أكد رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان عبد الباسط بن حسن ان هناك التحام بين الشعب الفلسطيني وبين شعب تونس في محطات تاريخية متعددة . وبيّن ان تونس لديها تقاليد وإرث في الدفاع عن قضايا التحرر الوطني وفي مقدمتها قضية فلسطين . وقال انه ليس من الغريب أن يكون الموقف التونسي بهذا الزخم الإنساني وبهذا الزخم الأخلاقي المساند للقضية الفلسطينية . وأوضح في حوار لـ" المغرب " بان هناك اليوم عودة حقيقية على الساحة الدولية للقضية الفلسطينية وتعاطف وتآزر كبيرين،ولفت النظر الى ان الموقف الفلسطيني الموحّد سياسيا ودبلوماسيا سيكون له أثر كبير لأنه سيسند المقاومة على الأرض. يشار الى ان المعهد العربي لحقوق الانسان ومقره تونس اشتغل كثيرا منذ تأسيسه على القضية الفلسطينية ومناصرة حق الشعب الفلسطيني في تحرره من الاحتلال ،وخصص أهم دوراته التدريبية" دورة عنبتاوي " باسم المناضل الحقوقي الفلسطيني "منذر عنبتاوي" الذي كان من مؤسسي المعهد العربي لحقوق الانسان، وذلك وفاء لدوره الريادي في حركة حقوق الإنسان، وفي تأسيس المعهد كما أصدر عديد الدراسات الخاصة والمتعلقة بمآلات القضية الفلسطينية بكل أبعادها.
ما أهمية الفعاليات التي شهدتها تونس في إطار إسناد صمود الشعب الفلسطيني منذ طوفان الأقصى وحتى قبلها؟ وآخرها استقبال الجرحى الفلسطينيين ، وعن أهمية الدعم النضالي اليومي لتبقى القضية حيّة وليست مجرد حدث مناسباتي؟
تعتبر كل التظاهرات في تونس وفي عدد كبير من دول العالم ظاهرة صحية ومسألة هامة لأنها تعلي من قيمة مبدأ التضامن مع شعب يعيش منذ عقود تحت سلطة الاحتلال الاستيطاني .فكل مظاهر التضامن هي هامة لأنها أولا تحيي معاني التحرر الشعب الفلسطيني وتعيد كذلك القضية الى النقاش الدولي ثم تبرز مختلف انتهاكات الاحتلال لحقوق الشعب الفلسطيني . اليوم الحقيقة نحتاج من المجتمع الدولي ان ينتقل من ردود الفعل -رغم أهميتها- الى التجسيد الفعلي لحقوق الشعوب وذلك من خلال الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وانهاء الاحتلال . ما وقع من جرائم إبادة في غزة ومن جرائم في الضفة يؤكد على ان زمن الاحتلال هو زمن غير طبيعي ولا يمكن ان يتواصل لأن في تواصله تهديد لحقوق الشعب الفلسطيني وكذلك تهديد لمعاني الإنسانية الأساسية . ما رأيناه من جرائم إبادة يهدّد كذلك السلم والأمن الإنسانيين .
وأعتقد انه من المهم اليوم الخروج من منطق التناول المناسباتي للقضية الفلسطينية والعمل في مختلف الأصعدة وبشكل متواصل دون انتظار المناسبات من أجل إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة لأنها قضية إنسانية عادلة وقضية حق انساني ، والتمسك بها هو تمسك بالمبادئ الكونية لحقوق الانسان التي لا تتجزأ .
