والتقى هذا الزخم التجريبي في حركة الطليعة التي عملت على تجديد الخطاب والسرد الأدبي والفني في بلادنا والقطع مع الخطاب التقليدي والبحث عن أشكال فنية جديدة تقطع مع المألوف .
وكان للمسرح دور كبير ومهم في عملية التجديد والتجريب الفني .ولئن شهدت الساحة العربية نفس التمشي التجديدي في عديد المجالات الفنية،الا انه كان لبلادنا السبق في المجال المسرحي حيث لعبت دور الريادة في هذا المجال .وكان لمسرحيينا الدور الأساسي في عملية تجديد الخطاب والسرد المسرحي والتأثير على التجريب في هذا المجال في البلاد العربية من خلال مدرسة خصوصية .
وقد ساهم عديد المسرحيين في مغامرة التجديد ومن ضمنهم محمد إدريس ورجاء فرحات والفاضلين الجعايبي والجزيزي .ويبقى توفيق الجبالي احد أعمدة هذه المغامرة وهذا السفر في متاهات التجريب الفني والإبداعي .
وعندما نتحدث مع الصديق توفيق الجبالي عن مصادر هذا الإلهام وعن هذه الثورة المسرحية يشير إلى الروح الرافضة والمحبة للهامش والشعب والتي طبعت مزاجه ونفسيته منذ الصبا .
• في البداية كان الرفض والتمرد
ولد سي توفيق ،كما يحلو لكل الشباب في خلية النحل التي أصبح عليها مسرح «التياترو» ،في مدينة قصر هلال حيث انتقل الوالد الشيخ رحيم بن صالح الجبالي سنة 1937 للتدريس في مدرسة الهلال التي أسسها المصلح الحاج علي صوة على نمط وشاكلة المعهد الصادقي.تزوج الوالد هناك حيث أنجب سي توفيق ودرس هناك سنوات طويلة قبل ان يعود الى الاستقرار في العاصمة سنة 1957.
سيواصل توفيق الجبالي دراسته الابتدائية في مدرسة الحلفاوين وسيبدأ تعليمه الثانوي قبل أن يقع توجيهه إلى مدرسة ترشيح أو إعداد المعلمين .
وستشهد هذه الفترة أول صدام بينه وبين الوالد الذي اعتبر توجيهه إلى هذه المدرسة سيفتح آفاقه وسيعده إلى القيام بمهنة شريفة أخذت منه كل سنوات عمره .إلا أن توفيق الجبالي لن يكون له نفس الموقف وسيرفض هذا التوجيه بكل قواه .وكانت سنوات الدراسة الابتدائية ثم الثانوية كافية لتغذية نفوره من المؤسسة التعليمية وظهور بداية رفضه للنظام التعليمي لمساهمته في قتل روح الابتكار والتجديد والعمل على إعادة إنتاج السائد والموروث القديم.فكان توفيق الجبالي تلميذا مشاغبا وغير منضبط للقواعد الصلبة والجامدة التي يسعى النظام التعليمي لفرضها وتأييدها .
وقد خلفت هذه الثورة على النظام التعليمي علاقة عدائية بين الشاب توفيق الجبالي والمدرسة كان من نتائجها كثرة غياباته والعقاب الذي كان يتعرض اليه بصفة دائمة مما خلق عنده نفورا ورفضا كاملا للمدرسة .
وفسح الهامش والفضاءات البديلة مجالا لتوفيق الجبالي للهروب من المدرسة والنظام التعليمي الجامد وغير القادر على فتح المجال امام نباهة الشاب وتميزه في مجالات أخرى.وسيلتجئ توفيق الجبالي الى الفضاءات الهامشية خارج المنظومة التعليمية لإعادة اكتشاف الذات .لذلك انخرط في عديد الجمعيات ومنظمات الشباب مثل جمعية قدماء الصادقية ومصائف الشباب والشيبة المدرسية .
وقد وظف الشاب كل الرفض والثورة التي تشتعل في داخله في النشاط في هذه الجمعيات وخلق هذا الهامش والنشاط في المسرح والموسيقى في هذه الجمعيات الكثير من الانفراج في نفسية الشاب الرافضة وفي مزاجه .
