تداعيات المواجهة الإيرانية الاسرائيلية في زمن التحولات الكبرى أي دور للنظام الدولي؟

تدخل الحرب الإيرانية الإسرائيلية يومها الخامس في ظل هواجس وتساؤلات

تخيم حول تداعيات هذه المواجهة الأعنف منذ سنوات . ويبدو ان هذه الجولة من الضربات الصاروخية المتبادلة والحرب متعددة الأوجه والأشكال لن تقف عند حدود الأهداف المعلنة بل ستكون جزءا من معادلات القوى في الشرق الأوسط الجديد . وتجري محاولات دبلوماسية متعددة الأطراف للتهدئة في الوقت الذي أعلنت فيه طهران امس بأنها تستعد للضربة الأعنف للمرة الأولى منذ بدء العدوان الصهيوني .

وأعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن البرلمان يناقش مشروع قانون للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، مؤكدًا أن طهران لا تزال ترفض إنتاج أسلحة الدمار الشامل، لكن تشريعات البرلمان "ملزمة للحكومة قانونيًا". وقد بدأ اجتماع طارئ لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بطلب من روسيا، لبحث الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية. وصرّح مدير الوكالة رافائيل غروسي بعدم تسجيل أضرار إضافية في "نطنز" أو "فوردو" أو "خنداب" .
وأصدر رئيس السلطة القضائية الإيرانية، محسني إيجئي، تعليمات بتسريع محاكمة كل من يُشتبه في تعاونه مع إسرائيل، مع تنفيذ العقوبات فورًا "نظرًا لظروف الحرب"، بهدف تعزيز الردع والاستقرار الأمني. ودخل الرئيس التركي على خط الأحداث فقد أبلغ نظيره الإيراني استعداد أنقرة للقيام بدور الوسيط في المفاوضات النووية.
فصل جديد
اندلعت شرارة الحرب بين إيران وإسرائيل في واحدة من أكثر اللحظات توترا في تاريخ المنطقة، مكشوفة الواجهة ومجردة من أقنعة الحرب بالوكالة التي اعتادت الدولتان خوضها لعقود. جاءت المواجهة الأخيرة لتكسر قواعد الاشتباك التقليدية، وتنقل الصراع من الظل إلى الضوء، معلنة بداية فصل جديد في معادلة القوة الإقليمية، لا يخل من التحولات العميقة خاصة في ظل الصدمة التي يعيشها الإحتلال في خضم رد إيراني لم يكن في الحسبان .
في ظرف أيام تحولت المنطقة إلى مسرح مفتوح للنيران والصواريخ والطائرات المسيّرة، بينما ارتفعت الأصوات الدولية المطالبة بضبط النفس، وسط عجز واضح عن احتواء التصعيد. ورغم أن الطرفين حرصا في بياناتهما ا على تأكيد محدودية الأهداف، فإن حجم الضربات ونوعيتها كشفا عن نية مبيتة لإعادة رسم ميزان الردع، وتوجيه رسائل أبعد من حدود الاشتباك المباشر خاصة .
إسرائيل، التي وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع طهران بعد سنوات من ضرب حلفاء ايران في سوريا ولبنان، اختارت هذه المرة أن ترد داخل العمق الإيراني، مما دفع طهران إلى الرد بقوة عبر هجوم صاروخي غير مسبوق على أراض إسرائيلية. وبينما تباينت الروايات حول حجم الخسائر خصوصا في الداخل الصهيوني الذي يعتمد دائما سياسة التضليل ، فإن الأثر السياسي والأمني لهذه الحرب سيتجاوز الحسابات الفورية خاصة لدى الجانب الصهيوني الذي لم يعش في تاريخه مثل هذا التصعيد الذي استهدف عمقه .
