Print this page

السادة في الخطاب، الرعايا في القرار عن السيادة حين تصبح نكتة حزينة

في العالم العربي، السيادة مثل طائر الفينيق

تملأ الخطب ولا تظهر في الحياة. نرفعها في المؤتمرات ونبيعها في الكواليس. نصدّرها للعناوين وندفنها في النصوص الصغيرة. سيادتنا لا تُمارس، بل تُعلن… مثل قرارات الطوارئ: دائمة، لكنها لا تعني شيئًا.

 في زمن ترامب، تحولت السيادة إلى نظام مكافآت: انحنِ تنَل، اعترض تُعاقب. هل تريد صورة في البيت الأبيض؟ اشترِ صفقة القرن. هل قررت التمرد؟ استعد للعقوبات. السيادة لم تعد حقًا، بل مكافأة تُمنح بحسب الولاء.

نحن شعوب محظوظة بثروات لا نقرر بشأنها. البعض يعوم فوق النفط ويغرق في التبعية. والبعض الآخر يعيش على القروض ثم يحدثنا عن “القرار المستقل”. السيادة هنا مثل الراتب: لا يكفي لنهاية الشهر، لكنها تملأ النشرات الرسمية.

لكن الأسوأ من التبعية الخارجية، هو الاستبداد المحلي الذي يرفع شعار “القرار الوطني” ليقمع به خصومه، ويبرر تزويره، ويكمم الصحافة. السيادة تتحول إلى عصا غليظة تضرب بها السلطة كل من يسأل: من قرر؟ وكيف؟ ومتى؟ أما الانتخابات، فتُعقد لالتقاط الصور، لا لتبديل الساسة.

الكرامة؟ سلعة نادرة. لا تُباع في الأسواق، ولا تُصنّع في الخطب. فالدولة التي تهين مواطنيها في مراكز الشرطة، لا تستحق الاحترام في المحافل الدولية. ولا سيادة لدولة تخشى شعبها أكثر مما تخشى خصومها. من يحكم باسم الناس دون أن يسمعهم، كمن ينشد للحب في جنازة.

السيادة لا تُستعاد من قصور الحكم، بل من الشوارع الغاضبة، ومن جيل شبابي فقد ثقته بكل من يتحدث عن “الكرامة الوطنية” بينما يوقع صفقة في الغرف المغلقة. لا كرامة بلا حرية، ولا حرية بلا محاسبة. من يحكم دون محاسبة لا يصنع سيادة، بل يشتري الوقت.

أما على الصعيد الدولي، فدم العربي رخيص في بورصة المواقف. القصف يُدان فقط إذا كان الضحية يحمل جوازًا أوروبيًا. أما إذا كان فلسطينيًا أو سودانيًا أو عراقيًا، فالبيان “قيد الصياغة” و”التحقيق جارٍ”. القانون الدولي لا يعرفنا إلا حين نخرقه، لا حين يُخرق بحقنا.

في النهاية، يبقى السؤال معلقًا: لمن القرار؟ هل نملك أن نقرر في قضايا الطاقة، أو الهجرة، أو فلسطين؟ أم أن القرارات تُصاغ في طوابق مرتفعة لا ندخلها؟ وهل من ينتخب نفسه بنسبة 98% هو فعلًا ممثل الشعب؟ أم ممثل “الاستقرار” فقط؟

السيادة لا تأتي من فوق، بل من أسفل. من مواطن لا يُهان، ومن صحافة لا تُكمم، ومن صندوق اقتراع لا يُملأ سلفًا. إلى أن يتحقق ذلك، سنظل نخطب عن السيادة… ونحن ننتظر أن يسمح لنا

المشاركة في هذا المقال