دولار، في ظل تدمير هائل للبنية التحتية، وانهيار شبه كامل للنظام الصحي والخدماتي في القطاع.
ورغم دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، فإن تهديدات ترامب لا تبدو مجرد تصريحات إعلامية، بل تحمل في طياتها رسائل ضغط على حماس لتنفيذ الشق العسكري من الاتفاق، أي نزع السلاح، وهو أمر ترى فيه الحركة "مساسا بجوهر المقاومة"، و"مطلبا إسرائيليا مغلّفا بغطاء دولي".
في المقابل، تراهن حكومة الاحتلال على ضغط أمريكي لإجبار حماس على القبول بشروط تعتبرها الأخيرة تعجيزية، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات التصعيد مجددا، خاصة في ظل هشاشة التهدئة، ووجود قضايا عالقة تتجاوز ملف الأسرى، مثل مستقبل الحكم في غزة، وملف الإعمار، والضمانات الدولية.
وتطرح تصريحات ترامب، المفعمة بالتهديد، سؤالًا جوهريا، هو هل نحن أمام اتفاق لوقف إطلاق النار، أم مجرّد هدنة مؤقتة بانتظار انفجار قادم؟ إذ يرى خبراء أن المؤشرات الحالية تدل على أن غياب رؤية شاملة للحل، واستمرار الخطاب المتشدد من الجانب الأمريكي الصهيوني، يجعل من الهدنة الراهنة "هدنة حذرة"، قابلة للانهيار في أي لحظة.
وفي ظل غياب ضغوط دولية حقيقية على حكومة الإحتلال لوقف سياساتها التصعيدية، ومع مطالب أمريكية واضحة لنزع سلاح المقاومة، فإن فرص العودة إلى مربع العنف تبقى قائمة، ما لم يحدث تحوّل جوهري في التعاطي الدولي مع جوهر الصراع، وليس فقط مع مظاهره.

 

وثيقة الضمانات في مهبّ الريح؟
وجاءت وثيقة شرم الشيخ، التي رعتها أطراف دولية، لضمان وقف إطلاق النار، مقابل إطلاق سراح الرهائن، وشملت في مرحلتها الأولى إطلاق 20 رهينة إسرائيلية ، وتسليم جثث 10 من أصل 28 رهينة، مقابل إطلاق سراح أكثر من 1700 معتقل فلسطيني، بينهم محكومون بالمؤبد.
لكن التهديدات الأمريكية الأخيرة، إلى جانب التفسير الإسرائيلي الأحادي لبنود الاتفاق، باتت تُفسر على أنها تجاهل للدور الدولي في الوثيقة، وتحويلها إلى أداة أمريكية–إسرائيلية، بدلا من كونها مرجعية دولية تضمن التهدئة واستمرار المسار السياسي.
ويرى مراقبون أن التركيز الأمريكي على الضغط على حماس، دون الإشارة إلى مسؤولية "إسرائيل" عن حجم الدمار الذي يعيق تنفيذ الاتفاق، يُقرأ على أنه انتقائية سياسية تُفرغ وثيقة الضمانات من مضمونها، وتحوّلها من اتفاق جماعي إلى ورقة تفاوض مرهونة برغبات طرف واحد.
كما أن الربط بين بدء المرحلة الثانية من خطة ترامب لإنهاء الحرب، وإطلاق تهديدات جديدة بالعودة إلى القتال، يعكس تناقضا في الموقف الأمريكي، ويطرح تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بمبدأ الحل السلمي، خاصة أن قمة شرم الشيخ أكدت بوضوح أن جميع الأطراف ملزمة بعدم العودة للحرب تحت أي ظرف، طالما أن القنوات السياسية مفتوحة.
في ظل هذه المعطيات، تزداد المخاوف من أن تؤدي التصريحات الأمريكية المتشددة إلى تقويض المسار السياسي برمّته، وتحويل الهدنة الحالية إلى اتفاق هشّ يمكن أن ينهار في أي لحظة، خصوصًا إذا تم الاستمرار في التعامل مع وثيقة شرم الشيخ كأداة تفاوضية لا كمرجع قانوني دولي.