وسيكون هذا الرفض والثورة على السائد والقوالب الجامدة والموروث التقليدي اساس هذه الشخصية المزاجية وستشكل ابرز سماتها المستقبلية وستساهم الى حد كبير في نحت الشخصية الابداعية القادمة على مهل .
وستفتح حياة الهامش هذه أمام توفيق الجبالي إمكانية الدخول إلى مجال الإبداع والفن .فاثر فراره من معهد تكوين المعلمين تمكن من الالتحاق بلجنة تحكيم البرنامج الإذاعي الشهير «بين المعاهد» الذي كان ينشطه في بداية الستينات الفنان الكبير حمادي الجزيري.وستفتح هذه التجربة أمام توفيق الجبالي إمكانية العمل الإذاعي ومجال التمثيل في فرقة الإذاعة التونسية التي كان يديرها آنذاك الوزير الأول السابق محمد مزالي .
وسيعجب به المسرحي مختار حشيشة كممثل في فرقة الإذاعة بعد إخضاعه لامتحان استماع أين سيقضي سنتين كممثل إذاعي .إلا أن الملل بدا يتسلل إلى هذه الروح الثائرة وبدا الفتور يغلب ويأخذ مأخذه .وقد زاد القلق من انسداد الآفاق والفراغ الذي كانت تعيشه البلاد من رغبة توفيق الجبالي في الانصراف والهروب إلى باريس عاصمة الإبداع والفن .
• باريس وبدايات الوعي السياسي والابداع
كانت سنة 1966 سنة الرحيل إلى باريس لاكتشاف عالم أرحب والهروب من الملل والاختناق الذي حل به في تونس .تمكن توفيق الجبالي من جمع ثمن تذكرة السفر وخمسة دنانير ستمثل كل مصروف الجيب الذي وصل به إلى باريس .
وسيسجل هناك في معهد للفن المسحري إلا انه لن يواصل الدراسة في هذا المعهد وسينقطع عنه سريعا نظرا لنظامه الكلاسيكي والتقليدي .وسيتقلب هناك في عدة مهن للعيش وليقتات ومنها عماه ككهربائي وعامل في نزل وحتى مختص في فسحة الكلاب لبعض العائلات الفنية في باريس .
ثم سيجد عملا أكثر استقرارا في الإذاعة الفرنسية وفي برامجها العربية الموجهة للجالية المغاربية المهاجرة .إلا أن هذه الرحلة الباريسية سيكون لها تأثير أساسي في مسيرة توفيق الجبالي السياسية والفنية .فعلى المستوى السياسي سيعيش توفيق الجبالي بكل جوارحه التحولات السياسية التي سيمر بها العالم في نهاية الستينات وخاصة الثورات الشبابية .
فعاش توفيق الجبالي إلى جانب المثقفين العرب في باريس صدمة هزيمة 1967 وصعود الشعور القومي والقضية الفلسطينية والتي تصبح قضية العرب الأولى وستصبح منذ تلك اللحظة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني هاجسا أساسيا في مساره السياسي .
كما سينغمس توفيق الجبالي في الثورات الشبابية لماي 1968 حيث سكون شاهدا على كل النقاشات والصراعات التي عاشتها فرنسا في تلك الأيام ومن أهمها احتلال مسرح الاوديون (Odéon) الشهير في باريس لايام طويلة حيث سيصبح مجالا للنقاش السياسي والعروض الفنية.
كما سيعيش ليلة المواجهة (la nuit des barricades) بين الطلاب وقوات الأمن الفرنسي في باريس والتي تعتبر إحدى أهم المحطات في الثورة الشبابية في فرنسا .
وقد زادت هذه التحولات السياسية الكبرى والانتفاضة الشبابية من روح التمرد والثورة عند توفيق الجبالي وستشكل رجة دفينة في روحه لازالت ارتداداتها توجد إلى حدّ اليوم في تعاطيه مع السلطة والأنظمة القائمة .
أما التأثير الثاني والمهم في هذه الرحلة الباريسية لتوفيق الجبالي فيهم المجال الإبداعي والمجال المسرحي.فالحياة المادية المريحة التي كان يعيشها في عمله في الإذاعة لم تقتل فيه التوق الى المسرح وإلى الإبداع .فسيكون اللقاء مع مجموعة من المسرحيين مثل محمد إدريس ورشاد المناعي والحبيب المسروقي وتوفيق قيقة والموسيقيين مثل الهادي قلة والحبيب بوالاعراس وعلي سعيدان فرصة للانغماس إلى النخاغ في العمل الفني من خلال انتاج بعض العروض المسرحية والموسيقية .
