Print this page

للحديث بقية ماذا يعني الاعتراف بدولة فلسطين ؟

بعد 108 عاما على صدور وعد بلفور أعلنت بريطانيا

اعترافها بالدولة الفلسطينية لتنضم الى ركب الدول التي اعترفت بفلسطين كدولة ليتجاوز العدد 151 دولة من أصل 193 دولة . ورغم ان هذا الإعلان لن يمسح خطيئة عمرها أكثر من قرن ونيف عاشت فيها المنطقة بسبب هذا الاحتلال الاحلالي أسوأ الحروب والنكبات ، الا انه يمثل تحولا جذريا وتاريخيا من مرحلة "وعد بلفور" المشؤومة الى مرحلة "الدولة الفلسطينية" القائمة الذات.

كما أعلنت دولة أخرى التحاقها بالركب خلال القمة العالمية المنعقدة امس في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة. صحيح أن هذا الاعتراف لن يجبر الاحتلال على وقف مجازره وحربه الوحشية في غزة ولن يوقف مخططاته التوسعية ، لكنه يمثل رمزية كبيرة ومن شأنه أن يترك تداعيات دبلوماسية وسياسية مع تنامي الدعم العالمي لفلسطين .
لعل أهم التداعيات هو الاعتراف بالسيادة لفلسطين التي لم تعد مجرد أراض متنازع عليها بل دولة قائمة بحدودها وشعبها وحكومتها. وسيعقب هذا الاعتراف فتح سفارات وبعثات دبلوماسية وتبادل سفراء كما هو الحال مع سائر الدول المعترف بها. كما ستسمح هذه الخطوة لدولة فلسطين بالانضمام للمنظمات الدولية والمطالبة بحقوقها كدولة عضو وليس كدولة مراقب فقط .
أثار الاعتراف العالمي بفلسطين غضبا واسعا داخل دولة الاحتلال التي لوحت باتخاذ خطوات تصعيدية ، وينبثق خوف الاحتلال أساسا من كون الاعتراف سيعطي دفعا سياسيا ومعنويا للقضية الفلسطينية ويزيد من عزلة الكيان خاصة انه جاء بدفع من الرأي العام في عديد الدول والذي ضغط بقوة على حكوماته سواء بالمسيرات او بالمظاهرات او حتى بالمشاركة في أساطيل الصمود لفك الحصار عن غزة . ودعا وزراء في الحكومة الصهيونية للرد بفرض السيادة على الضفة الغربية المحتلة. اما مجرم الحرب نتنياهو فاعتبر ان الاعتراف بدولة فلسطين "مكافأة كبيرة للإرهاب" على حد زعمه.
وذكر نتنياهو أن رد "إسرائيل" سيُعلن عند عودته من الولايات المتحدة، حيث من المقرر أن يلتقي بالرئيس دونالد ترامب. أما وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير فدعا الى ضم الضفة الغربية المحتلة.
واستخدم بن غفير الاسم التوراتي للضفة أي " يهودا والسامرة" اثناه تلويحه بان اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطين، يستوجب اتخاذ خطوات فورية مضادة تتمثل بفرض السيادة "الإسرائيلية" الكاملة على هذه الأراضي . فكيان الاحتلال بحدوده الحالية لم يعد يشبع نهم القادة الصهاينة الذين يريدون تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" مهما كان الثمن .
والحقيقة فان رد "اسرائيل" على تنامي الدعم العالمي لدولة فلسطين ،قد بدأ بالفعل مع اعلان اجتياح غزة ومع المجازر التي ترتكب دون توقف وبوتيرة أعلى، ومع سياسة التدمير العشوائي للأبراج السكنية في غزة ،وذلك بعد عامين من الحرب الإجرامية المهينة للعالم وللمجتمع الدولي وللإنسانية جمعاء.
صحيح أن الدولة الفلسطينية التي يعترف بها العالم اليوم هي دولة منزوعة السلاح ، الا ان هذه الخطوة على رمزيتها هي رد فعل تجاه كل محاولات الاحتلال مسح القضية الفلسطينية وتهجير الغزاويين وخلق نكبة جديدة في سياق المحاولات لتغيير خارطة الشرق الأوسط بدعم أمريكي منقطع النظير.
ورغم الدماء المسالة في غزة وفي الضفة وفي كل شبر من الأراضي المحتلة الا ان اسم فلسطين لن يمحى وسيظل شوكة في حلق العدو الصهيوني لان التاريخ أكبر من كل المؤامرات وأكبر من كل محاولات طمس الهوية والجذور والحضارة .

المشاركة في هذا المقال