حسين القهواجي في ذكرى رحيله: نبش في جينات إرثنا بكل ما فيه من سحر وقصص ومشترك..

الحياةُ بسطتُ لها كفّي أريد وداعها
فهل أنت مخبري سوء ما يأتي به القدرُ
أعرف سرّ دائي
بازُ قَنْصٍ يسكن عيني

وخيالي مُهْرٌ لا يعرف لجامْ...
حسين القهواجي
مرّت خمس سنوات على رحيل أديب القيروان وشاعرها حسين القهواجي، غادرنا في الثّالث من أكتوبر سنة 2017، عن سنّ ثمانية وخمسين عاما، مخلفا عوالم وتفاصيل وحكايات لم يكن ليكتبها إلا هو بذلك الشغف والذكاء وذلك العشق الرهيب للقيروان..
أذكر أنه أهداني كتابه «ليلة راس العام العربي» وكتب لي اهداء، عسى أن اتذكر ما قد نسيته..
«يعترضك بطيفه النحيف وتبسّمه اللطيف في كلّ أزقّة القيروان أيّام البرد وليالي المطر، ملتفّا بمعطفه ذاك الكثيف، متقلّدا تحت إبطه كتابا أو كتابين، لا تستطيع إلّا أن تستظرف نبرات صوته المتحلّلة الكسولة، ولا تملك إلّا أن تستلطف ملامح وجهه الرقيقة رقّة روحه ورهافة إحساسه… نسمة من نسائم القيروان، أو زخّة من زخّات خريفها زفرت كي تفارقنا معلنة أنّ القيروان قد ثَقُلَ عليها الوحي فما عادت تتّسع في هذا العهد الكئيب للشعر ولا للشعراء»، هكذا وصفه الشيخ إسكندر العلاني، الإمام الخطيب في جامع أبي زمعة البلوي.
لم يحب حسين القهواجي من الحياة غير أن يحياها شاعرا، كاتبا، محبا شغوفا بالتفاصيل والحكايات.. ينبش في جينات إرثنا بكل ما فيه من سحر وقصص ومشترك.. كتب رغم محنه وأبدع رغم أوجاعه ومآسيه.. ولم ينطق إلا بالأمل..
رافق القهواجي القيروان كما لم يرافقها حبيب قط وفك طلاسم سحرها، ساردا شغفها وكاشفا لاسرارها ونواميسها.. وقد أحيا في كل حروفه تراثا غابرا منسيا.. ونحن نقرأ رواياته نكاد نشمّ روائح أمكنته.. يدخلنا في عوالمه أو عوالمنا شغوفين غير مكرهين..وكلما انتهت الحكاية نعود لقراءتها من جديد عسى أن لا تنتهي هذه المرّة..
كتب الراحل نصوصا لا حصر لها من دفاتر التراث المنسية، وتوقف عند هوامش مسكوت عنها.. وأزال عنها الغبار وترك السحر ضمن سير روائية كثيرة، حيث جمع القهواجي شتاتنا من خلال نصوصه في الذاكرة الجماعية وحام في معالم وعوالم ورموز وتفاصيل وأزمنة غابرة، ولملم شتاتا لا بأس به من التراث الشعبي السردي، ذلك التراث المهمل في غالب الأحيان.. واحتفى في نصوصه بالهوامش والمنسيين، إذ خاض في عوالم شعرية عديدة على غرار «ليل المقابر» و«غراب النبوءات» و«أندر من بروق الصيف أرق من غيمة الخريف»، و«يوميات في مارستان» و«كتاب الأيام» و«الأرواح البيضاء» و«أحفاد سقراط وصلوا قرطاجة».. كما كتب الرواية على غرار «باب الجلادين» و«حومة الباي» و«سوق الوراقين» و«بنقا في زنقة عنقني»..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115