Print this page

على هامش الاجتماع الـ25 لمنظمة شانغهاي للتعاون في تيانجين الشراكة الصينية التونسية الى أين؟

احتضنت مدينة تيانجين الصينية الاجتماع الـ25 لمجلس رؤساء

دول منظمة شانغهاي للتعاون بحضور أكثر من 20 زعيما دول العالم . ومثلت القمة محطة مفصلية هامة في رسم معادلات دولية جديدة ضمن تعدد الأقطاب وفي سياق مسار كسر الهيمنة الأحادية الأمريكية. وتكمن أهمية القمة في ان منظمة شنغهاي للتعاون تمثل نحو نصف سكان العالم وأكثر من 23% من الاقتصاد العالمي وهي تطرح نفسها منذ تأسيسها قبل عقدين كبديل عن الهيمنة الأحادية . وتضم المنظمة 10 دول هي الصين والهند وروسيا وباكستان وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروسيا إضافة الى 16 دولة بصفة مراقب او شريك .. وأهم الرسائل التي وجهها المشاركون هي توسيع التعاون مع الأمم المتحدة وهيئاتها، وإطلاق مبادرة لتيسير التجارة بين الدول الأعضاء وإعداد اتفاقية لبناء الثقة في المجال العسكري.

وعقد خلالها الرئيس الصيني سلسلة من الاجتماعات الثنائية المتتالية مع عدد من القادة من بينهم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو، أحد حلفاء بوتين المقرّبين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي يزور الصين للمرة الأولى منذ العام 2018.
مبادرة الحوكمة العالمية
وطرح الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال القمة مبادرة الحوكمة العالمية في خضم تحديات يواجهها العالم، تشمل اضطرابات إقليمية متكررة ونموا اقتصاديا متباطئا وزيادة في المناهضة للعولمة. وتمثل مبادرة الحوكمة العالمية المبادرة العالمية الرابعة البارزة التي اقترحها الرئيس شي في السنوات الأخيرة، بعد مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية. كما شهدت القمة مشاركة نادرة لكيم جونغ أون فيما دعي بوتين وبزشكيان، ء لحضور عرض عسكري ضخم في بكين احتفالًا بالذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار على اليابان.
يأتي انعقاد القمة في خضم أزمات معقدة وحروب لا تنته في اكثر من مكان في العالم . يحاول المشاركون بقيادة الصين ان يطرحوا بديلا عن سياسة الحروب يقوم على التنمية الشاملة بدلا من المواجهة العسكرية .
تعزيز التضامن والتعاون
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن اليوم الخروج من دائرة الحروب والهيمنة الى عالم أرحب يعيد للشعوب والمجتمعات الإنسانية حقوقها ضمن شراكة عادلة . هنا يطرح الرئيس الصيني شي جينبينغ في كلمته مبادرة جديدة مؤكدا بأن منظمة شانغهاي للتعاون قد أصبحت أكبر منظمة إقليمية في العالم، مع تنامي تأثيرها وجاذبيتها على الصعيد الدولي يوما بعد يوم. استشرافا للمستقبل، وقال انه ينبغي للدول الأعضاء أن تواصل التمسك بـ" روح شانغهاي" ، وتمضي قدما إلى الأمام بمعنوية عالية وبخطوات ثابتة، وتعمل على تفعيل دور المنظمة بشكل أفضل. ودعا الى الالتزام بالسعي وراء الأرضية المشتركة مع ترك الاختلافات جانبا. وأضاف :"ينبغي لنا أن نحترم الاختلافات فيما بيننا ونحافظ على التواصل الاستراتيجي ونبلور التوافق الجماعي ونعزز التضامن والتعاون، ونعمل على توسيع نطاق التعاون وتوظيف مزايا دولنا على نحو جيد وتحمل المسؤولية المشتركة لتعزيز السلم والاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة.
كما دعا الرئيس الصيني الى الالتزام بالمنفعة المتبادلة والكسب المشترك. وتعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية، والتعاون في بناء " الحزام والطريق" بجودة عالية، ورفع مستوى تسهيل التجارة والاستثمار، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعات الخضراء والاقتصاد الرقمي والابتكار العلمي والتكنولوجي والذكاء الاصطناعي، والمضي قدما سويا نحو التحديث في عملية تبادل النجاح وخلق المستقبل بشكل مشترك.
كما أكد على اهمية الالتزام بالانفتاح والتسامح. و التعارف والتقارب في التبادلات الشعبية والثقافية، والتساند والتآزر في التعاون الاقتصادي، وتضافر الجهود لبناء حديقة تسعى فيها حضارات متنوعة إلى النجاح للنفس والآخرين وتكمل بعضها البعض وتتعايش بوئام.
