Print this page

مفوضية الاتحاد الأوروبي تلوح بوقف الدعم وفرض عقوبات على الإحتلال التصعيد ''الإسرائيلي'' المزدوج في غزة والدوحة.. هل يغير بوصلة أوروبا ؟

صعّد الاحتلال الصهيوني عملياته في غزة مستهدفا

الأبراج السكنية والأحياء السكنية المكتظة، وكأن كل ما تم تهديمه خلال عامين من حرب الإبادة لا يكفي لتكتب حكومة الاحتلال مشاريعها الصهيونية بدماء الشعب الفلسطيني . ففي وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية ويقتل الجوع يوميا أطفال غزة، تمتد يد الاحتلال الى قلب العاصمة القطرية في محاولة لاغتيال قيادات من حركة المقاومة الإسلامية حماس وقلب الأوراق والمعادلات وكذلك تصفية أي حل سياسي قد ينهي الحرب. تأتي هذه التطورات في لحظة إقليمية مشحونة، وتضع العالم أمام احتمالية انزلاق الأوضاع إلى مواجهة أوسع.

وفي ساعات متأخرة من الليلة الماضية، أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء لسكان ميناء غزة وحي الرمال الجنوبي، تمهيدا لعملية عسكرية مركزة. ونفذ الطيران الإسرائيلي غارة عنيفة على برج الطيبة في المدينة، في ظل ظروف إنسانية متدهورة، حيث لم يعد هناك مكان آمن يلجأ إليه المدنيون.
ويأتي هذا القصف في سياق الحرب المستمرة التي يشنها الاحتلال منذ ما يناهز العامين، والتي أسفرت حتى الآن عن استشهاد الآلاف من الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية للقطاع بشكل شبه كامل، في ظل غياب أفق سياسي أو إنساني للحل. وفي تحول استراتيجي لافت، نفذ الإحتلال محاولة اغتيال ضد عدد من قادة حركة المقاومة الإسلامية في العاصمة القطرية الدوحة، من خلال "هجوم لم يحقق أهدافه". وعلى الرغم من فشل الضربة، فإنها تمثل تطورا غير مسبوق في طبيعة الصراع، عبر نقل المواجهة إلى الدوحة التي تعدّ مركزا دبلوماسيا هاما في المنطقة لطالما احتضن مفاوضات بين حماس وممثلي كيان الإحتلال.
أبعاد استهداف الدوحة
ووفق مراقبين تكشف هذه الضربة عن رغبة "إسرائيل" في تصفية قادة حماس أينما وُجدوا، حتى وإن كانوا في عواصم عربية في رسالة سياسية مزدوجة أولا، الضغط على الدوحة لتقليص دعمها السياسي والإعلامي لحركة حماس ، ثانيا تحذير غير مباشر للدول التي تستضيف قوى المقاومة أو تتوسط بين "إسرائيل" وحماس، بأنها قد تُستهدف لاحقا.
وقوبلت هذه التطورات بموجة من الإدانات الدولية، حيث أعربت كل من الصين، فرنسا روسيا تركيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية عن قلقها العميق من احتمال اتساع رقعة الحرب.كما وصفت فرنسا الضربة بأنها "تهديد خطير للأمن الإقليمي".كما حذرت الصين من أن "خرق السيادة القطرية بهذه الطريقة قد يؤدي إلى تداعيات يصعب احتواؤها".ومن جهتها طالبت روسيا بوقف فوري لأي عمليات خارج الحدود، معتبرة أن استهداف شخصيات سياسية على أراضي دولة ذات سيادة "يمثل خرقا للقانون الدولي".
مواجهة مفتوحة؟
ويأتي هذا التصعيد في ظل توترات متزايدة على أكثر من جبهة سواء لبنان أو سوريا، وصولا إلى الضفة الغربية وغزة، مرورا باليمن . كما يؤكد البعض أن الهجوم على الدوحة قد يضعف المساعي الدولية للوساطة أو التهدئة.
وتواجه حكومة نتنياهو انتقادات داخلية حادة بشأن أدائها الأمني والسياسي، ما يدفعها إلى مغامرات عسكرية قد تكون محفوفة بالمخاطر في ظل تخبط واضح منها لحسم الحرب الذي عجزت عنه إلى اليوم نتيجة صمود المقاومة وتشبث الفلسطينيين بأرضهم.
ويرى محللون أن كيان الإحتلال لا يزال يتبع سياسة الضغط على حركة حماس، في محاولة لإضعاف قدراتها القيادية والتنظيمية. إلا أن هذه السياسة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ أن كل ضربة جديدة تولّد حالة من التضامن الشعبي العربي والدولي مع القضية الفلسطينية، وتحرج العواصم الغربية التي تجد نفسها مضطرة لتبرير أو استنكار أفعال حليفتها في تل أبيب.ووفق مراقبين فإن التطورات الأخيرة لا تشير فقط إلى أزمة في العلاقات بل تؤشر إلى تحول نوعي في قواعد الاشتباك الإقليمي. ومع غياب رادع دولي حقيقي، تظلّ احتمالية التصعيد قائمة، وربما أقرب من أي وقت مضى.