واصل توفيق الجبالي هذه المراوحة بين عمله في الإذاعة والإنتاج الفني والمسرحي مع أصدقائه وقطع الصلة نهائيا مع تونس .إلا أن عبق هذه البلاد يعود دائما من حيث لا نعلم .
• العودة إلى تونس والانغماس في التجديد المسرحي
كانت تجربة المجموعة المسرحية في باريس تعيش آخر أيامها وبدا الملل والقلق يتسربان من جديد الى هذه النفس المتمردة .في هذه الأثناء اتصل به المسرحي هشام رستم ليعلمه أن وزير الثقافة آنذاك طلب من كل المسرحيين الشباب العودة إلى تونس للمساهمة في إعادة إحياء المسرح من خلال تجربة مركز الفنون الدرامية.
وبعد تردد طويل سيقرر توفيق الجبالي العودة حيث سيتشتغل في عديد المشاريع المسرحية ومن ضمنها مشروع رجاء فرحات .
ثم سينخرط في عديد تجارب الفرق والمجموعات المستقلة من ضمنها تجارب «المسرح الجديد» و»مسرح فو» .
إلا أن المزاجية المتقلبة وروح التمرد ستعود لتطغى على توفيق الجبالي لتكون وراء قطيعة جديدة مع هذه التجارب والمؤسسات لينطلق في تجربة ستكون الأهم في مساره وهي تجربة التياترو .
• «التياترو» ليعيش المزاجية بكل حرية
قرر توفيق الجبالي أمام صعوبة اندماجه في الأطر القائمة وثورته المستمرة على المؤسسات الموجودة وبحثه عن إطار يواكب مزاجيته اكتشف توفيق البجالي القانون الجديد في الاستثمارات الشبابية في بداية الثمانينات والذي اشترط على كل مشروع إيجاد فضاء للعمل الثقافي .
فاتصل برئيس بالشركة البنكية الكويتية التي كانت تمتلك النزل الذي يوجد فيه فضاء التياترو وطلب منه تمكينه منه لتحويله الى قاعة عروض ثقافية .وبعد عديد طلبات العروض غير المجدية قبل رئيس المجموعة المالية الكويتية والذي كانت ترطبه علاقة صداقة منع توفيق الجبالي تمكينه من الفضاء رغم من رفض مساعديه التونسيين .
وستنطلق هذه التجربة المهمة في المجال المسرحي التونسي في نهاية 1987 مع قرض صغير لإعداد الفضاء مع مسرحية «مذكرات ديناصور» للكاتب الشهير بريشت على ركح اقتصر على 5 ألواح بناء ثم كراؤها للعروض .
وستنطلق هذه التجربة مع الأصدقاء المقربين ومنهم رؤوف بن عمر ومحسن الرايس وراشد المناعي .وسيصبح «التياترو» في فترة قصيرة منارة الإنتاج المسرحي في بلادنا حيث سيؤمه عديد المسرحيين من أجيال مختلفة منهم كمال التواتي ومحمد الارناؤوط وعاطف بن حسين وليلى طوبال وفؤاد ليتيم وشاكرة الرماح ودرة زروق وغازي الزغباني وعمر القديري وغيرهم كثير .
كما سيتم إنتاج عدد كبير من المسرحيات ومنها «مذكرات ديناصور» و»حضر بالنيابة» و»كلام الليل» و»فمتلا» و»ويل للممثلين» و»عطيل» و»ضد مجهول «و»المجنون» و»هنا تونس» و»الفلسطينيين» و»اشطح مع القرد» و»الخلوة» وغيرها .
وقد زارت مسرحيات توفيق الجبالي العديد من بلدان العالم والمهرجانات في كل القارات ونالت العديد من الجوائز.إلا أن «كلام الليل» تبقى من المسرحية الظاهرة والتي كان لها تأثير كبير على الجمهور الواسع .
