والجماعات المسلحة التي تقودها " هيئة تحرير الشام" والمصنفة إرهابية والتابعة لجيش الاحتلال التركي من جهة أخرى في ريفي حلب الغربي وادلب.
وأسفرت المعارك الأخيرة عن مقتل أكثر من 600 شخص، بينهم مدنيون، في تصعيد دموي أثر بشكل كبير على مجمل الوضع الإنساني والسياسي في المنطقة. هذه الحرب التي بدأت منذ أكثر من عشر سنوات، دخلت مرحلة جديدة تُنذر بتعميق الانقسام الداخلي واستمرار التدمير ودوامة العنف في خضم شرق أوسط جديد يتبلور قوامه الفوضى والعنف وعدم الاستقرار ومخاطر تقسيم وتفتيت دول المنطقة الى دويلات طائفية ومذهبية .
دفع المدنيون فاتورة كبيرة جراء عودة العنف فقد أسفرت الاشتباكات الأخيرة عن مقتل 605 أشخاص، بينهم 107 مدنيين بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان .عدد القتلى لم يقتصر على الجبهة العسكرية فقط، بل طال أيضا المدنيين الذين يدفعون دائما الثمن الأكبر في هذه الحروب الطاحنة. من بين القتلى، هناك 299 من الفصائل المسلحة، و199 من القوات النظامية وموالين لها.
تأرجح السيطرة بين الفصائل والنظام
ووفق تقارير فإنّ أبرز محاور القتال في الأيام الأخيرة كان جبل زين العابدين، الذي يطل على مدينة حماة شمال غرب سوريا. الفصائل المسلحة المصنفة ارهابية، بقيادة "هيئة تحرير الشام"، حاولت السيطرة على هذا الجبل الاستراتيجي بهدف تعزيز موقفها في مواجهة قوات النظام. إلا أن هذه المحاولة فشلت، رغم أن الفصائل المسلحة تمكنت من السيطرة على عدة مواقع هامة، مثل قرية كفراع ومعرشحور، وعدد من النقاط العسكرية التابعة للنظام. في المقابل، شن الجيش السوري هجوما مضادا مدعوما بالطيران الحربي، مما مكنها من استعادة السيطرة على المناطق المفقودة.
هذه الديناميكية العسكرية تكشف عن مفارقة رئيسية في النزاع السوري: قدرة الفصائل المسلحة على تحقيق تقدم في الميدان ولكن أيضا فشلها في الحفاظ على السيطرة على الأراضي، بسبب الهجمات المعاكسة من قوات دمشق المدعومة من الطيران الحربي والتعزيزات العسكرية المستمرة من روسيا.
وأشار المرصد السوري إلى وصول تعزيزات عسكرية كبيرة من قوات النظام إلى محاور ريف حماة الشمالية والشرقية والغربية، ما يعكس إستراتيجيتهم في إحكام السيطرة على المدينة وحمايتها من المزيد من الهجمات. كما أوضح أن الفصائل المسلحة قد توسعت في بعض النقاط الهامة، مثل السيطرة على مناطق السماقيات وكفرراع، التي كانت تمثل نقاطًا إستراتيجية، تابعة لقوات النظام.
من جهة أخرى، أكدت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن قوات الجيش السوري تواصل عملياتها ضد مواقع الفصائل المسلحة في ريف حماة، حيث نجحت في توسيع نطاق الأمان في المدينة بنحو 20 كيلومتراً بعد القضاء على أعداد كبيرة من المقاتلين الموالين لـ"هيئة تحرير الشام" والمجموعات التابعة لها.
التحولات في خارطة الحرب السورية
القتال في ريف حماة ليس المعركة الوحيدة التي تتسارع أحداثها على الأراضي السورية. في الأسبوع الماضي، شهدت مدينة حلب أكبر تحول في خريطة السيطرة، حيث شن تحالف من المسلحين المعارضين بقيادة "هيئة تحرير الشام" هجوما واسعا في شمال غرب سوريا، مما أسفر عن سقوط مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، في يد المعارضة.
هذه التطورات في حلب تمثل ضربة جديدة للحكومة السورية التي ظلت تسيطر على المدينة منذ استعادتها في 2016 بعد معركة دموية استمرت شهورًا. سقوط حلب بيد الفصائل المسلحة من جديد يعد تحولاً استراتيجيًا خطيرا قد يغير من مسار الصراع في المنطقة.
