تفاعل وسائل الإعلام الدولية مع التصعيد بين تل أبيب وطهران

تنتهج وسائل الإعلام الغربية مسلكاً منحازاً لتل أبيب

عبرت عنه وسائل إعلام ذائعة الصيت وبصفة خاصة الصادرة من الولايات المتحدة وبريطانيا ، فنجد أنّ " وول ستريت جورنال " قد نشرت تقريراً يحمل عنوان " هجمات "إسرائيل" تُضيف خيارات المرشد في طهران " وتستعرض ما أسفر عنه الهجوم الإسرائيلي من تدمير لقدرات إيران، بما يُعرض طهران لخطرٍ كبيرٍ . وكشف الهجوم عن نقاط ضعفٍ عميقة في أجهزة الاستخبارات الإيرانية التي أبقت المرشد الأعلى، في السلطة لـ4 عقودٍ تقريبًا. وأشار التقرير إلى ما يواجهه المرشد الحالي " خامنئي" من خياراتٍ صعبة؛ إذ أضعفت إسرائيل الجيش الإيراني، لدرجة أنه من المُحتمل ألاَّ يكون قادرًا على ردْع الهجمات المستقبلية؛ ما يدفع إسرائيل إلى الهجوم بقوةٍ أكبر.

كما يُرجَّح التقرير أن تُستَقبَل الهجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر أو على مصالح أو أفراد أمريكيين آخرين بردٍّ أمريكي، وهو أمرٌ لطالما سعى «خامنئي» تاريخيًا إلى تجنُّبه، ونوه التقرير أيضاً بأن الرضوخ للضغوط وإبرام اتفاقٍ نووي مع الولايات المتحدة يُقيِّد بشدة قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، سيُنظَر إليه في أعين أنصار «خامنئي» المتشدِّدين، على أنه استسلامٌ غير مقبول؛
وقد نشرت الصحيفة ذاتها مقالاً أخر يتغني بالتفوق الجوي الإسرائيلي على الجزء الغربي من إيران ، وأنه حقق خلال 48 ساعة من بدء الضربات إنجازات لم تتمكَّن القوات الجوية الروسية الضخمة من تحقيقها في أوكرانيا، خلال 3 سنوات ونصف من الحرب، وأن اعتماد إيران الكبير على الردْع الصاروخي، بينما تمتلك نظام دفاعٍ جوي ضعيف، جعلها عُرضةً للضربات الإسرائيلية الدقيقة.
وفي السياق ذاته ، صدر عن مجلس العلاقات الخارجية CFR تقريرا بعنوان " الضربات الإسرائيلية قد تُعيد تشكيل المشهد الأمني في الشرق الأوسط " ، ويشير كاتب التقرير ' مايكل فورمان ' إلى أنه من السابق للأوان الجزم بمدى تأثُّر المنطقة بموجة الضربات الإسرائيلية الحالية على إيران، لكن من المؤكَّد أن تصرُّفات إسرائيل أعادت جذريًا تشكيل المشهد الأمني بالشرق الأوسط، في أقل من عامَين ، وأنه على الرغم أن نشوب حربٍ إقليمية شاملة ما يزال أمرًا واردًا، فإن عدم اليقين بشأن قدرات إيران الانتقامية والدفاعية، يفرض شكوكًا فيما إذا كانت طهران قادرةً أو راغبةً في بدئها، وأنه من المهمّ التدقيق فيما لم تضربه إسرائيل حتى الآن (المرشد الأعلى وقادة سياسيين آخرين مثل الرئيس الإيراني) ، لكن هذا لا يعني أن هذه الخيارات غير واردةٍ نهائيًا، ويقول ' فورمان ' في نهاية تقريره : يبقى أن نرى ما إذا كان سيتشكَّل نظامٌ دولي مستقر جديد، أو ما إذا كانت «قواعد الاشتباك الجديد» ستُؤدِّي إلى وضعٍ أكثر تقلبًا.
وفي مقابل المزاج الإعلامي المنحاز في صياغاته ومفرداته إلى تل أبيب ، نشرت ' نيويورك تايمز ' مقالاً متوازناً بعض الشيء بعنوان " ما تزال هناك فرصة للدبلوماسية مع إيران " . ويوضح أنه ما تزال هناك إمكانية لإعادة تفعيل الجهود الدبلوماسية الرامية للتوصُّل لاتفاقٍ بشأن البرنامج النووي الإيراني، حتى بعد أن أفسدت الضربات الإسرائيلية الجولة الأخيرة من المحادثات، وأنه من الواضح أن إيران تُريد العودة إلى المفاوضات؛ لأن الاتفاق ما يزال يُشكِّل أفضل حمايةٍ لها من الهجمات الإسرائيلية المستمرة، في ظلِّ محدودية وسائلها لضرب الأراضي الإسرائيلية. ولكن المفاوضات ستبقى معلَّقة طالما استمرَّت الحرب؛ إذ ستشعر إيران بأنها مضطرةٌ للرد على إسرائيل، خاصةً وأن «واشنطن» لا يبدو أنها تبذل أيَّة جهودٍ لوقف العنف واستئناف المحادثات. كما خلُص المقال إلى أنه في حين يُشير الإيرانيون لرغبتهم التوصُّل لاتفاق، وكذلك ترامب ، إلا أن شكل المحادثات المستقبلية سيعتمد حتمًا على متى وكيف سيتوقَّف القتال!؟
وعلى الرغم من إغفال وسائل الإعلام الغربية الحديث عن الخسائر والأضرار جراء الضربات الصاروخية الإيرانية وحالة التوجس والقلق في مجتمع دولة الاحتلال ، وتطرق بعضها إلى تداعيات تعرُّض مصفاة نفط إسرائيلية في حيفا وتضرُّر خطوط النقل والأنابيب في مجمّع «بازان» للكيميائيات ، أخذاً في الاعتبار أهمية خليج حيفا الإستراتيجية التي تُعدّ من أبرز أهداف إيران، حيث تهدد طهران مُنذ سنوات بمهاجمتها؛ نظرًا لاحتوائها على منشآت بنية تحتية حيوية، ويكتسب مجمّع «بازان» أهمية بالغة كونه أكبر منشأة لتكرير النفط في إسرائيل، بقدرة إنتاج تبلغ 200 ألف برميل يوميًا، ويلعب دور مهم في إمداد الأسواق الأوروبية .
هذا ، وقد ركزت تغطية الصحف الصادرة في تل أبيب أن ترامب أعطى الضوء الأخضر لبدء الحرب ، بشرط ألا تُصور الولايات المتحدة كشريك فيها، وأشار الكاتب ' آفي إشكنازي ' في مقال صادر أول أمس بصحيفة معاريف أن المهمة الأكبر نتنياهو حالياً هي إقناع الرئيس ترامب بالانضمام للحرب بشكل دقيق ومنسق .

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115