كان لافتا موقف تونس المتقدم سواء في الجامعة العربية او مجلس الأمن او حتى في الشارع التونسي النابض باسم فلسطين فكيف تقرؤون هذه المواقف ؟
هناك تقاليد وإرث حقيقي في تونس وهو مساندة قضايا التحرر العالمي عامة وخاصة قضية الشعب الفلسطيني. وقد رأينا التحاما بين الشعب الفلسطيني وبين شعب تونس في محطات تاريخية متعددة لذلك ليس من الغريب ان يكون موقف التونسي بهذا الزخم الإنساني وبهذا الزخم الأخلاقي المساند للقضية الفلسطينية .وتونس كانت دائما مناصرة للقضية الفلسطينية ولحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة . وقد استقبلت تونس جزء من الشعب الفلسطيني الشقيق بشكل يتناغم مع الموقف الشعبي التونسي الوفي لقضيته الأم . وان موقف الشعب التونسي وموقف تونس والمواقف العربية الأخرى برأيي أنها ستكون أكثر فاعلية في القدرة على الإيقاف الفعلي لهذا الاحتلال وعلى نصرة الشعب الفلسطيني . أقول ستكون أكثر فاعلية اذا ما طرحنا على أنفسنا كذلك سؤالا حضاريا حول ماهية البلدان التي نريد . نحن نحتاج اليوم حقيقة ان نطرح سؤالا حضاريا على أنفسنا وان نختار وجهة تطوير مجتمعاتنا و الاستثمار في الانسان في مجتمعاتنا وفي تطوير الاقتصاد وتحقيق تنمية حقيقية والاستثمار في التعليم وفي الانسان وفي الدبلوماسية القوية ، من أجل نحسن مجتمعاتنا لتصبح لها القدرة على نجدة كل البلدان والشعوب التي تناضل من أجل تحررها وعلى رأسها الشعب الفلسطيني .
من خلال مبدأ "نصرة الحق الإنساني الفلسطيني "، كيف ترى "أنسنة"العالم ؟
الحقيقية ان ما شهده العالم خلال الأسابيع الأخيرة من جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية طرح سؤالا أخلاقيا "إيتيقيا" كبيرا على الضمير الإنساني .فاستهداف المدنيين والتقتيل المرعب لآلاف الأطفال وضرب البنية التحتية ومنع الإغاثة الانسانية ،كلها حقيقة مشاهد مرعبة أثارت مرة أخرى مسالة أساسية و"ايتيقية" أخلاقية أساسية وهي ان الاحتلال والاستعمار مظهرين ضد الطبيعة الإنسانية وضد "أنسنة" عالمنا . لذلك اليوم "أنسنة" عالمنا تمرّ أولا وقبل كل شيء عبر تحمّل الدول الكبرى -والتي لها سلطة القرار الدولي-مسؤوليتها ،وأن توقف هذه الجرائم وهده الإبادة . ثم ان تبدأ المجموعة الدولية في مسار سياسي حقيقي وفعلي للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وفي تقرير المصير . هذه المداخل حقيقة لأنسنة مجتمعنا حتى لا تُعاد مثل هذه الجرائم. وهناك اليوم سؤال كبير يطرح علينا وهو كيف ننتقل الى مرحلة تضع فيها الإنسانية القواعد القانونية والأخلاقية والعملية من أجل ان لا يتكرر ما وقع في غزة من جرائم مسّت من فكرة المساواة في الكرامة بين الشعوب والمساواة في تطبيق القانون الدولي .
إلى أي مدى ساهمت حرب غزة في فضح جرائم الاحتلال أمام العالم وكشف زيف رواية الاحتلال؟
في الحقيقية ما رأيناه مباشرة في وسائل الإعلام وما كشفته الوقائع التي رآها كل إنسان في العالم كان مرعبا.وهنالك عمل كبير قامت به منظمات في مختلف أنحاء العالم وإعلاميين وإعلاميات ومثقفات وأطراف عديدة ،وحتى بعض الدول والحكومات، قامت بعمل كبير من أجل كشف أنواع كل الانتهاكات ومن أجل قول كلمة الحق ومواجهة تيار كامل من الخديعة ومن محاولة إخفاء الحقيقة ومحاولة تبرير ما يقع من انتهاكات إسرائيلية.
اليوم يجب أن نبني على كل هذه التيارات الإيجابية من أجل أن نواصل العمل على تحصين عالمنا من إمكانية تكرار مثل هذه الجرائم .