أزمة إنسانية متفاقمة
ويزيد القتال المستمر بين الفصائل المسلحة وقوات النظام من حدة الأزمة الإنسانية التي تشهدها سوريا منذ بداية الحرب. مئات الآلاف من المدنيين يفرون من جبهات القتال، ويبحثون عن مأوى في مناطق أكثر أمانا، لكن مع استمرار القصف والقتال العنيف، يظل الوصول إلى الأمان بعيدا عنهم. يضاف إلى ذلك تداعيات الهجمات الجوية على المستشفيات والمرافق الحيوية، مما يفاقم من معاناة الشعب السوري، ويضع ضغوطًا إضافية على المنظمات الإنسانية التي تجد صعوبة في تقديم المساعدات في ظل تدهور الوضع الأمني.
أصبح القتال في سوريا قضية ذات أبعاد دولية مع تدخل العديد من القوى الإقليمية والدولية. هذا الانقسام الدولي يزيد من تعقيد الوضع الداخلي، إذ يتحول الصراع السوري إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية، وهو ما يطيل أمد الأزمة ويزيد من تأثيراتها السلبية على السوريين.
ويرى خبراء أنّ التصعيد العسكري الأخير في سوريا، خاصة في حماة وحلب، يعكس استمرار الحرب بلا أفق حقيقي لحل سياسي قريب. المعارك الطاحنة بين النظام والفصائل المسلحة المتطرفة والارهابية، رغم تقلبات السيطرة الميدانية، تشي بأن النزاع دخل مرحلة جديدة من الاستنزاف. وتزداد معاناة المدنيين، ويظل الوضع الإنساني في سوريا على شفير كارثة أكبر.
افق المعركة
من جهته قال د. خيام الزعبي الكاتب والأكاديمي السوري لـ''المغرب'' أن
الكثير من التقارير الصحفية تشير إلى تصاعد وتيرة الانجازات الميدانية والعمليات العسكرية للجيش السوري وحلفاؤه في مختلف مناطق حلب لتطهير الأرض من إرهابيي " هيئة تحرير الشام" والمجموعات التي تعمل تحت رايتها.
وتابع "اليوم تحظى معركة حلب بإهتمام بالغ في الأوساط العربية والدولية، لما لها من إنعكاسات مباشرة على المنطقة، وتشكل منعطفاً مفصلياً في مقاومة الجيش السوري للتنظيمات المتطرفة، وتعد ضربة للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي- التركي الراعي لهذه التنظيمات. هناك خسائر بشرية ومادية تكبدتها هذه الجماعات في معاركها مع الجيش السوري عادت عليهم بالهزائم والإنكسارات، مما ينذر بأن المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة'' وفق تعبيره.
وأضاف الزعبي '' دخل سلاح الطيران السوري والروسي على خط المعركة منذ بدايتها، حيث نفذ ضربات واسعة في محيط جبهة الاشتباكات، وصولا إلى خطوط إمداد "هيئة تحرير الشام" بدءا من مدخل مدينة إدلب وصولا إلى معسكر مطار تفتناز العسكري شرق إدلب.وعلى خط مواز، يضيق الجيش السوري الخناق على هذه الجماعات من كافة الاتجاهات وبات يحيط بمناطق تواجدها من كل حدب وصوب في انتظار إتمام الاستعدادات لاقتحامها، وهناك مصادر عديدة تتحدث عن أنّ هذه التنظيمات تعاني من سلسلة أزمات استنزفت قواها ، وهو ما يرجح فرضية انسحاب هذه التنظيمات من ريف حلب ".
وتابع "تأتي العملية العسكرية في ظروف ميدانية وإقليمية ودولية متغيرة، إذ وافقت تركيا على هذا الهجوم للضغط على الدولة السورية من أجل الدخول في مفاوضات جديدة لتطبيع العلاقات مع أنقرة بعدما رفضت الحكومة السورية جميع الدعوات التركية لعملية تطبيع العلاقات إلا بشرط خروج تركيا من الأراضي السورية، كما جاء هذا الهجوم بعد التهديدات الإسرائيلية على لسان نتنياهو إلى سورية، بسبب الدور السوري لتعزيز قدرات المقاومة ودعمها والوقوف إلى جانبها" وفق تعبيره.
وأكّد أنّ ''معركة حلب تعتبر من أصعب المعارك في سوريا، ويمكن اعتبارها ساحة مصغرة للصراع الإقليمي والدولي، فهي التي تحدد مستقبل سوريا وترسم خارطتھا، فتداعياتها لن تقف عند تحديد دفة الصراع ووجهته بين المجموعات المسلحة والجيش السوري فحسب، بل ستتجاوز ذلك إلى التأثير المباشر على العديد من المعادلات الإقليمية الحساسة في المنطقة''.