موقف مصري
من جهته قال وزير الخارجية المصرية، بدر عبدالعاطي، إن المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، لن تكون سهلة، بل ستكون صعبة.
ولفت عبد العاطي في تصريح وفق شبكة "سي أن أن"، إلى أن "حركة حماس أعلنت ترحيبها بالخطة. لذا، علينا أن نمضي قدمًا في المرحلة الثانية، بكل عناصرها. ونأمل، ونتطلع إلى أن يفي الطرفان بالتزاماتهما بموجب هذه الاتفاقية المهمة، لأن الكيل قد طفح".وأضاف، "أعتقد أنه يمكننا التوصل إلى اتفاق آخر بشأن المرحلة الثانية، ومن ثم تمهيد الطريق للمضي قدمًا نحو الحل النهائي للقضية الفلسطينية التي تُعد جوهر الصراع في منطقتنا".
وحول العقبات التي تعترض تنفيذ وقف إطلاق النار بين ''إسرائيل'' وحركة حماس، أوضح وزير الخارجية المصرية، أن الأمور تسير على ما يرام، خاصةً فيما يتعلق بالإفراج عن جميع الرهائن. وأردف، أبلغنا الجانب الأمريكي بأن جمع رفات الضحايا سيستغرق وقتًا طويلًا، لأنها مدفونة تحت الأنقاض، وهناك الكثير من المواد المتفجرة والعبوات الناسفة تحت الأنقاض. لذا، سيكون الوصول إليهم صعبًا بعض الشيء.
واستدرك، لكننا نبذل قصارى جهدنا ميدانيًا لجمع جثث القتلى وتسليمها للجانب الإسرائيلي، ضمن تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق شرم الشيخ، لكننا نتوقع، بالطبع، تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وفتح المعابر، في أسرع وقت ممكن، وهذا أمر بالغ الأهمية. ثم التركيز على المرحلة الثانية، التي لن تكون سهلة، بل ستكون صعبة.
وتابع، أنه بالالتزام السياسي، وبمشاركة الرئيس ترامب والولايات المتحدة، وباهتمام التعاون الدولي، يمكننا التوصل إلى اتفاق آخر بشأن المرحلة الثانية، ومن ثم تمهيد الطريق للمضي قدمًا نحو الحل النهائي لهذا الصراع.

