الخطّ السياسي لحركة مشروع تونس: أسئلة حركة مشروع تونس و إجاباتها

(...) قد لا نضيف شيئا بالقول إنّ اللّحظة متأزّمة فنحن نعيش أزمات متقاطعة على المستوى المحلّي و الإقليمي و الدّولي عنوانها الصّدامات الكبرى و الإنهيارات المتتالية و فوضى ينعتها قاموس سياسي بعينه بـ«الفوضى الخلاّقة».

وفي خضم ذلك يطرح الفكر الإنساني راهنا أسئلة جذريّة و حارقة وهي أسئلة يحتاج من يرى في نفسه منخرطا في مشروع أن يتمثّلها بدقّة إنّها أسئلة :
من نحن ؟ من هو الآخر بالنّسبة لنا ؟ ماذا نريد او ما العمل ؟ وماهو المنهج الملاائم لإنجاز المشروع؟ كيف نشخص واقعنا وماهي الرّهانات الكبرى التي تحدّد ملامح الطّريق؟

 

تحتاج الإجابة على هذه الأسئلة ضمن « مشروع » هو بطبيعته مفتوح إلى تحديد أوّلي وقابل للمراجعة في تفاعل مع الحركية المتسارعة للواقع الذاتي والموضوعي على حد سواء للمنطلقات أو الدّواعي الكامنة وراء التّساؤل و الأسس التي تضبط شروط إمكان كلّ إجابة ممكنة و الطّريق أو المنهج مع الوعي بطبيعة التّضاريس التي تطبع هذا الطّريق الطّويل .وصولا إلى الغايات و المقاصد أو ما يتصوّر المشاركون في المشروع أنّه حلمهم أو منشودهم.

المنطلقات: في الأزمة والوعي بالأزمة
لم تكن الثورة في أحد أوجهها سوى عنوانا لهذه الأزمة إنّها التّحوّل النّوعي الذي أفرزته مراكمة مديدة لوعود لم تنجز ولإخفاقات لم يتم تخطيها ولأدواء لم تعالج في حينها .ولمّا كانت هذه الثورة غير قابلة للتصنيف ضمن مفاهيم القاموس السّياسي الكلاسيكي لخلوّها من البرنامج و البديل و القيادة والاديولوجيا فإنّها قد فتحت الباب على مصراعيه للجميع من هوّاة السّياسة الى محترفيها ليبادروا بما يرونه بدائل وحلولا للإصلاح أو لإعادة البناء والتّأسيس حيث كان حضور العدمية مسيطرا عند قسم كبير ممّن دعا إلى بدايات جديدة . ونشأت عن ذلك حرب شعارات وحرب بدائل هي تعبيرات مباشرة عن حروب خفيّة بعضها قديم و بعضها يحتفظ براهنيّته. واتسعت دائرة هذه الأشكال من التّفاعل لتضع المجتمع على حافّة الهاوية وانتشرت فقاقيع التّطرّف و المزايدة السّياسيّة على حافّتي الطّريق يسارا و يمينا وكلّ ذلك خلق مساحة من التّأزّم المجتمعي والسياسي في تواز مع تأزّم ثقافي و أخلاقي يتفاعل مع أشكال من التّوتّر المستمرّ للعلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة (...).

جدلية التأصيل والتجديد :مشروع الإصلاح الجديد
تتحدد خصوصية الخط السياسي لحركة مشروع تونس في رؤية الاصلاح الجديد ذلك ان هذا المفهوم يحدد جدلية الاتصال والانفصال مع تاريخ تونس وحاضرها ومستقبلها بل هو ينزل الحركة كخط سياسي اصلاحي في علاقة باشكال الفكر العدمي والهدام وفي علاقة بالفكر المحافظ الذي يتشبث بالماضي مخافة التجديد .وبلغة اوضح فان الوسطية التي تسم كل ملامح الفكر والممارسة لهذه الحركة تجعل من خطها السياسي وسطا بين الثورجية والنزعة المحافظة .
يحدّد مفهوم الإصلاح الجديد بشكل تكثيفي الأبعاد المختلفة لمشروع الخط السّياسي لحركة مشروع تونس فهو من جهة يعكس بعدي الإنتماء والإلتزام المحدّدين للهوّية السّياسية وهو من جهة أخرى يحدّد الإطار الثّقافي والحضاري /القيمي الذي تتحرّك ضمنه رهانات الإصلاح الجديد الباحث عن اكمال ما لم ينجزه الاباء المصلحون .

