Print this page

الديون الخارجية و تداعيات نسب الفائدة المتغيرة على خدمة الدين وما الذي يتحكم فيها؟

عقد يوم الثلاثاء 6 ماي2025 مجلس نواب الشعب جلسة عامّة، تم خلالها مناقشة مشروع قانون عدد 021 لسنة 2025،

المتعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية لتمويل المرحلة الثالثة من مشروع تطوير البنية التحتية للطرقات، بقيمة 80.16 مليون أورو من كلفة إجمالية قدرها 86.21 مليون أورو، بشكل مشترك تساهم فيه الحكومة التونسية بمبلغ 6.05 مليون أورو وبنسبة فائدة متغيرة، وهو ما يدفع إلى الحديث عن الديون الخارجية وتداعيات نسب الفائدة المتغيرة على الأسواق المالية وخدمة الدين وما الذي يتحكم فيها؟

 في ظل تزايد الضغوطات المالية و الاقتصادية وشح الموارد الذاتية، تجد تونس نفسها كسائر الدول الأخرى مجبرة على اللجوء المتكرر إلى القروض الخارجية، وبينما تبدو بعض هذه القروض ضرورية لتمويل مشاريع مثل البنية التحتية او غيرها أو سدّ العجز، فإن الاعتماد المتزايد على قروض بفائدة متغيرة لا سيما تلك التي تُمنح من قبل مؤسسات مالية كبرى مثل صندوق النقد الدولي أو البنوك متعددة الأطراف، يحوّل هذه التمويلات إلى عبء ثقيل، قد يتضاعف دون إنذار بمجرد تغير المعطيات الدولية ، وهو ما يجعل الدول المقترضة، مثل تونس، رهينة لتحولات مالية خارج إرادتها.

رغم أن المؤشرات والمعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط لسنة 2025 تفيد أن نفقات تسديد خدمة الدين العمومي ستعرف تراجعا بنسبة %1.1 لتبلغ 24690 م د سنة 2025 بالعلاقة مع انخفاض خالص الأصل بـ %2.1 إلا أن نفقات الفائدة سترتفع بـ .%1.8 كما ستبلغ موارد الاقتراض ما يعادل 28003 م د متأتية بنسبة %21.9 من موارد الاقتراض الخارجي بما قيمته 6131 م د و%78.1 من موارد الاقتراض الداخلي 21872 م د.

ما معنى الفائدة المتغيرة؟

الفائدة المتغيرة (Taux d’intérêt variable) هي نوع من الفوائد التي لا تبقى ثابتة طوال فترة القرض، بل تتغير دوريًا وفقًا لمؤشرات مالية عالمية وعند الحصول على قرض بهذا النوع من الفائدة، تكون الدولة أو المقترض معرضًا لتقلبات الأسواق الدولية ورغم أن الفائدة المتغيرة قد تبدو أقل كلفة عند توقيع العقد، إلا أنها تحمل مخاطر مالية عالية على المدى المتوسط والطويل، خاصة إذا شهدت الأسواق العالمية موجات من التشديد النقدي كما هو الحال منذ سنة 2022 وتعني نسبة الفائدة المتغيرة أن الدولة لا تسدد مبلغًا ثابتًا طوال مدة سداد القرض، بل تتغير حسب مؤشرات الأسواق الدولية، مثل أسعار الفائدة للبنوك المركزية مثل الفدرالي الأمريكي أو البنك المركزي الأوروبي، وهنا تكمن المشكلة على اعتبار أن الدول بما فيها تونس لا تتحكم في هذه المؤشرات، لكن تتحمل نتائج تغيراتها .

يساهم الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة عالميًا ومنذ سنة 2022، تلقائيًا في ارتفاع قيمة الفوائد المستحقة، مما يشكّل ضغطًا إضافيًا على الميزانية، فإذا ارتفعت هذه المؤشرات، ترتفع معها كلفة خدمة الدين تلقائياً وهو ما يكون له تأثيرات مباشرة على الاقتصاد بما في ذلك ارتفاع عبء الميزانية مما يُجبر على تقليص النفقات في قطاعات حيوية مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية وكذلك الضغط على احتياطي العملة الصعبة على اعتبار أن دفع فوائد مرتفعة بالعملة الأجنبية يُضعف من احتياطي البنك المركزي، ويزيد من هشاشة العملة المحلية .