• «كلام الليل» الظاهرة
جاء إنتاج مسرحية «كلام الليل» بعد اتفاق مع صلاح معاوية مدير التلفزة انذاك لانتاج سلسلة شهرية من مسرح الكاباريه (théatre de cabaret) .وتم إنتاج الحلقة الأولى واذاعتها كاملة في التلفزة الوطنية .ثم مع الحلقة الثانية سيقوم «التياترو» بإنتاجها وبيعها للتلفزة التي قامت ببرمجتها .وسيقع إنتاج 4 أجزاء سنة 1989 ثم 3 أجزاء في 1990.
وبدأت هذه السلسة تجد طريقها إلى الجمهور الذي استساغ منحاها الهزلي للدرجة الثانية (second degré) وطابع الهزل الأسود(Humour noir) الذي يميز كتابتها من اجل نقد الواقع السياسي والاجتماعي السائد في تلك الأيام .
وأمام بداية هذا النجاح الجماهيري ومحتواه النقدي ستبدأ الرقابة في الاهتمام بهذا العمل لتبدا في حذف بعض المشاهد في 1990.ثم ستقع صنصرة «كلام الليل7» سنة 1991 والتي اهتمت بالحرب في العراق وطالبت بإيقاف الحرب .
وستتواصل الصعوبات الإدارية التي ستواجهها المسرحية خلال هذه السنوات ليقع إيقاف «كلام الليل 10» من طرف وزارة الداخلية وليقع تطويق المسرح من طرف قوات الأمن لمنع العرض سنة 1991.ومن المضحكات أن حامد القروي الوزير الأول وقتها كان قادما لمشاهدة المسرحية ليكتشف انه وقعت صنصرتها .فقفل راجعا دون أن ينبس ببنت شفة .
الا انه رغم من العراقيل والصعوبات فقد خلقت سلسلة «كلام الليل» حالة مسرحية وظاهرة ثقافية ونجاحا جماهيريا كبيرا .فقد كانت تخاطب ضمائر الناس وتطرح قضايا الانغلاق السياسي ورفض الحريات .
ولم يقف نجاح سلسلة «كلام الليل» وشهرتها عند بلادنا بل لقيت كذلك نفس النجاح على المسارح الأجنبية والبلدان التي تم عرضها فيها .وقد تمت دعوة المسرحية من طرف مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة عن طريق وزارة الثقافة .إلا أن الوزارة تلكأت وحاولت اقتراح فرق أخرى لتمثيل بلادنا .إلا انه أمام رفض إدارة المهرجان رضخت الوزارة للأمر الواقع وقبلت الدعوة .وتحصلت «كلام الليل» في هذا المهرجان على الجائزة الكبرى .وقد نظمت الوزارة حفل استقبال عند عودة الفرقة الى تونس للاحتفال بالجائزة . إلا أن المشروع الثقافي لتوفيق الجبالي لن يتوقف عند إنتاج المسرحيات وتقديم العروض بل سيتجه إلى الحلم بتكوين مدرسة مسرحية تساهم في تطور التجريب المسرحي في بلادنا وتعميق المنهجية المسرحية الجديدة .
• هل يمكن لمن يرفض التعليم أن يخلق مدرسة ؟
كان هذا التساؤل في ذهن توفيق الجبالي عندما بدا التفكير في بعث ورشة للتكوين المسرحي في فضاء التياترو.الا انه ورغم مآخذه على المدرسة والنظام التعليمي بشكل عام قرر توفيق الجبالي خوض تجربة التكوين ليصبح فضاء التياترو كخلية نحل تعج بالمسرحيين الشبان في حركة لا تهدا صباحا مساء وحتى أيام الآحاد على قول شاعر الثورة محمد الصغير أولاد احمد بين تكوين وإنتاج وعروض مسرحية .
وقد أقدم توفيق الجبالي على هذا المشروع وعلى ورشة التكوين في التياترو لعديد الأسباب لعل أهمها المحافظة على هذا التمشي المسرحي التجريبي لخلق ظروف ديمومته وتواصله .
كما قرر توفيق الجبالي الانخراط في هذا المشروع لقناعاته أن الموهبة التي يتمتع بعض المسرحيين الشباب الذين بداوا يؤمون التياترو وينخرطون في أنشطته وانتاجاته المتعددة غير كافية ولابد من صقلها من خلال الكثير من العمل والتكوين .وقام فريق التياترو بقيادة توفيق الجبالي ببلورة رؤيا ومنهجية خاصة للتكوين في المجال المسرحي والتي ستعطي هوية خاصة لكل الشباب الذين سيقضون فترة في هذا الفضاء .
