Print this page

للحديث بقية فيروز وزياد والمدرسة الرحبانية ولبنان...

وشح الحزن لبنان بأرزه وبجباله الشامخة وأرضه

التي تحضرت امس لاحتضان أحد أهم عمالقتها الفنان والمسرحي الكبير والموسيقار زياد الرحباني، الذي رحل بعد مسيرة إبداعية تخطت كل الحدود والمسافات، جسّد خلالها بامتياز الفنان الملتزم بقضايا الوطن والانسان . وكأن لبنان أخذ إجازة من الانقسامات والنزاعات والخلافات السياسية والطائفية التي لطالما انتقدها زياد بحس فكاهي مرير ، فهبّ اللبنانيون بمختلف مشاربهم وانتماءتهم ومحاورهم ليودعوا مبدعهم .

اجتمع المنقسمون امس في لحظة حزن مهيب وأجمعوا على ان زياد الرحباني يمثل حالة خاصة استثنائية داخل المدرسة الرحبانية . ذلك العبقري الذي كان يصف نفسه بالإنسان العادي بتواضع العظماء ، هو أحد أهم ما قدمته المدرسة الرحبانية اللبنانية للعالم . فمثل حالة فكرية وابداعية خاصة وساهم في نقل فيروز من فن العصر العشرين الى الواحد والعشرين من خلال المزج بين الخط التقليدي الذي رسمه عاصي لفيروز الى الخط التحديثي الذي جعل فيروز أيقونة كل الأجيال بامتياز .
شارك اللبنانيون بسياسيه وفنانيه ومبدعيه فيروز حزنها لفقدان ابنها الذي كان أكثر من فنان بل هو ضمير الوطن والقضية وضمير الشارع اللبناني وضمير الفئات الهشّة والمستضعفة ونصيرها . فهو ابن انطلياس الوادعة وابن شارع الحمراء المتوهجة التي أمضى جلّ محطات حياته بين مقاهيها الحيّة واستديوهاتها التي كانت شاهدة على أهم اعماله الإبداعية. .
ودعت فيروز الأم والقديسة والأيقونة ابنها بصمت الجبال الشامخة ولململت دموعها وهي تنظر لجثمان ابنها المجثى. فلا تراتيل القلب ولا أحزان الصدى تستطيع أن تعبر عن لوعة فقدان الأم لابنها، فكيف اذا كانت فيروز التي رافقت كل الأجيال أحزانهم وأفراحهم وتجاربهم ...شاركت الوطن أتراحه وفلسطين تراتيلها واليوم لبنان وفلسطين والعالم كله يشارك فيروز حزنها .
في قلب كنيسة سيدة الرقادة ببكفيا في جبل لبنان الوادع الهادئ، كان هذا الرحباني المتمرد امس متفرجا على الجميع وعلى أمه ، تاركا ارثا من الأغنيات والأعمال المسرحية الاستثنائية ودروسا لا تنسى في حب المقاومة والأوطان . وسيبقى هذا الإرث الرحباني مع كل أغنية لزياد وفيروز التحمت بالكون ورست في شواطئ القلوب المتعطشة للإبداع والرقي ولإنسانية الفن وصدقه .

المشاركة في هذا المقال