ما الذي يتحكم في نسب الفائدة؟ 

تُعدّ نسبة الفائدة من أبرز المحددات الاقتصادية التي تؤثر مباشرة على كلفة القروض، سواء بالنسبة للأفراد أو للدول،وتتحكم في هذه النسبة عدة عوامل أساسية تعكس الوضعين المالي والنقدي للدولة والمحيط الدولي، ومن أبرزها السياسة النقدية للبنك المركزي حيث يقوم البنك المركزي في كل بلد بتحديد سعر الفائدة الأساسي، الذي يُستخدم كمرجع لجميع المعاملات المالية، فحين يسعى البنك إلى كبح جماح التضخم، يرفع هذا السعر، مما ينعكس على كلفة الاقتراض بشكل عام في المقابل، يتم خفضه لتحفيز الاستثمار وتحريك العجلة الاقتصادية في فترات الركود وكلما ارتفع معدل التضخم في البلاد، ازدادت نسبة الفائدة فالمقرضون يلجؤون إلى رفع الفائدة لتعويض تراجع القوة الشرائية ولضمان الحفاظ على القيمة الحقيقية لأموالهم المستثمرة في شكل قروض.

 تلعب أيضا وكالات التصنيف الائتماني مثل (Moody's وFitch) ) دورًا مهمًا في تقييم قدرة الدول على سداد ديونها، والدول ضعيفة التصنيف ، يُنظر إليها على أنها عالية المخاطر، وبالتالي تفرض عليها المؤسسات المالية نسب فائدة مرتفعة لتغطية مخاطرها مما يثقل عبء خدمات دينها علاوة على تأثير العلاقة بين العرض بما يعني توفر الأموال والطلب المتمثل في حاجة الحكومات أو المؤسسات إلى التمويل على سعر الفائدة وكلما يزداد الطلب على القروض في ظل قلة العرض، ترتفع الفائدة بشكل تلقائي.

 عنصرا آخرا يتحكم في نسبة الفائدة وهو طبيعة القرض،فالقروض طويلة الآجال أو ذات المخاطر المرتفعة تكون مصحوبة عادة بنسب فائدة أعلى، كما أن القروض ذات الفائدة المتغيرة تتأثر بعوامل خارجية مثل مؤشرات السوق الدولية، منها أسعار الفائدة التي يحددها البنك الفيدرالي الأمريكي أو البنك المركزي الأوروبي.

الحلول والبدائل

هذه الوضعيات قد تستدعي بدائل وسياسات ممكنة تتمثل أساسا في التفاوض لإعادة جدولة الديون، خاصة الديون ذات الفائدة المرتفعة أو القصيرة الأجل أو الاتجاه إلى الاقتراض بنسب فائدة ثابتة لضمان استقرار الكلفة وتجنب المفاجآت بالإضافة إلى تشجيع التمويل الداخلي مثل السندات المحلية، لتخفيف الضغط على العملات الأجنبية وتحسين مناخ الاستثمار والإنتاج المحلي لتقليص الحاجة إلى الاقتراض من الخارج.

تؤكد البيانات الرسمية، ان حجم الدين الخارجي لتونس تجاوز 40 مليار دولار، والأسوأ من ذلك، أن اغلب هذا الدين يحمل نسب فائدة متغيرة، مما قد يعرّض المالية العمومية لتقلبات غير متوقعة، ربما تؤدي إلى اختلالات هيكلية خطيرة و تشترك تونس في هذا التحدي مع دول أخرى مثل مصر، التي تعاني من نفس الضغوطات بسبب ديون بفوائد متغيرة تأثرت مباشرة بارتفاع الفائدة الأمريكية والمغرب الذي يحاول تنويع استراتيجيات تمويله، مستفيدًا من تصنيف ائتماني أفضل وتحسبا لأي مخاطر.

مواصلة مسار إصلاح

تؤكد إستراتيجية الميزان الاقتصادي لسنة 2025 ان العمل سيتركز على مواصلة مسار إصلاح القطاع المالي بمختلف مكوناته وذلك على مستو ى الحوكمة وإعادة هيكلة القطاع وكذلك دعم الأسس المالية للمؤسسات المصرفية والمؤسسات المالية المختصة وتطوير النواتج والخدمات المسداة، كما تهدف الإصلاحات المرتقبة باعتبار انفتاح الاقتصاد الوطني على الخارج إلى الرقي بأداء القطاع المالي وضمان مواكبته للتطورات المؤسساتية والفنية بما يدعم تعبئة موارد التمويل الخارجي واستقطاب الاستثمار الخارجي إضافة إلى مساندة المؤسسات في اقتحام الأسواق الخارجية.

في الواقع المشكلة ليست في القروض ذاتها، بل في نوعيتها، وتوقيتها، وشروطها، وإن كانت الفائدة المتغيرة قد يقبل بها أحيانًا في البداية، فإنها تحمل في طياتها تقلبات لا ترحم تدفع الحكومة، إلى ضرورة أن تتحرك بسرعة لتنفيذ مقاربة مالية أكثر حكمة واستباقية، تنقذ الاقتصاد الوطني من هشاشة متزايدة تعمقت بعد الثورة وبتعاقب الحكومات وفشل اغلب الاستراتيجيات والمخططات التنموية وتمنح الدولة مساحة من السيادة في اتخاذ القرار.

 

 

المشاركة في هذا المقال