لا تزال العاصمة طرابلس ومحيطها تعيش على وقع تطورات أمنية متسارعة، وسط انسداد سياسي واضح، وتوترات ميدانية تعكس هشاشة الوضع الداخلي وصعوبة التوصل إلى توافق حقيقي.من الاشتباكات المسلحة غرب البلاد، مرورا باجتماعات أمنية متكررة، وصولًا إلى غياب شبه كامل للتقارب المؤسسي، يبدو أن ليبيا لا تزال في مربع الانتظار، بين الرهانات الدولية والمصالح المحلية المتضاربة.
واندلعت اشتباكات مسلحة في منطقة "دحمان" بمدينة صبراتة، إثر سقوط قذيفة "آر بي جي" بالقرب من استراحة، في حادثة تعكس استمرار التوتر الأمني في المدن الواقعة غرب العاصمة. وتعكس الاشتباكات، وإن كانت محدودة جغرافيا، حجم الانفلات الأمني وضعف السيطرة المركزية، في وقت تشهد فيه البلاد حراكا سياسيا هادفًا لحسم الملفات العالقة، خاصة المناصب السيادية، وقوانين الانتخابات.
اجتماع أمني في مطار معيتيقة
وفي محاولة لتعزيز التنسيق الأمني، عقدت وزارة الداخلية الليبية اجتماعا موسعا برئاسة اللواء محمود سعيد، وكيل الوزارة للشؤون العامة، ناقش خلاله سبل تطوير الإجراءات الأمنية داخل مطار معيتيقة الدولي.
الاجتماع يأتي في إطار جهود تحسين الأداء الأمني بالمؤسسات الحيوية، إلا أن مراقبين اعتبروا أن الإجراءات الإدارية والتنظيمية تظل محدودة التأثير ما لم يتم حل الإشكاليات السياسية الكبرى التي تغذي حالة الانقسام.
على صعيد متصل، شكك البعض في إمكانية تنفيذ الاتفاق الأخير بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، معتبرين أن الاتفاق لا يعدو كونه وسيلة لكسب الوقت.هذا التشكيك يعكس حالة من عدم الثقة بين الأطراف الليبية، ويعزز المخاوف من أن الكثير من الاتفاقات تُستخدم لأغراض سياسية مؤقتة، دون نية فعلية لتطبيقها أو البناء عليها في مشروع وطني جامع.
الاستحقاق البلدي
من جهة أخرى، أعلنت مفوضية الانتخابات الليبية أن المرحلة المقبلة ستشهد انطلاق الانتخابات البلدية لـ35 بلدية ضمن المجموعة الثالثة، في توقيت موحد.ورغم أن هذا الإعلان يعكس تقدما في المسار الانتخابي على المستوى المحلي، إلا أن غياب خارطة طريق واضحة للانتخابات الوطنية، يشكل عائقا رئيسيا أمام تحقيق انتقال سياسي شامل ومستدام.
ويرى باحثون أن ما تشهده العاصمة طرابلس ومحيطها، يعكس مفارقة ليبية واضحة،حالة أمنية متأرجحة في ظل تفاهمات سياسية هشة، ومؤسسات منقسمة تفقد تدريجيا شرعيتها أمام الشارع الليبي والمجتمع الدولي. مما يعني أن الرهان على حلول ترقيعية أو تفاهمات ظرفية دون مصالحة وطنية حقيقية، سيؤدي فقط إلى إطالة أمد الأزمة، وربما تفجرها في أي لحظة. ووفق متابعين يبقى الحل الحقيقي للأزمة الليبية رهن توافق وطني شامل، يعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس دستورية وقانونية، ويمنع عسكرة السياسة أو تسييس الأمن.فليبيا لا تحتاج إلى اتفاقات فوقية مؤقتة، بل إلى عقد اجتماعي جديد، يضع حدا للتدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية، ويؤسس لدولة مدنية موحدة تُحكم بالقانون لا بالسلاح.