مهرجان "دريم سيتي" في دورته العاشرة: الفن ليس الحياد.. بل الانحياز للإنسانية!

في أزقة المدينة العتيقة بتونس، حيث يتعانق عبق

التاريخ والحضارة مع تفرد المعمار والعمارة مع صدى خطوات المارة... تُقام تظاهرة "دريم سيتي" كل عام. فلا تكون الأزقة مجرد ممرات تحفظ ذاكرة المكان والزمان، بل تتحول إلى مسرح مفتوح يختبر قدرة الفن على مقاومة النسيان. هناك، بين الحجارة العتيقة والفضاءات التاريخية، يتنقل الجمهور بفضول من عرض إلى آخر، حيث تتشابك الأسئلة الإنسانية مع الإبداعات الفنية.

من 3 إلى 19 أكتوبر 2025، تضيء الدورة العاشرة من تظاهرة "دريم سيتي" شمعة دورتها العاشرة معلنة المدينة العتيقة بالعاصمة فضاء للذاكرة والحوار ومنبرا للحرية والكرامة.

56 عملا فنيا في 31 فضاء

إنّ تظاهرة "دريم سيتي" هذا الموعد الفني الذي وُلد سنة 2007 على يد الأخوين سفيان وسلمى ويسي، لم يعد مجرد مهرجان، بل صار أشبه بصرخة جماعية ضد الانهيار البطيء الذي يعيشه العالم، من تضييق الحريات إلى الحروب إلى الانهيارات البيئية...
في قلب الدورة العاشرة، ستكون فلسطين أكثر من "موضوع" للعرض بل ستكون هي البوصلة. قبل الافتتاح الرسمي، وتحديدا يوم 2 أكتوبر سيجتمع الجمهور في عرض "طرب" تكريما لروح الشهيدين أحمد مدحت ومؤمن خليفة، الكوريغرافيين الفلسطينيين اللذين رحلا في غزة عام 2024.
56 عملا فنيا من 22 بلدا يقدمها 56 فنانا من بينهم 8 تونسيين و48 فنانا دوليا سيحولون كل ركن من أركان المدينة إلى مساحة حوار أو لوحة تختبر الذاكرة أو رقصة توثّق الألم كحركة مقاومة... وأكثر من 30 ألف زائر من تونس والخارج، من المنتظر أن يتوافدوا على تظاهرة "دريم سيتي" . وتتوزع فقرات الدورة العاشرة على 31 فضاءً موزعة على العاصمة: 26 منها في قلب المدينة العتيقة، و5 في وسط المدينة.
من عرض "زفزافة" للفنان لورنس أبو حمدان الذي يحوّل الصوت إلى وثيقة، إلى "بحثًا عن العدالة بين الركام" الذي يوثق خراب لبنان، يبدو واضحا أن هذه الدورة اختارت أن تجعل من الفن شهادة حية على زمن منفلت ومتقلب محكوم بالدمار والحروب . في المقابل، تبدو أعمال أخرى وكأنها تحتفي بالحياة اليومية كإستراتيجية للبقاء، مثل "كل الأشياء المشرقة" الذي يعيد صياغة الصحة النفسية كفعل جماعي ضد الانكسار.
كما تسجّل هذه الدورة حضور مؤسسة الشارقة للفنون بأعمال تسعى إلى إنتاج تواريخ بديلة وخرائط مضادة من بينها عمل إميلي جاسر التي تعيد بناء ذاكرة مطار فلسطيني اندثر، وأعمال جمانة منّاع وسيله ستوريله التي تفضح خطاب "صنّاع السلام"، فيما يقدم شريف واكد سرديات مقاومة عبر صوت شهرزاد. وتحوّل رائدة سعادة المقاومة اليومية البسيطة إلى فعل صمود، وتعيد بسمة الشريف مساءلة الثقة في الحقائق ومعاييرها.

أضواء على قضايا البيئة والمناخ

لا تنحاز تظاهرة "دريم سيتي" عن قضايا البيئة والمناخ، فتحضر فيها مواضيع الأرض والماء والطبيعة.... فعلى سبيل المثال في عرض "ماجك/الصحراء" لرضوان مريزيقة، تتحول الرمال إلى ذاكرة للصراع، بينما تعيد سنية قلال في "نقطة التجذر" نسيج المرازيق إلى الحياة كأرشيف للمقاومة الثقافية في دوز. وحتى صناعة الفخار النسائية في سجنان وجدت مكانها كرقصة تحفظ التراث وتعيد تعريف الجسد والهوية في عرض "لعروسة" للثنائي سلمى وسفيان ويسي.
منذ انطلاقه سنة 2007، راهن مهرجان "دريم سيتي" على مشروع متفرد يقوم على إعادة تعريف علاقة التونسيين بمدينتهم لتحول من فضاء يومي مألوف إلى مسرح مفتوح للخيال والتجريب. وبعد أن تُطفأ أضواء العروض كل مساء، يبقى في الأزقة صدى يؤكد بأنّ الفن ليس الحياد بل الانحياز للإنسانية.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115