والكيفية التي يدير بها ترامب وطاقمه العلاقات الخارجية لواشنطن أصبحت محور اهتمام الرأي العام الدولي . وأصداء التعريفات الجمركية لا ترتبط فقط بتوجهات خارجية لإدارة -لم تستكمل بعد المائة يوم الأولى - فالداخل والاقتصاد الأمريكي سيقع عليه أيضا عدة تبعات سلبية من شن حرب تجارية قد تزلزل النظام الإقتصادي العالمي الذي يعيش حالة كبيرة من الترقب. وحذر خبراء الإقتصاد من أن الرسوم الجمركية سوف تؤدي إلى رفع أسعار السلع المستوردة وزيادة معدل التضخم في الولايات المُتحدة بنسبة تصل إلى 0.7% خاصة مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك لـ 3 % خلال جانفي 2025 .
وعلى الرغم من الحماية التي كان يفرضها طاقم بايدن وتدخّلهم للتخفيف من أثار هفواته التي جعلته من الرؤساء الأقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة ، فإن الدائرة الضيقة حول الرئيس ترامب يبدو أنها لا تستطيع التأثير بسهولة على توجهاته ، فإعلان البيت الأبيض عزم الرئيس ترامب رفع الرسوم الجمركية إلى 104% على كافة الواردات الصينية ( أعلن في خلال 24 ساعة أنه يعتزم رفع الرسوم إلى 109 % ثم 125% ) وذلك بسبب رفض الصين التراجع عن وعدها بفرض رسوم جمركية "انتقامية" على السلع الأمريكية ( أعلنت بكين نيتها فرض رسوم جمركية بنسبة 84 % علي السلع الأمريكية إعتبارا من 10 أفريل2025 ) يعكس عدم إنصاته لمناشدات تحثّه على مراجعة ما يعتزمه بشأن التعريفات الجمركية الأحادية ، وكان ''إيلون ماسك'' في مقدمة المطالبين له بإعادة النظر في تلك التوجهات وفرض رسوم جمركية شاملة .
هذا ، ولم تقتصر ردة الفعل على الصين فقط وإنما تقترح المفوضية الأوروبية فرض رسوم جمركية مُضادة بنسبة 25% على مجموعة من السلع الأمريكية؛ ردًا على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي ، على أن تدخل الرسوم الجمركية على بعض السلع حيز التنفيذ ( 16 ماي المقبل) بينما ستُطبق مجموعة إضافية في ديسمبر المقبل، ولا يجب إغفال أن الإتحاد الأوروبي يواجه تحديات أخرى في هذا السياق ، إذ قد تتدفق السلع الصينية بسرعة نحو أسواق جديدة في الكتلة الأوروبية ، وهو ما يستلزم تفكير بروكسل في تدابير وقائية وينذر بتعميق المواجهات التجارية بين القوي الدولية
على الرغم من ذلك الصخب الدولي ، يمكن القول أن القرارات الترامبية لم تخلو من النفحات الإنسانية والحرص على انتظام سلاسل توريد أساسية، حيث استثنى الرئيس ترامب (2 افريل) المنتجات الصيدلية من التعريفات الجمركية المتبادلة؛ وهي خطوة تهدف في مضمونها الحفاظ على إمدادات الأدوية بتكلفة منخفضة، وتعزيز استقرار أسعارها في الداخل الأمريكي، علماً بأن الأدوية المستوردة -بصفة خاصة من الهند- تضطلع بدور رئيسي في السوق الأمريكية، فقد وفَّرت الأدوية الأجنبية نحو 1.3 تريليون دولار على النظام الصحي الأمريكي بين عامي 2013 و2022؛ ما يجعل فرض التعريفات مهدِّدًا لميزانيات الرعاية الصحية والفئات الضعيفة التي تعتمد على هذه الأدوية. كما يلاحظ هنا أن إنسانيات إدارة "ترامب" لا تطبق خارج حدود الولايات المتحدة ، حيث أوقفت واشنطن تمويل برامج الطوارئ التابعة لبرنامج الأغذية العالمي، والتي تسهم في إبقاء ملايين الأشخاص على قيد الحياة في 13 دولة يعانى العديد منها من صراعات
تعكس بعض التقارير الإعلامية أن تعهُّد الصين «بالقتال حتى النهاية» إذا مضَت الولايات المتحدة قدمًا في زيادة الرسوم الجمركية، قد يدفع أكبر اقتصادَين في العالم إلى شفا حربٍ تجارية شاملة. وتُشير الفايننشال تايمز في تقرير صحفي أن هذه المواجهة بين الصين والولايات المتحدة تأتي في وقت من المقرَّر أن تدخل فيه موجة ما يُسمى بـ«الرسوم الجمركية المتبادلة» على العشرات من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، حيِّز التنفيذ في 9 أفريل الجاري. كما تطرق المقال إلي أن تحذير الصين يأتي بعد أن صرَّح «ترامب» يوم الإثنين بأنه سيفرض رسومًا إضافية بنسبة 50%، ما لم تُلغِ الصين رسومًا جمركية انتقامية بنسب مرتفعة أعلنت عنها الأسبوع الماضي. ويرى خبراء صينيون أنه في حين أن الصين - ثاني أكبر اقتصادٍ في العالم- ستُعاني من اضطراباتٍ تجارية بسبب رسوم ترامب فإن الصين ستتمسَّك بموقفها ولن ترضخ لـواشنطن، علماً بأن ترامب قد صرح أمس من أمام البيت الأبيض أن الصين تريد عقد صفقة لكنها لا تعرف كيف ، وأنه قرر وقف الرسوم 90 يومًا لمن لا يرد على قراراته برسوم مضادة هناك أكثر من 75 دولة تريد التفاوض مع الولايات المتحدة ، وأختتم تصريحاته بأن الصين ربحت تريليون دولار من التجارة مع أمريكا.
ومن أبرز التقديرات الإعلامية التي تتناول تأثير السياسات الجمركية لترامب مقال نشرته ''فورين بوليسي '' والتي ذكرت فيه أنه على الرغم من تعهُّدات إدارة «ترامب» بدفع عجلة قطاع الطاقة الأمريكي ، فإنّ الرسوم الجمركية التي فرضها الأسبوع الماضي، تُهدِّد برفع الأسعار وإبطاء النمو الذي سوف يستتبعه انخفاض الطلب على النفط، وهو ما سيُؤثِّر بدوره سلبًا على قطاع النفط الأمريكي ( هبط سعر النفط الأمريكي إلى أقل من 60 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ 2021 بسبب مخاوف الركود الناجم عن الرسوم الجمركية ) . ومن ناحيةٍ أخرى فقد يُؤدِّى استيراد الولايات المتحدة للمعدات المستخدمة في صناعة النفط والغاز إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض أسعار المنتجات، الأمر الذي يُعيق بدوره طموحات الهيمنة على قطاع الطاقة.
هذا ، وتضمنت ترجيحات ''فورين بوليسي'' السيناريوهات المُحتملة ، إذ ربما تُلغى حروب «ترامب» التجارية هذا الأسبوع، أو قد تتصاعد، وقد تُعيد الرسوم الجمركية الهيمنة الصناعية الأمريكية أو قد لا تنجح في ذلك، لكن من المؤكَّد، أنها لا تُفيد خطط الولايات المتحدة للهيمنة على قطاع الطاقة.ويلاحظ في هذا الإطار إعلان الرئيس ترامب عن تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي لدعم صناعة الفحم، ووقع أمراً تنفيذياً للتوسع في إنتاج الفحم في خطوة لتنويع مصادر الطاقة في الولايات المتحدة.