ويرى محللون أنّ ما يجعل هذه الحرب مختلفة ليس فقط موقعها الجغرافي أو تكتيكاتها، بل توقيتها الحساس ، إذ تأتي في لحظة اهتزاز النظام الدولي، وتعدد مراكز النفوذ، وتآكل قدرة القوى الكبرى على فرض التهدئة. وفي غياب وساطة جدية تبقى احتمالات التوسع والانزلاق قائمة إذ قد تذهب المعركة إلى نقطة الإنفجار واللاعودة .
أبعاد الرد الإيراني
هذا ويعتبر الرد الإيراني هذه المرة -وفق محللين- بمثابة "نقلة نوعية" في العقيدة العسكرية الإيرانية، التي لطالما اتبعت سياسة الردّ غير المباشر أو عبر أذرعها الإقليمية. لكن هذه المرة جاء الرد مباشرا وموثقا، ما يعني أن طهران باتت ترى أن التصعيد المفتوح لم يعد محظورا في حساباتها. ويُنظر إلى هذا الرد أيضا كرسالة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن إيران لن تتردد في استخدام أدواتها الصاروخية والعسكرية إذا ما تعرّضت مصالحها الحيوية للخطر، حتى وإن أدى ذلك إلى مواجهة شاملة مع"إسرائيل". تشير الوقائع على الأرض إلى أن المنطقة دخلت مرحلة ضبابية من التوتر والتصعيد، قد لا تخرج منه قريبا. وبينما يحاول الطرفان تجنب مواجهة شاملة، فإن استمرارية الهجمات وتراكم الردود قد تُفضي إلى انفجار لا يمكن السيطرة عليه. يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح الدبلوماسية في كبح جماح هذه المواجهة، أم أن المنطقة مقبلة على حرب قد تعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات في الشرق الأوسط؟
بينما تنشغل الدبلوماسية الدولية في الدعوة إلى التهدئة، تتجه المواجهة بين إسرائيل وإيران نحو مسار تصعيدي ، قد ينقل المنطقة إلى مواجهة إقليمية أوسع. حتى اللحظة، لا تزال العمليات العسكرية محصورة بين الطرفين، لكن طبيعة الضربات وتوزيعها الجغرافي والتصريحات السياسية المصاحبة لها، تشير إلى أن حدود الاشتباك قد لا تبقى على حالها لفترة طويلة. الرد الإيراني الأخير على الهجمات الإسرائيلية داخل أراضيه، خاصة ما قيل إنها استهدفت منشآت حيوية في عمق إيران، يشير إلى تغير واضح في قواعد اللعبة. طهران لم تكتف بالبيانات السياسية أو التصعيد عبر الحلفاء، بل نفذت ضربات عسكرية مباشرة استهدفت مواقع داخل إسرائيل، وقالت صراحة إن الرد جاء في إطار "الدفاع عن النفس". هذا التطور وحده كاف لتأكيد أن إيران لم تعد تقبل باستمرار المعادلة السابقة، والتي كانت تضعها في موقع الطرف المتلقي للضربات دون رد مماثل. الموقف الأمريكي في هذا السياق، تبرز معضلة الدور الأمريكي. واشنطن نفت رسميا مشاركتها في الهجمات الإسرائيلية، لكن ذلك لم يمنع إيران من تحميلها مسؤولية غير مباشرة. اذ ترى طهران،أنه لا يمكن فصل الدعم العسكري واللوجستي والسياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، عن العمليات العسكرية التي تُنفذ ضدها. وهذه القناعة تفتح الباب أمام سيناريوات تصعيد قد تشمل مصالح أمريكية في المنطقة. ووفق مراقبين أيران تمتلك أدوات ضغط متعددة، وقد تلجأ إلى استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، أو تحريك حلفائها في المنطقة .وفي حال استهدفت بعثات دبلوماسية أو مواقع عسكرية أمريكية فإن واشنطن ستكون في وضع سياسي وأمني بالغ الحساسية، خاصة مع اقتراب استحقاقات انتخابية داخلية لا تسمح بإظهار التردد في الرد.
