عادت التوترات العسكرية والسياسية بين روسيا وأوكرانيا إلى واجهة المشهد الدولي، لكن هذه المرة عبر الأجواء الأوروبية، في ظل تحذيرات أمريكية، ومواقف أوروبية حازمة، وعرض روسي غير متوقع للتهدئة النووية.
في قلب الأزمة المستجدة، تقف اتهامات غربية مباشرة لروسيا بانتهاك المجال الجوي لعدة دول أعضاء في حلف الناتو، وهو ما أثار قلقا دوليا واسعا ودفع بعقد اجتماع طارئ في مجلس الأمن الدولي في 22 سبتمبر الجاري. وركز الاجتماع على "حادثة" انتهاك طائرات روسية مقاتلة المجال الجوي لدولة كإستونيا، وسط تحذيرات من أن تكرار مثل هذه الحوادث قد يؤدي إلى "نزاع غير محسوب".
في المقابل، رفضت موسكو هذه الاتهامات، ووصفتها بأنها "مبالغ فيها" وغير دقيقة، معتبرة أنها جزء من "الحرب الإعلامية" التي تخوضها دول غربية ضدها، في سياق الدعم العسكري والسياسي المستمر لكييف منذ اندلاع الحرب في فيفري 2022.
رسائل ردع متكرر
خلال أسبوع الاجتماعات رفيعة المستوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، جاءت كلمة السفير الأمريكي الجديد لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، حاسمة في لهجتها، إذ شدد على أن واشنطن "ستدافع عن كل شبر من أراضي الناتو" وهو تكرار للغة الردع التي استخدمها البيت الأبيض سابقا في أكثر من أزمة.
يبدو أن الإدارة الأمريكية تحاول إرسال إشارات مزدوجة أولها دعم حازم للحلفاء الأوروبيين في وجه ما تعتبره "استفزازات روسية"، مع الحفاظ على خطوط الاتصال الدبلوماسية المفتوحة، خصوصا في ما يتعلق بقضايا التسلّح النووي، التي لا تزال تمثل أخطر نقاط الاحتكاك.
;في موازاة الموقف الأمريكي، أكدت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفات كوبر خلال كلمتها في مجلس الأمن أن "التحريض الحربي الروسي" يُعدّ تهديدا مباشرا للسلم والأمن الدوليين. ويُقرأ هذا التصريح ضمن تصعيد متدرج في الخطاب البريطاني ضد موسكو خاصة بعد التوتر المتزايد بين روسيا ودول البلطيق ومنها استونيا التي استُخدمت كمنصة سياسية للتنديد بالتحركات الروسية الأخيرة.
ورغم أن موسكو لم تعلن رسميا عن أي نية لاجتياح بري أو تحرك عسكري في دول الناتو، فإن تحليق طائراتها الحربية بالقرب من أجواء هذه الدول يثير احتمالات الخطر، ويعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة.
مبادرة لتمديد "نيو ستارت''
ووسط هذه الأجواء المشحونة، برز تصريح لافت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن فيه استعداد موسكو لتمديد العمل بمعاهدة "نيو ستارت" النووية لعام إضافي، وهي الاتفاقية التي تقيّد عدد الرؤوس النووية الإستراتيجية لدى البلدين.
ورغم الترحيب الحذر من بعض الدوائر الغربية، يرى مراقبون أن المبادرة تبدو أقرب إلى مناورة سياسية، تسعى موسكو من خلالها إلى تقديم نفسها كطرف عقلاني قادر على تقديم تنازلات في الملفات الإستراتيجية، بينما تتهم الغرب بالتصعيد في الملفات التكتيكية، مثل أوكرانيا ودول البلطيق.
ما يجري اليوم ليس مجرد توتر حدودي، بل هو تجسيد لصراع جيوسياسي معقّد، يتقاطع فيه الأمن الأوروبي والعلاقات الروسية-الأمريكية والملف النووي، والنظام الدولي بعد حرب أوكرانيا.
إذ يسعى الغرب وفق محللين لردع موسكو دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة، فيما تحاول روسيا استعراض القوة، دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى رد عسكري شامل من الناتو.أما الأمم المتحدة، فرغم استضافتها للقاءات حاسمة في هذا الأسبوع، لا تزال عاجزة عن فرض أي تسوية، وسط انقسام دولي حاد.