إنّه إنتماء إلى الحركة الإصلاحيّة التونسيّة الممتدّة حتّى القرن التّاسع عشر بشقّيها الإصلاحي السّياسي و الإصلاحي الدّيني حتّى إنّ المنتمين إلى هذا المشروع يقدّرون أنّهم يمثّلون مشروعا لجيل خامس من الإصلاح.وهو إلتزام بالدّفاع عن المكتسبات التي تحقّقت على أيدي المصلحين الكبار في تونس و خاصّة ما يتعلّق منها بالخطّ المدني و الجمهوري كأفق سياسي و بمنزلة المرأة كمكسب حقوقي. و كلّ ذلك يتمّ تدعيمه بتجاوز ما حصل من انحرافات. وبالوقوف ضد محاولات الحياد عند أيّ شكل عنيف أو ناعم مع التّوجّه إلى تدعيم ذلك بإصلاحات كبرى تجديديّة تتعلّق بتحقيق مبدإ التّناصف بين المرأة والرّجل وخصوصا التّناصف الإقتصادي إلتزاما بحقّ الشّغل للجميع وإستثمارا لمجهود المرأة الذي يمثّل ثروة لا يمكن إغفال قيمتها .وتثبيت حق المشاركة السياسيّة للشّباب وتكريس المبدإ الدّستوري في التّمييز الإيجابي للجهات الداخلية التي لم تنل حظها من دولة الاستقلال وفي اللّامركزيّة مع إعادة صياغة دور الدّولة في المجتمع ومقاومة الإرهاب والفساد وتفعيل الحكومة المفتوحة.

إنّ ذلك يستدعي الحسم النظري السّياسي في قضايا جوهريّة انطلاقا من المواءمة بين مكتسبات الدّولة الوطنيّة وموروث الحركة الوطنيّة الإصلاحيّة من جهة ومقتضيات الثورة أو المواءمة بين التّراث والتّجديد مع روح تحاول تأصيل العمليّة التّحديثيّة ضمن مشروع تنويري حداثي تونسي أصيل يجمع بين فكر المصلحين السّياسيين التّونسيين وروح المدرسة القيروانيّة والزّيتونيّة ذات المنحى التنويري والوسطي والمعتدل في تأويل وفهم الدّين الإسلامي فمهما انتشر في الغرب الإسلامي منذ أمد بعيد وشكّل خصوصيّة وتميّزا عن التّأويل المشرقي للإسلام الذي وقف شيوخ كبار لرسم حدود الاختلاف معه.

ان هذه المعطيات من شأنها أن تزيح النقاب عن لوحة من المواقف التي تحدّد الرهانات كما يلي:

رهانات حركة مشروع تونس الوعود الممكنة

- الإلتزام بمواصلة مشروع حركة الإصلاح السّياسي التّونسية التي تعود إلى القرن 19 .

- الإلتزام بالفكر الوسطي و المستنيرللمدرسة التونسية في فهم روح الدّين الإسلامي.

-الفصل بين الدّين والسياسة وهو أمر يختلف عن الفصل بين الدّين والدّولة التي تحتفظ لوحدها بسلطة رعاية الدّين.

- رفض التّطرّف الإيديولوجي مهما كان نوعه فحركة مشروع تونس ليست حزبا إيديولوجيّا منغلقا متعصّبا وإنّما هي حزب يقوم على فكر التّنوّع والإختلاف وككل مشروع سمتها الانفتاح.