وعما إذا كانت لديهم تأكيدات من إسرائيل بأنها تتفهم تأخر استلام جثامين الرهائن، قال عبد العاطي، لدينا قنوات اتصال يومية مع الإسرائيليين، ونحن نُبلغهم، وخلال اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس ترامب في شرم الشيخ في اليوم السابق، نقلنا الرسالة نفسها.
وأضاف، تحدث الرئيس السيسي بصراحة تامة عن وجود بعض العراقيل على الأرض، وأن علينا بذل جهود إضافية للعثور على رفات الجثث وجمعها حتى نتمكن من إعادتها إلى الجانب الإسرائيلي في أسرع وقت ممكن. لأن هذا جزء من الصفقة.وفي حديثه عن معبر رفح، قال عبد العاطي، كما نقول دائمًا، المعبر مفتوح من الجانب المصري على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ونحن نعمل مع الإسرائيليين لفتح معابرهم كذلك مع غزة للسماح بتدفق المواد والمساعدات الإنسانية والمساعدات الطبية، لأن الوضع على الأرض كارثي ونحن بحاجة إلى إغراق غزة بالطعام ومواد الإغاثة والمعدات الطبية والمواد.
الترتيبات الأمنية في غزة
وحول الترتيبات الأمنية في قطاع غزة قال وزير الخارجية المصري، نحن نعمل بجد على ذلك من خلال توفير التدريب لرجال الشرطة الفلسطينية بما يصل إلى 5000 جندي بالتعاون مع الأردن، حتى يتمكنوا من نشرهم في غزة، بالإضافة إلى الاعتماد على رجال الشرطة الفلسطينيين الذين يقيمون في منازلهم في غزة.
وأردف، إذا قمنا بتفحصهم واختيار من تبلغ أعمارهم 40 عامًا وأقل، يمكننا أن ننشر 5000 عنصر إضافي. وبالتالي، يمكننا أن ننشر 10000 شرطي على الأرض، مكلفين بقضايا تتعلق بإنفاذ القانون وحفظ الأمن في غزة.وعن بنود الاتفاق، وما ورد في خطة ترامب للسلام، قال وزير الخارجية المصري، كما تعلمون، أعلن الرئيس ترامب نهاية هذه الحرب. يجب أن يكون ذلك واضحًا للجميع. لا يمكننا السماح باستئناف الأعمال العدائية مجددًا. لقد دفع الناس ثمنًا باهظًا للغاية، حيث أصيب مئات الآلاف بجروح، ومات ما لا يقل عن 70 ألف شخص.
وتابع، علينا أن نتطلع إلى المستقبل ونرى هذه الفرصة الذهبية للتنفيذ والعمل على المضي قدمًا للاتفاق على، أوّلًا، تنفيذ جميع عناصر المرحلة الأولى، والتفاوض والاتفاق على المرحلة الثانية، ثم علينا أن نتطلع إلى الأفق السياسي الذي سيؤدي، إلى حل الدولتين الذي سيضع حدًا لمعاناة الفلسطينيين، ويُنهي هذا الفصل من الصراع والمشاكل. ونحن على ثقة بأن الرئيس ترامب، بعزيمته وقيادته والتزامه، ونؤمن بأنه قادر على تحقيق ذلك.
منطقة منكوبة
ميدانيا أعلنت حكومة غزة، أمس الخميس، أن القطاع "منطقة منكوبة بيئيا وإنشائيا" جراء الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي خلفت نحو 70 مليون طن من الركام، وقرابة 20 ألف قذيفة وصاروخ غير منفجرة تشكل خطرا دائما على المدنيين.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في بيان، إن "حجم الدمار والركام الناتج عن حرب الإبادة بلغ مستوى غير مسبوق في التاريخ الحديث، إذ تشير التقديرات الحكومية حتى منتصف أكتوبر 2025 إلى وجود ما بين 65 و70 مليون طن من الركام والأنقاض".
وأضاف المكتب الحكومي: "يشمل هذا الركام آلاف المنازل والمنشآت والمرافق الحيوية التي دمرها الاحتلال عمدا، ما حوّل القطاع إلى منطقة منكوبة بيئياً وإنشائياً وأعاق وصول المساعدات وجهود الإنقاذ".وأشار إلى أن عملية إزالة الركام تواجه عراقيل كبيرة، أبرزها منع إسرائيل إدخال الآليات والمعدات الثقيلة اللازمة للعمل، إلى جانب استمرار إغلاق المعابر.كما قدر المكتب وجود نحو 20 ألف جسم متفجر لم ينفجر بعد من قنابل وصواريخ ألقاها الجيش الإسرائيلي، تمثل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين والعاملين الميدانيين وتستدعي معالجة هندسية دقيقة قبل بدء أي عمليات رفع للأنقاض.

بحث تثبيت وقف إطلاق النار
في الاثناء بحث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو الخطوات الممكنة لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حركة "حماس" بقطاع غزة.
جاء ذلك في اتصال هاتفي جرى بين الوزيرين، أمس الخميس، بحسب مصادر في وزارة الخارجية التركية.وأفادت المصادر أن فيدان وروبيو بحثا بجانب تثبيت وقف إطلاق النار، ضمان استمرار إيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
كما بحث الوزيران القضايا المتعلقة بتنفيذ إعلان النوايا الذي تم توقيعه بقمة السلام في الشرق الأوسط التي استضافتها مدينة شرم الشيخ بمصر الاثنين الماضي.

وذكرت المصادر أن فيدان وروبيو بحثا أيضا التطورات في سوريا، والمسائل المتعلقة بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني، ومسار الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

 

المشاركة في هذا المقال

تعليقات16

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115