برأيك هل سيتم الذهاب إلى مفاوضات الحلّ النهائي بعد هذه الحرب في ظلّ توازنات جديدة؟
كل محبي السلام وكل أنصار القضية الفلسطينية -وقد انضافت أعداد كبيرة لهم في مختلف أنحاء العالم من الفئات المناصرين للقضية الفلسطينية. والجميع يتمنى ذلك ويسعى إلى أن يقع إيقاف أولا هذه الجريمة ثم الذهاب نحو مسار سياسي حقيقي من اجل إحلال السلم الدائم بالنسبة للشعب الفلسطيني ثم الاعتراف بحقه في تقرير المصير وبإقامة دولته المستقلة أي دولة فعلية لها سيادة . هذا هو المسار الوحيد الذي يمكن أولا أن ينصف شعبا يعاني منذ عقود طويلة من الاحتلال ثم كذلك أن يحلّ السلم في منطقتنا وفي مختلف أنحاء العالم .وكذلك أن يحقق هذا المطمح الكبير وهو "أنسنة"عالمنا . لا إمكانية اليوم تحقيق " أنسنة" عالمنا إذا تواصلت الجرائم ضد الشعب الفلسطيني .
برأيك ما مخاطر محاولات التهجير القسري الجديدة للفلسطينيين وماهي المقاربة لمواجهة هذا المخطط؟
أن كل البلدان المحبة للسلام وكل البلدان العربية يجب أن تقف أمام كل المحاولات التي تسعى إلى إعادة وتكرار النكبة . الشعب الفلسطيني صامد ورغم كل العنف المسّلط عليه وكل الجرائم الأخيرة فانه شعب متمسك بأرضه .ويجب على المجموعة الدولية وعلى المجموعة العربية أن تتحمل مسؤوليتها في منع أي محاولة للمس من الشعب الفلسطيني ومن صموده وتشبثه بأرضه لان هناك من يريد تصفيه القضية الفلسطينية أصلا من خلال هذه المحاولات ولا أظنها ستنجح.
هل هناك مفاوض فلسطيني قادر ان يتحصل على مكاسب توازي حجم التضحيات ؟
أن هنالك ضرورة قصوى اليوم لتوحيد الصف الفلسطيني على المستوى السياسي والدبلوماسي من أجل الاستفادة من هذا الزخم الشعبي الكبير المساند للقضية الفلسطينية .هناك اليوم عودة حقيقية على الساحة الدولية للقضية الفلسطينية وتعاطف وتآزر .ورأينا تحولات هامة تطرأ على مواقف عديد الدول ومنها الموقف الاسباني. وأعتقد أن الموقف الفلسطيني الموحّد سياسيا ودبلوماسيا سيكون له أثر كبير لأنه سيسند المقاومة على الأرض وهي حق أساسي من حقوق الإنسان، وسيحولها إلى مكاسب سياسية هامة جدا قد تسرع بتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني.
رغم الهدنة في غزة ولكن بنفس الوقت التصعيد متواصل في الضفة وتم إعلان جنين منطقة عسكرية من قبل الاحتلال ، فهل تنتقم إسرائيل من صمود غزة من خلال التنكيل بالفلسطينيين في الضفة ؟
لا يمكن للاحتلال أن يتوقف عن هذه الانتهاكات لأنه يقوم على التمييز وعلى محاولة التوسع ويقوم على إنكار الحقوق . فستتواصل الانتهاكات إذا لم تكن هنالك إرادة دولية وعربية من أجل وضع حد لهده الوضعية وهذا هو الحل الوحيد . وإذا لم تقم البلدان الكبرى مع الدول العربية بدورها كاملا اليوم في تحميل إسرائيل مسؤوليتها فان هذه الانتهاكات ستتواصل لذل هنالك ضرورة من أجل حفظ السلم على المستوى الإقليمي والدولي باحترام حقوق الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال .
حكومة الاحتلال أعلنت عن مشاريع استيطانية وتم تخصيص موازنة لها رغم الهدنة ،فإلى أي مدى كل هذه الانتهاكات الصهيونية تنهي وتقبر حلّ الدولتين ؟
من المؤكد أن تواصل الاستيطان وهذه الاعتداءات بخلاف أشكالها وأنواعها وحجمها، تهدّد حلّ الدولتين وحقوق الشعب الفلسطيني. لذلك يجب أن تفهم كل بلدان العالم الدرس وان تجتمع على فكرة حقوق الشعب الفلسطيني لإعادة المسار السياسي بسرعة إلى الواجهة حتى تقف كل هذه المآسي.