برج بابل: أُنس جابر: كفاحُك الملهم يُخرجنا من الرتابة

لقد حلّ بيننا اهتمام جديد لم يكن في الحسبان. لا أحد يصدّق أن كرة المضرب دخلت حياتنا دون سابق إضمار، تربّعت بيننا اللعبة وكأنها البوصلة الوحيدة لأمزجتنا، نرى في اللعبة

ما لم ندركه في ألعاب أخرى، الفرد الذي ينتزع الإعجاب والشغف. ألعاب الشبكة غير ألعاب الفضاءات الواسعة أو المضامير، سحرٌ آخر ووهج في صمت، من هنا فصاعدا سنتابعك أُنس في كل الدورات التي ستكونين فيها. نأمل في وصولك دوما للدّور النهائي وتفوزين لنملأ أيامنا بالأمل. لم تعد لعبة التنس معك لعبة بورجوازية كما كنّا نعتقد سابقا، لقد جعلتيها لعبة شعبية جديرة بالمتابعة في بلدك، تحوّل اجتماعي من نوع آخر لا يقدر على إتيانه إلاّ الأبطال مثلك. الأفراد يغيرون أحيانا ما يرسب في قناعاتنا. من كان يعتقد يوما أن تونسية في كرة المضرب يمكن أن تجعل نجوم العالم مهتمين بها منبهرين بلعبها وبكلامها وبروحها المرحة؟ لقد منحت الأطفال درسا غير معهود في الكفاح من أجل الحلم.
بطولة «ويمليدون» ليست ككل البطولات الكبرى، هناك ألق أرستقراطي محافظ، ومنذ العام 1877 وهي تقاوم الزمن دون انقطاع إلا أثناء الحروب الكبرى، والمتبارون ملزمون بارتداء اللون الأبيض دون غيره من الألوان. ومدينة ويمبلي هي إحدى ضواحي العاصمة لندن وهي المدينة التي شُيّد على أراضيها الملعب الأشهر سنة 1923 وأقيمت عليه المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم سنة 1966. لا يسمح أثناء الدورة بأي شكل من أشكال الدعاية التجارية، وإلى هذه المناخات تحملنا أنس جابر وتدخلنا معها في مزاج فيكتوري غير معهود.

الجزائريون قادمون إلى تونس من أجلها لا من أجل السياحة. هكذا رسم الفنان الكاريكاتوري الأشهر في الجزائر «على ديلم» حوارا على الحدود بين تونسي وجزائري. سأل التونسي جزائريا هل أنتم قادمون من أجل معالمنا؟ أجابه السائح الجزائري، نعم جئنا من أجل أنس جابر. معها أصبح لفتح الحدود بين البلدين معنى مغاير. هكذا تصبح بطلة التنس معلما بأكمله. ولكنها هي التي صنعت هذا المعلم ليس بتفوقها فقط بل بخطابها أيضا وبكلماتها العابرة للقلوب. في كلّ مرّة تُسأل عن انتصارها تجيب أريد أن أُلهم أبناء بلدي، وتتحدث عن تونس وكأنها ليست تونسية بل تتحدّث كمن انبهر ببلد وأحبّه. نصدّق كلامها دون مزايدة لأنها تقوله من القلب من غير مواربة ومن غير إحساس أنها متصنعة.
وهي تحصد النقاط والمجموعات والانتصارات تفكّر بغيرها. تضع مضربها في المزاد العلني، تشتري معدات طبية وتقاوم فيروس كورونا. تستنبط فكرة تخصيص عائدات مالية عن كلّ إرسالاتها وضرباتها لتهيئة مبيت مدرسة إعدادية نائية. إنها تُقاسم نرجسيتها مع الآخرين، وهي المسألة الأصعب لدى الأبطال مثلها. نحتاجها كي تضعنا مع الكبار، وقد وضعتنا بينهم، نحتاجها كي نتصدّر بها شاشات العالم ووكالات الأنباء، نحتاجها لتخلصنا من الرتابة.. المدينة القادمة التي ستلعبين فيها هي مدينتنا، سنسبقك إلى هناك، لن نتركك...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115