هل تُراجع أوروبا بوصلتها ؟
في تحول دراماتيكي طال انتظاره، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال خطابها السنوي حول "حالة الاتحاد"، أن المفوضية ستوقف الدعم الثنائي المقدم لـ"إسرائيل"، وستقترح فرض عقوبات على عدد من الوزراء الإسرائيليين المتطرفين، إلى جانب تعليق جزئي لاتفاقية الشراكة التجارية بين الجانبين.
هذا الإعلان الذي جاء من على منصة البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، يحمل دلالات سياسية تتجاوز مجرد توجيه رسالة احتجاج. إنه يعكس بداية انكسار حالة الصمت الأوروبي الرسمي تجاه إبادة جماعية يتعرّض لها سكان قطاع غزة منذ نحو عامين."أمهات يحتضنّ أطفالهن الموتى، مجاعة تُستخدم كسلاح حرب، وناس يُقتلون وهم يتسوّلون الطعام"... بهذه العبارات الحادة والإنسانية غير المعهودة، افتتحت فون دير لاين خطابها، مُعلنة بوضوح أن ما يجري في غزة لم يعد بالإمكان تجاهله أو التعايش معه سياسيا، لا داخل أروقة بروكسل ولا أمام شعوب أوروبا التي بدأت تضغط بقوة غير مسبوقة على مؤسساتها.
ولعقود طويلة، حافظ الاتحاد الأوروبي على نهج غامض تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يتأرجح بين الدعوة لحل الدولتين، وتمويل مشاريع تنموية للفلسطينيين، دون المساس بالعمق الاقتصادي أو الدبلوماسي للعلاقات مع تل أبيب. لكن خطاب فون دير لاين يبدو هذه المرة كاعتراف متأخر بأن "الحياد الأوروبي" لم يكن حيادا بقدر ما كان شراكة ضمنية في تواطؤ دولي سمح باستمرار الجرائم.
ويعد ما قالته فون دير لاين عن "تصريحات الوزراء المتطرفين، والمشاريع الاستيطانية، والخنق المالي للسلطة الفلسطينية" تكرارا، وإن جاء متأخرا، لما كانت تصرخ به المنظمات الحقوقية الدولية منذ سنوات. إلا أن الجديد هنا أن هذه التصريحات تصدر الآن من أعلى هرم الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، وتُترجم إلى مقترحات عقابية ملموسة.
ورغم ذلك يرى مراقبون أن هذا التحول لا يخلو من خلفية سياسية معقدة منها أن بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل إيرلندا وبلجيكا وإسبانيا، كانت قد بدأت بالفعل في فرض إجراءات أحادية ضد إسرائيل، ما خلق حالة من الضغط داخل التكتل الأوروبي لإعادة تقييم السياسات الجماعية.
فيما لا تزال تفاصيل العقوبات التي ستقترحها المفوضية غامضة، لكن من المرجح أن تشمل تجميد أصول وزراء إسرائيليين متهمين بالتحريض على العنف أو التورط في جرائم حرب. وتعليق جزئي لاتفاقية الشراكة التجارية، وهي الخطوة التي تُعد ضربة اقتصادية محتملة بالنظر إلى أن "إسرائيل" تعتمد بنسبة كبيرة على السوق الأوروبية لتصدير منتجاتها التقنية والعسكرية. بالإضافة إلى خفض التعاون الثنائي في مجالات البحث والتطوير والابتكار، وهي أحد أبرز مجالات الشراكة بين الجانبين.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يملك الاتحاد الأوروبي الإرادة السياسية لتطبيق هذه العقوبات فعليا؟ أم أنّ البيان يندرج في إطار "احتواء الغضب الشعبي" فقط؟ وضمن المبادرات المعلنة، كشفت المفوضية عن نيّتها إنشاء "مجموعة مانحين لفلسطين" في أكتوبر المقبل، تشمل آلية مخصصة لإعادة إعمار غزة. ورغم الترحيب بهذه الخطوة، فإنّ نجاحها مرهون بشروط عدة.
ويرى محلّلون أنه من اللافت أنّ هذا التحول الأوروبي يأتي في وقت يستمر فيه الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، سواء من حيث التمويل العسكري أو الحماية الدبلوماسية في مجلس الأمن. في هذا السياق، يمكن قراءة الخطاب الأوروبي الأخير كمحاولة للتمرد على هذا الإجماع الغربي التقليدي، وإعادة تموضع أخلاقي وسياسي أمام الرأي العام الأوروبي والعالمي.لكن هذا التحول سيبقى ناقصا ما لم يُترجم إلى أفعال حقيقية تحدث ضغطا فعّالا على حكومة الإحتلال الإسرائيلية، وتحرّك عجلة العدالة الدولية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة.
عدوان متصاعد