- تبنى الرّؤية التّحديثيّة المدافعة عن مدنية الدّولة وحقوق الإنسان ضدّ منظور الدّولة الدّينيّة في صورها الصّريحة والمقنعة.

- الإلتزام بمكاسب المرأة والدّفاع عن تدعيمها بمبدأ التّناصف

إعتبار تونس خصوصيّة ثقافيّة وحضاريّة أو أمّة ضمن فضاء الكونيّة والسّهر على حماية الشّخصيّة التّونسيّة من الذّوبان في ظلّ العولمة التي تفرض ديانة السوق وصراع الهويات الذي يشق نسيج المجتمعات شرقها وغربهاواعتبار أنّ الدّفاع عن الخصوصيّة والإختلاف لا ينفي إمكانيّة التّواصل مع الآخر.

- تبني النّهج البورقيبي القائم عل مبدأي الواقعيّة والمرحليّة وعلى شعار الصّدق في القول والإخلاص في العمل .وسياسة حسن الجوار والحياد الإيجابي في السياسة الدولية والإنخراط في الدّفاع عن القضايا العادلة وعن السّلام والأمن العالميين والإنفتاح على الفضاءات المختلفة.

تبني الخيار الإقتصادي القائم على مبدإ المبادرة الفرديّة والخيار الإجتماعي القائم على مبدإ العدالة الإجتماعيّة والخيار السّياسي القائم على مبدإ الدّيمقراطيّة المركّبة القائمة على الشّراكة والتّوافق وشرعيّة الأداء وعدم الانكفاء داخل مفهوم الدّيمقراطيّة التّقليديّة البسيطة ذات الطّابع العددي والمتحصّرة في مفاهيم التّعدّديّة وسلطة الأغلبيّة وخضوع الأقلّيّة.

- تبني منطق المصالحة بين الحاضر والماضي واعتبار الحوار سبيلا للفصل في الخلافات ومن هذا المنطلق فإنّ حركة مشروع تونس ترفض الإقصاء بكلّ أشكاله وتنفتح على كلّ أشكال الشّراكة تحت مظلّة الإيمان بالمدنية والجمهوريّة وحقّ الإختلاف وروح التّنوّع فلقد ولّى عصر الإيديولوجيّات والكليانيات الكبرى.

إنّ ذلك من شأنه أن يعطي صورة واضحة للخطوط العريضة لبديل يرنوإلى تخطّي ما ترزح تحته البلاد من ضبابية سياسية ومن التباس للآفاق المستقبليّة ومن فوضى في التّشريع والممارسة طالت كلّ القطاعات الحيويّة وأصبحت تهدّد الكيان التّونسي في زمن تشظي القيم التي تحتاج إلى إعادة الإعتبار إليها وخاصّة قيم العمل والوطنيّة.

كل ذلك لايتم الا بتحول بمعاضدة المشروع السياسي بمشروع تربية للانسان على القيم الدينية الاجتهادية وعلى المواطنة بعيدا عن المسقط والدخيل والمتحول. وعلى المعاني التي تحويها مدونة حقوق الانسان الكونية

خاتمة
اذا كانت سمة المشروع ان يكون مفتوحا متفاعلا مع المحيط تفاعلا يجعله حيا فان حركة مشروع تونس تضع لبنة ضمن مسار مشروع تونس المتجدد والمنفتح على المستقبل حاملا في طياته زخما تاريخيا لا يجد المتامل فيه سوى مظاهر الاجلال والتقدير الذي يجعل من الانخراط في المشرو ع مسؤولية اخلاقية قبل ان تكون سياسية.

 بقلم :محمد لسود 

 استاذ باحث ، مقرر لجنة الخط السياسي بالمؤتمر التأسيسي لحركة مشروع تونس

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115