سيناريوهات المشهد المقبل
ويؤكد باحثون أن أما يزيد من خطورة الوضع أن التصعيد الحالي لا يبدو أنه يخضع لآلية واضحة للضبط أو التهدئة. في غياب وساطة فاعلة، وعدم وجود خطوط حمراء مُعلنة فيما يبدو أن كلا الطرفين يتحرك بناء على موازين رد فعل لحظية. ووفق خبراء فان هذا النوع من المواجهات عادة ما يؤدي إلى انزلاق تدريجي نحو صدامات أكبر، خصوصا حين تختلط الحسابات العسكرية بالضغوط السياسية الداخلية.
تمر المنطقة بواحدة من أكثر مراحلها هشاشة منذ سنوات ، فالأطراف الأساسية تقول إنها لا تريد الحرب، لكنها في الوقت نفسه تُبقي على أدواتها في وضع الجهوزية القصوى.كما أوضحت إيران أنها لن تقبل بعد الآن أن يتم استهدافها دون رد، ومن جانبها ''إسرائيل'' تزعم أن أي تساهل أمام التهديد الإيراني يمثل تقويضا لأمنها الاستراتيجي. أما الولايات المتحدة، فتبدو عالقة بين دعمها لحليفتها في تل أبيب، ورغبتها المعلنة في تجنّب مواجهة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط.
في ظل هذا الواقع، فإن الاحتمال الأخطر ليس اندلاع حرب شاملة بقرار معلن، بل انزلاق تدريجي إلى مواجهة مفتوحة نتيجة تتابع الهجمات والردود، وغياب أي إطار سياسي قادر على احتواء الأزمة. ما يحدث الآن ليس فقط مواجهة بين دولتين، بل اختبار لقدرة النظام الإقليمي والدولي على منع تكرار سيناريوهات الانفجار الكبرى التي عرفتها المنطقة في العقود الماضية.
بين التحذير وتبادل الضربات الصاروخية، تتعزز احتمالات أن إسرائيل تقترب من اتخاذ قرار توجيه ضربة دقيقة لمواقع نووية أو مواقع صناعات عسكرية إيرانية. خاصة أن الملف النووي عاد مؤخرا للواجهة، مع تقارير استخباراتية تشير إلى اقتراب إيران من مستويات تخصيب حرجة. هذا الاحتمال، وإن لم يُحسم بعد، يعكسه تغير نبرة الخطاب العسكري الإسرائيلي من الغموض إلى الوضوح الصريح. فالتحذير الإسرائيلي للإيرانيين بالابتعاد عن المنشآت النووية، ليس مجرد خطوة إعلامية، بل جزء من مشهد تصعيدي حربي متكامل، حيث الصواريخ تتطاير، والمواقع الحساسة باتت في قلب الاستهداف المحتمل. إذ يؤكد محللون أنه رسالة ردعية وتهديد مباشر، تصدر لأول مرة بهذا الشكل العلني، وتؤكد أن ما يجري بين إسرائيل وإيران لم يعد حرب ظل، بل نزاع مسلح مباشر يُدار على نار مفتوحة، قابلا في أي لحظة للتحول إلى مواجهة إقليمية شاملة.
هجمات متبادلة وضربات نوعية
وشهدت ليلة الأحد سلسلة غارات وهجمات متبادلة، حيث استهدفت طهران مصفاة نفط إسرائيلية وألحقت أضرارا بشبكة الكهرباء في البلاد، فيما أكد شهود عيان وقوع انفجارات في مناطق سكنية داخل "إسرائيل".
في المقابل، أعلن جيش العدوان الإسرائيلي أنه دمر أكثر من 120 منصة إطلاق صواريخ إيرانية، وهو ما يعادل ثلث الترسانة الإيرانية، حسب بيان المتحدث باسم الجيش إيفي دفرين وفق مانشرته ''سكاي نيوز عربية''.