رفض عقلية الحرب الباردة
وشدد الرئيس الصيني على الالتزام بالعدالة والانصاف قائلا:" ينبغي لنا تكريس المفهوم الصائب لتاريخ الحرب العالمية الثانية، ورفض عقلية الحرب الباردة والمواجهة بين المعسكرات وأعمال التنمر. وعلينا الحفاظ على المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها، ودعم منظومة التجارة المتعددة الطراف المتمحورة حول منظمة التجارة العالمية، ودفع بناء منظومة حوكمة عالمية أكثر عدالة وإنصافا."
كما دعا الى مواصلة دفع إصلاح منظمة شانغهاي للتعاون وزيادة الاستثمار وتعزيز بناء القدرات، بما يجعل القرارات أكثر علمية والخطوات أكثر فعالية، ويقدم دعما أقوى للتعاون الأمني والاقتصادي بين الدول الأعضاء .
أشار شي جينبينغ إلى أن الصين تربط دائما تنميتها الذاتية وتنمية منظمة شانغهاي للتعاون وتطلعات شعوب الدول الأعضاء للحياة الجميلة. وقال ان بلاده تحرص على العمل سويا مع كافة الأطراف على تذكر الغاية الأصلية والرسالة جيدا وتحمل المسؤولية بنشاط، والدفع بالتطور المستقر والمستدام لمنظمة شانغهاي للتعاون، والمضي قدما بثبات نحو آفاق جميلة لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية."
وقد أصدر قادة الدول الأعضاء " بيان تيانجين لمجلس رؤساء دول منظمة شانغهاي للتعاون" ، واعتمدوا " الاستراتيجية التنموية لمنظمة شانغهاي للتعاون في السنوات العشر المقبلة (عام 2026-2035)" ، ويتحدث البيان عن انتصار الحرب العالمية الثانية والذكرى الـ80 لتأسيس الأمم المتحدة عن دعم نظام التجارة المتعدد الأطراف، واعتمد البيان 24 وثيقة لتعزيز التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد والتواصل الثقافي والإساني والبناء المؤسسي وغيرها.
أي موقع لتونس في الشراكة مع الصين؟
وامام تسارع التطورات التي يشهدها العالم ، تبدو تونس في حاجة أكيدة الى تنويع الشراكات والبحث عن فرص جديدة مع هذه القوى المؤثرة في العالم . فالصين عبرت في أكثر من مناسبة -من خلال سفارتها- عن استعدادها للعمل مع تونس لتعزيز التعاون في مجال البنية التحتية والصحة والاقتصاد الأخضر ومركبات الطاقة الجديدة وغيرها . وفي احدى المؤتمرات التي احتضنتها تونس وحضرها عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تشيوي تشنغ تشان أكد حينها بأن الصين تتمسك بمفهوم التنمية الجديدة وتلتزم بالتنمية المستدامة. تحدث خلالها المسؤول الصيني عن كيفية نشر نمط تحديثي لا يحتكر التطور من دولة او فئة معينة خاصة ان مبادرة الحضارة العالمية تقوم على التنوع الحضاري بدل وأوضح بان هناك خمسة مرتكزات للنمط التحديثي الصيني والصين تستهدف جلب المزيد من الفرص للبلدان الأخرى لتحقيق التنمية العالمية . وهذا يعني ان تنمية الصين تحتاج الى تنمية العالم وتنمية العالم لا تنفصل عن التنمية الصينية .وقال انه في مبادرة إقامة مستقبل مشترك للبشرية والمشاركة في بناء الحزام والطريق فإن الصين لا تسعى فقط لتنميتها الذاتية بل أيضا ترغب وتستهدف جلب وإعادة الفائدة لشعوب العالم من خلال تنميتها .
التحديث الصيني والعالمي
وتنطلق أهم ملامح التحديث الصيني من كون تحقيق التحديث هو السعي المشترك لشعوب جميع أنحاء العالم ، وهو أيضًا الحلم الذي يسعى إليه الشعب الصيني منذ العصر الحديث. فالتحديث الصيني النمط يتسم بالصفات المشتركة للتحديث في مختلف البلدان، ويتميز على وجه الخصوص بالخصائص الصينية القائمة على ظروف الصين الواقعية .
واهم ركائز التحديث الصيني أنه يغطى عددًا هائلًا من الناس. ويجلب النمط فرص إلى العالم. في السنوات العشر الماضية، يبلغ متوسط معدل نمو الاقتصاد الصيني 6.6٪ ، ومتوسط معدل مساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي يتجاوز 30٪، مما يشكل مصدر الطاقة الرئيسي وعامل استقرار النمو الاقتصادي العالمي. فالتحديث الصيني سيؤدي إلى تغيير خريطة العالم للتحديث تمامًا ، ودفع التحديث العالمي يتطور خطوة كبيرة إلى الأمام في بحجم سكانها الضخم ، وتعزيز التنمية البشرية لتحقيق قفزة تاريخية. فالتحديث الصينى النمط مثلما يؤكد الخبراء هو تحديثً يسعى إلى الرخاء المشترك لجميع أبناء الشعب. بدلاً من احتكارها من قبل مجموعة محددة. وهو يحقق التناسق بين الحضارة المادية والحضارة المعنوية. كما انه يحقق التعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة. لذلك تعطي الصين أولوية للمشاريع التي تشجع الاقتصاد الأخضر او الذي يحمل فرص شراكة قوية مع تونس.