ميدانيا ولليوم الثالث على التوالي، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ، اقتحام بلدات وقرى شمال غرب القدس المحتلة، منذ عملية إطلاق أدت لمقتل 6 مستوطنين إسرائيليين.وقالت مصادر وفق الأناضول، إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن حملات دهم لمنازل، ويتعمد تحطيم محتوياتها، ويجري عمليات تحقيق مع فلسطينيين.
وأضافت أنّ قوات من جيش الاحتلال اقتحمت بلدات بدو وقطنة والقبيبة، فرشقها شباب بالحجارة، في حين أطلقت القوات الرصاص الحي وقنابل صوتية وأخرى مسيلة للدموع، دون توافر معلومات عن ضحايا.ويتزامن ذلك مع تشديد الاحتلال الإسرائيلي إجراءات التفتيش على الحاجز العسكري المؤدي لمنطقة شمال غرب القدس، والتدقيق في بطاقات المارين وتفتيش سياراتهم، ما تسبب بأزمة مرورية خانقة، وفقا للمصادر.
وحذر مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان (حقوقي أهلي مقره رام الله)،أمس الأربعاء، من خطورة "تصاعد العدوان الإسرائيلي في قرى شمال غرب القدس المحتلة".
ولفت المركز، في بيان، إلى أن هذا التصعيد يأتي في أعقاب "التصريحات الأخيرة التي صدرت عن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، وأعلن فيها نيته فرض عقوبات مشددة على الفلسطينيين في هذه القرى وهدم منازل".وأكد أن "تهديدات كاتس بهدم منازل في تلك المنطقة تعد خرقا جسيما للقانون الدولي الإنساني، وتتنافى مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، كونها عقوبة جماعية محظورة بموجب المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949"
كما أن "هدم المنازل على خلفية انتقامية أو كجزء من سياسة ردع جماعية يعدّ خرقا للمادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة"، وفقا للمركز'' . وأعرب عن "خشيته من أن يتم هدم الكثير من المباني، التي هي في معظمها بيوت سكنية مأهولة، وترك ساكنيها في العراء".
ويؤكد الفلسطينيون أن الاحتلال يكثف من ارتكاب جرائم، تمهيدا لضم الضفة الغربية المحتلة، من بينها هدم منازل وتهجير فلسطينيين من أراضيهم والتوسع في البناء الاستيطاني.

المشاركة في هذا المقال