محمد الصغير أولاد أحمد: تونس بلاد الكذب الدستوري فمن يحمي الدستور: من الكذب و الإنتهاك؟

سئل الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد سنة 2005 عن معنى قوله أن تونس هي بلاد الكذب الدستوري فأجاب بأن دليله على ذلك أن بورقيبة أعلن نفسه رئيسا مدى الحياة

بعد تنقيح الدستور و لكنه لم يبق رئيسا مدى الحياة. أما زين العابدين بن علي فقد أعلن في الدستور أنه لا رئاسة مدى الحياة و لكنه يسعى بصورة محمومة ليكون رئيسا مدى الحياة. إذ أن رؤساء تونس حسب شاعرنا الفقيد مستعدون لخرق الدستور و انتهاكه حتى يأبدوا سلطتهم إلى ما لا نهاية له.
• انتهاكات الدستور : عادة تونسية
لقد تعرض دستور 1959 إلى انتهاكات متعددة. و أبرز تلك الإنتهاكات ما أقدم عليه الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1975من تحوير للدستور لينصب نفسه رئيسا مدى الحياة. أما بن علي فقد حور هو أيضا الدستور سنة 2002 ليسمح لنفسه بعدد لا متناهي من الولايات الرئاسية بعد أن كانت محددة بولايتين. أما بعد حركة 25 جويلية 2021 فقد تم إلغاء أجزاء هامة من دستور 2014 سواء من خلال التوسع في تطبيق الفصل 80 و خاصة عبر المرسوم 117 بتاريخ 22 سبتمبر 2021. حيث ألغيت أبواب السلطة التشريعية و التنفيدية و تم تركيز السلط بين يدي رئيس الدولة. و الآن تعمل السلطة على التخلي على دستور 2014 و تعويضه بدستور جديد عبر استفتاء 25 جويلية دون الأخذ بالإجراءات و التراتيب التي أقرها دستور 2014 الذي صادق عليه المجلس التأسيسي.
والسؤال المطروح ما هي الضمانات التي تمنع انتهاك الدستور من طرف السلطة الحالية أو سلطة أخرى قد تأتي من بعدها.
• آليات حماية الدساتير من الإنتهاك: القضاء المستقل و أجهزة الدولة
يعتبر المختصون في القانون الدستوري أن الدستور هو الوثيقة التي تؤسس لكيفية تنظيم الدولة و تسييرها و هو الذي يضمن احترام الحريات الأساسية للمواطنين. و لذلك فإنه من الضروري حماية الدستور من الخروقات و الإنتهاكات التي قد تقوم بها السلطة التنفيذية.
و يعتبر الخبراء أن هناك نوعان من الضمانات لفرض احترام الدساتير و هي الضمانات القانونية من جهة و الضمانات الغير قانونية من جهة أخرى. و تتمثل الضمانات القانونية في المحكمة الدستورية و المحكمة الإدارية و مجلس الدولة و القضاء الجزائي الذي يعاقب كل شخص ينتهك الدستور. لذلك يتم التاكيد على ضرورة إرساء قضاء مستقل كشرط أساسي لحماية الدستور و تطبيق القانون. أما الضمانات الغير قانونية فتتمثل حسب المختصين في رئيس الدولة الذي من المفروض أن يحرص على احترام الدستور و كذلك المجتمع المدني و الهيئات المستقلة و الأحزاب و المواطنين.
كما يحمل الخبراء مسؤولية حماية الدستور لأجهزة الدولة المتمثلة بالجيش و الأمن و الإدارة. لذلك يعتبرون أن من ضمن آليات حماية الديمقراطية خاصة في بلدان الإنتقال الديمقراطي إرساء جيش و أمن جمهوريين تكون مهمتهما حماية الدستور والمؤسسات و إنفاد القانون في وجه من يسعى إلى انتهاكها. كما يؤكدون على ضرورة إرساء إدارة محايدة تعامل الجميع على أساس تطبيق القانون حتى لا تصبح أداة بيد السلطة التنفيذية لإنتهاك الدستور و القوانين.
• في بلدان الاستبداد: آليات حماية الدستور ضعيفة أو معطوبة
في البلدان المتخلفة ديمقراطيا تكون آليات حماية الدستور ضعيفة أو معطوبة مما يسهل على الحكام المستبدين انتهاك الدستور و خرقه.
فعلى أرض الواقع و على مدى تاريخ البلدان التي يعشش فيها الإستبداد فإن الرؤساء الذين من المفروض أن يسهروا على احترام الدستور و أقسموا بالقران على احترامه ينتهكونه في أول فرصة من اجل الإستحواذ على كل السلطات و تأبيد حكمهم حيث ينطبق عليهم المثل القائل «حاميها حراميها».
و في تلك البلدان تخضع أجهزة الدولة ( الجيش و الأمن و الإدارة) بالكامل لسلطة الإستبداد و تصبح ذراعها الطولى في الدفاع عن السلطة و ضرب المعارضين. و يفسر الخبراء انحياز أجهزة الدولة للمستبد و عدم دفاعهم عن الدستور و المؤسسات في تلك البلدان بضعف الحس الجمهوري و غياب الثقافة الديمقراطية لدى تلك الأجهزة التي تكونت لمدة سنوات عديدة في ظل الإستبداد و الديكتاتورية مع ما يشوبها من أمراض الوصولية و السلطوية. و هو ما يتطلب عملا طويل المدى من أجل تشكيل أجهزة الدولة على أساس جمهوري و تنشأتهم على احترام الدستور و القانون.
أما الهيئات القضائية من محكمة دستورية أو محكمة إدارية أو قضاء جزائي فإن قدرة مقاومتها محدودة في مواجهة أجهزة الدولة الصلبة و تنتهي بالخضوع سواء بالترغيب أو بالترهيب. و تدريجيا تصبح هي أيضا ذراعا للاستبداد باعتبارها تملك مفاتيح السجن.
أما المجتمع المدني من جمعيات و أحزاب ومواطنون فهي تجد نفسها في مواجهة قوة أجهزة الدولة العاتية و مهددة بالتجويع و الاعتقال و السجن و التعذيب إن عارضت تلك الإنتهاكات و واجهتها و هو ما يشهد به تاريخ البلدان التي عشش فيها الإستبداد.
هكذا ستبقى شعوبنا تدور في حلقة مفرغة و مأساوية. دساتير و قوانين ينتهكها المسؤولون المكلفون بحمايتها بالذات مسنودين من أجهزة الدولة التي من المفروض ان تدافع على الشعب فتصبح أداة بأيدي جلاديه. لذلك لن ننتظر من المواطنين حماسا فياضا لنقاش الدساتير و للتصويت عليها لأنهم يعرفون أنها ليست سوى أداة لمغالطتهم وانها ستنتهك من طرف الذين صاغوها بالذات عندما تتطلب مصالحهم ذلك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115