وأضاف دفرين أن الطيران الإسرائيلي شن ضربات مكثفة باستخدام 50 مقاتلة استهدفت نحو 100 موقع عسكري في إقليم أصفهان وسط إيران، من بينها 20 صاروخا تم تدميرها قبل دقائق من إطلاقها.وارتفعت حصيلة الضحايا في إيران إلى 224 قتيلا، وفقا لوزارة الصحة الإيرانية، فيما سجلت إسرائيل 24 قتيلا و592 جريحا، بينهم عشرة في حالة حرجة، وفق بيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية صباح أمس الإثنين، وهو رقم يؤكد محللون أنه بعيد عن الأرقام الحقيقية التي يتكتم حولها الكيان الصهيوني .

في المقابل قالت إسرائيل إنها نفَّذت سلسلةَ ضربات على إيران استهدفت مقرات لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.كما استهدفت منصات صواريخ باليستية إضافة إلى مواقع للبنى التحتية للطاقة، وشنّت غارات جوية على أماكن عدة في العاصمة طهران.
وقال جيش الإحتلال الإسرائيلي إنه استهدف عشرات من مواقع الصواريخ أرض-أرض في غرب إيران، وقالت مصادر إسرائيلية إن الغارات على إيران، استهدفت أنظمة للدفاع الجوي داخل طهران وكذلك مطار مهر آباد غرب العاصمة.وفي سياق مواز، كشف مسؤولان أمريكيان أن الرئيس السابق دونالد ترامب رفض مؤخرا خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي، في وقت نفى فيه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي وجود أي نية لاستهداف القيادة السياسية الإيرانية.
في المواقف الإيرانية أيضا، قال الرئيسُ الإيراني مسعود بزشكيان، إن إيران، في حاجة ماسة، إلى تقوية الجبهة الداخلية لصد الهجمات الإسرائيلية.وخلال كلمة له في البرلمان الإيراني، أكد بزشكيان أن إيران لم تسعَ إلى الحرب، وأنه ليس لديها أي نية لحيازة سلاح نووي، بناء على سياسات المرشد علي خامنئي.
وقالت مصادر في البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية إن العملية العسكرية ضد إيران مرشحة للاستمرار "لأسابيع وليس لأيام"، مشيرين إلى وجود دعم أمريكي ضمني في هذه المرحلة، دون استبعاد مشاركة أمريكية مستقبلية إذا اقتضى الأمر.
في هذه الأثناء، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "إسرائيل" ستواصل عملياتها حتى "شل قدرة إيران على تهديد أمنها"، في وقت تواصل فيه طهران إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة.
نتنياهو يدعي السيطرة على سماء طهران
من جانبه ادعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو،أمس الاثنين، أن سلاح الجو الإسرائيلي يسيطر على سماء العاصمة الإيرانية طهران.جاء ذلك في تصريحات أدلى بها نتنياهو خلال زيارة لقاعدة تل نوف الجوية (وسط)، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على إيران ورد طهران عليه بهجمات صاروخية.
وأضاف: "سلاح الجو الإسرائيلي يسيطر على سماء طهران، نحن نضرب أهدافًا للنظام، على عكس النظام الإيراني المجرم الذي يستهدف المدنيين" على حد زعمه.وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان وفق الأناضول على نسخة منه إن نتنياهو زار القاعدة الجوية العسكرية برفقة وزير الحرب يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش إيال زامير.وخاطب نتنياهو الطيارين في القاعدة قائلاً: "أنتم تقومون بأعمالٍ مذهلة، سلاح الجو الإسرائيلي يسيطر على سماء طهران. هذا تغييرٌ جذريٌّ في الحملة بأكملها".
وأضاف: "نحن في طريقنا لتحقيق هدفينا: القضاء على التهديد النووي والقضاء على التهديد الصاروخي. عندما نسيطر على سماء طهران، فإننا نضرب هذه الأهداف، أهداف النظام".نحن نقول لمواطني طهران: "اخرجوا، ونحن نتحرك" على حد تعبيره، دون مزيد من التفاصيل، مدعيا أن إسرائيل "على طريق تحقيق النصر".

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115