النمو الصيني والتنمية
وفي مقال له نشر مؤخرا أكد سفير جمهورية الصين الشعبية وان لي بان الاقتصاد الصيني يواصل نموه رغم الضغوط والقيود، محققًا زخمًا تنمويًا مستقرًا وإيجابيًا. وقد صدر مؤخرًا تقرير الوضع الاقتصادي الوطني للصين في النصف الأول من عام 2025. ووفقًا للتقديرات الأولية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول 66 تريليون يوان صيني (حوالي 9.2 تريليون دولار أمريكي)، بمعدل نمو سنوي قدره 5.3%، مما يؤكد على مرونة الاقتصاد الصيني وحيويته الكبيرة.
واكد بان النمو الاقتصادي الصيني يعتمد بشكل أساسي على الطلب المحلي. في مواجهة بيئة خارجية معقدة وغير مستقرة، يركز تطوير الصين على توسيع الطلب المحلي وتعزيز الدورة الاقتصادية المحلية. وقد حفزت سلسلة من التدابير السياسية بشكل فعال إمكانات الطلب المحلي، مما أدى تدريجيًا إلى ضخ الزخم في سوق المستهلك المحلي. وقال :" في النصف الأول من هذا العام، زادت القيمة المضافة لشركات التصنيع الكبرى عالية التقنية بنسبة 9.5% على أساس سنوي؛ واستمر توسع المعروض من المنتجات الذكية المتطورة، مع زيادة إنتاج معدات الطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات الصناعية بنسبة 43.1% و35.6% على التوالي. أدى ظهور وتطبيق نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة إلى زيادة الطلب على قوة الحوسبة بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة إنتاج الخوادم بمقدار 1.3 ضعف. ولا يزال الطلب العالمي على المنتجات الصينية عالية الجودة قويًا. ففي النصف الأول من العام، نمت الصادرات الصينية من المنتجات الخضراء، مثل السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والخلايا الكهروضوئية، بنسبة 12.7%. وفي ماي الماضي، وصلت حصة سوق السيارات الهجينة الصينية في أوروبا إلى مستوى تاريخي، حيث عبّر المستهلكون عن ثقتهم من خلال خياراتهم الشرائية. ووفقًا لدراسة أجرتها وكالة الطاقة الدولية، ومن أجل تحقيق هدف الحياد الكربوني، ينبغي أن تصل المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية إلى حوالي 45 مليون وحدة بحلول عام 2030، بينما بلغ الإنتاج العالمي للسيارات الكهربائية حوالي 17.7 مليون وحدة في عام 2024. وتؤكد هذه الحقيقة، مرة أخرى، أن الإنتاج الأخضر عالي الجودة على الصعيد الدولي ليس فائضًا في الطاقة الإنتاجية، بل على العكس، غير كافٍ على الإطلاق. وتوفر صناعة التصنيع الصينية، مسترشدة باستراتيجية تطوير تركز على الابتكار والجودة وفق قوله.
مرحلة جديدة من الشراكة
وسبق ان أكد سفير الصين بتونس وان لي بأن زيارة الرئيس قيس سعيد الى الصين العام الماضي مثلت فرصة لفتح مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والى مزيد تمتين التعاون في كافة المجالات . وأكد في تصريح خاص لـ" المغرب "بان الجانب الصيني يشجع على مزيد ارتقاء علاقات الشراكة مع تونس وان الاختلال في الميزان التجاري لصالح بيكين ليس ناجما عن إرادة صينية .
ومنذ عام 2019، تضاعف حجم التجارة بين البلدين. وفي السنوات الأخيرة عرفت العلاقات بين البلدين تطورا لافتا من خلال انضمام تونس الى عديد المبادرات سواء "الحزام والطريق" أو منتدى التعاون الصيني العربي ومنتدى التعاون الصيني الأفريقي . ويبقى العمل لتعزيز رفع مستوى التعاون في مجال البنية التحتية ، والصحة ، والاقتصاد الأخضر ، والفضاء ، ومركبات الطاقة الجديدة وغيرها هي من أهم الاستحقاقات القادمة بين البلدين من أجل خلق المزيد من فرص التعاون المشترك لمصلحة البلدين .

المشاركة في هذا المقال