كما عمل توفيق الجبالي على خوض هذه التجربة لإيمانه بالانعكاسات السلبية لنواقص المشهد المسرحي والتي قد تؤدي إلى فشل هذا المسار التجريبي .وستعمل هذه الورشة وهذا المسار التكويني على تفادي هذه النواقص من خلال دعم الخبرة والتنوع والحرفية عند المسرحيين الشبان .
وستكون هذه التجارب المختلفة في الإنتاج والتكوين أساس التجريب المسرحي الذي سيخوضه توفيق الجبالي في مخبر «التياترو» .
• التمرد على القديم أساس التجريب المسرحي
كانت مسيرة توفيق الجبالي حافلة بالانتاجات والمشاريع المختلفة التي نجح من خلالها في نحت منهجية ومسار تجريبي على مستوى الشكل والمضمون متفرد ومتميز .يرتكز على مبادئ ورؤيا وتصور يعتمد عل بعض الأسس العامة .
المبدأ الأول هو روح التمرد والحاجة الملحة للقطع مع القديم .فمثلا في اوج نجاح مسرحية «كلام الليل» لم يتردد توفيق في القطع معها لأنه رفض أن يصبح أسير هذا النجاح .
فقام بإنتاج مسرحية «فمتلا» سنة 1992 و تشكل قطيعة مع «كلام الليل» من حيث هي عمل فني للحد الأدنى (minimaliste) القى فيه الحركة والكلمة ليفكك بطريقة جذرية مفهوم المسرح وتكمن أهمية هذه التجربة في كونها تشكل عبثا بعلاقة الثقة التي ربطها مع المتفرج من خلال سلسلة «كلام الليل» .رغم
من طابعها الجذري فقد لقيت هذه المسرحية الكثير من الاهتمام والحضوة في عديد بلدان العالم أين تم عرضها مثل مصر واسبانيا والشيلي وغيرها من البلدان .
أما المبدأ الثاني في هذا المسار التجريبي فيهم العلاقة التي تربط المبدع والمسرحي والفنان بشكل عام بالملتقى .ويدافع توفيق الجبالي في هذا المجال على الحرية المطلقة للمبدع والتي قد تدفعه في الكثير من الأحيان إلى التصادم مع المتلقي .
كما عمل المنهج التجريبي لتوفيق الجبالي على القطع مع الكتابة السردية التقليدية .فقطعت سريديته مع فكرة التسلسل السردي لتصبح نصوصه مجالا لتداخل وتشابك الحكايات .
ويشكل العمل على اللغة وتجديد الخطاب مجالا للتجريب المسرحي عند توفيق الجبالي .فاللغة ليست بريئة عنده بل هي أداة تخاطب وتواصل تعبر عن ذهنيته معينة .وقد ساهم توفيق الجبالي بصفة كبيرة في إعادة الاعتبار للهجة الدارجة وإثرائها وجعلها في صلب المشروع الإبداعي في بلادنا .
كما يؤكد توفيق الجبالي في عمله على الروح الجماعية في الكتابة والسردية .إلا انه يسعى إلى إبقاء وهج التمرد مشتعلا ويعمل على الهروب ورفض التوافقات التي يؤدي إليها العمل الجماعي في الكثير من الأحيان .
الى جانب هذه الأسس الهامة في التجريب المسرحي عند توفيق الجبالي فان الحركة والجسد يلعبان دورا أساسيا في المسار التجريبي .
تشكل هذه المبادئ نقطة التقاء بين المشروع الإبداعي والمشروع السياسي وتجربتنا الخصوصية من حيث تأكيدها على تفدرها من خلال دعم الحس المدني والنظرة النقدية للموروث العربي الإسلامي والتمرد على ثوابته التقليدية والمحافظة .
تشكل تجربة الصديق توفيق الجبالي تجربة رائدة في المجال الإبداعي ويعتبر احد أعمدة التجريب والتجديد المسرحي .إلا أن هذه التجربة تتطلب وتأخذ الكثير من الجهد في التعاطي مع التراتيب الإدارية التي تضعها المؤسسات الرسمية إلى جانب قلة ذات اليد والتمويل والتي تشكل عوائق أساسية أمام مواصلة هذه التجارب ودعم المنحى التجديدي لهذا المسار الإبداعي .