برج بابل: العائلة، الامتحانات والمرءُ الذي يُكرم أو يُهان

هناك في الامتحان ما يفيد المحنة. محنة أن يُكرم المرءُ أو يهان. معركة عصيبة وثقيلة بالإحباط من تجربة مدرسية لا يميزها تقريبا سوى الخضوع دوما إلى الامتحان،

من المرحلة التحضيرية يبدأ الطفل في التمرّس على الامتحان. يُحاسب الطفل من عائلته على رسم الحرف بشكل جيد، عليه أن يُثبت من السنوات الأولى أنه مشروع ناجح. ينخرط الطفل في هذه في هذه اللعبة النرجسية التي تديرها العائلة منذ سنواته الدراسية الابتدائية وتتواصل إلى الباكالوريا وهي الشهادة الأكثر عنفا في مجتمعنا. لا يضاهي عنف شهادة الباكالوريا أي عنف آخر. هي المحدّد تقريبا في مصيره ما بعد ذلك و لهذا على التلميذ أن يتجنّب إيذاءها الرمزي و المادي.
تبدو العائلة التونسية هي المؤسسة الأكثر تحكما في المدرسة، فهي التي تفرض شروطها عليها. لا ترضى العائلة مثلا عندما يقع تحويل الأعداد في المراحل الدراسية الأولى إلى ملاحظات تقييمية. اعتادت العائلة كي ترى نجاح أبنائها أن تكون لأبنائها أعدادا وتبدأ المقارنات. لا معنى لأي شهادة إذا لم تكن العائلة قد

أعطت موافقتها الرمزية عليها وأشادت بها. الامتحانات النهائية غير الاجبارية مثل امتحانات السنة السادسة من التعليم الأساسي والتاسعة من التعليم الإعدادي فقدت بريقها لأنها غير انتقائية. لا جدارة كبيرة لها لأنها لا تعني فقط سوى من يريد الالتحاق بالإعداديات والمعاهد النموذجية.

وبما أن مدرستنا هي مدرسة المعرفة والديبلوم فإن العائلة التونسية وبدرجات مختلفة لا يعنيها سوى الديبلوم في الآخر، وعليها إذا أن تبتعد قدر المستطاع عن الإهانة يوم الامتحان. تُنفق العائلة التونسية أموالا طائلة على الدروس الخصوصية في كل المراحل الدراسية كي لا تعيش الإهانة التي ارتسمت في مقولة يوم الامتحان، يوم يُكرم المرء أو يُهان. ومن هنا علينا أولا مراجعة مقولة مجانية التعليم في تونس. ولأن الإهانة أصبحت اليوم مقولة تحليلية مهمة يُدمجها الفرد في نظرته لذاته ولنظرة الآخرين له أصبحت هذه الدروس الخصوصية هي الملجأ الوحيد تقريبا كي لا تحصل الإهانة.

يتلاشى تدريجيا اهتمام العائلة التونسية بدراسة أبنائها بمجرد الحصول على الباكالوريا عدا أولئك الذين تسمح ظروفهم بالدراسة في الخارج. الباكالوريا في تونس شهادة اجتماعية قبل أن تكون شهادة تعليمية. وما هو تعليمي يبدأ عند عملية التوجيه الجامعي، هنا يبقى للعائلة مجال أخير للتدخل، التوجيه الجامعي هو في جزء منه طموحات ورغبات عائلية غير محققة. وهنا يبدأ المصعد الاجتماعي في الاشتعال، فالتوجيه الجامعي هو في أساسه توجيه نحو مهنة بشروطها الرمزية والمادية أكثر مما هو توجيه نحو دراسة، الآفاق المهنية المباشرة تحضر أكثر من الآفاق الدراسية. زمع هذا كلّه تحتاج منظومة التوجيه الجامعي إلى مراجعة جذرية فهي اختزال غير عادل لمسيرة دراسية على التلميذ أن يُنجحها خلال أسبوع من الامتحانات، وفي حالات توجيهية خلال اختبارين أو أكثر بقليل تُقاسُ بالساعات. لا معنى للمسيرة الدراسية في السنوات السابقة للباكالوريا، هي فقط سنوات من أجل الوصول إلى اجتيازها.

منظومة الامتحانات في تونس عنيفة والشهادات التي يحصل عليها التلاميذ ومن بينها شهادة الباكالوريا عنيفة هي الأخرى ماديا ورمزيا. وحالات الغش في الامتحانات وتدليس الشهادات الدراسية مؤشر على رغبة البعض في تجنّب الإهانة التي ألحقتها ثقافتنا بالامتحان. في تجارب أخرى يقسّم امتحان الباكالوريا على سنتين، جزء أوّل و جزء ثان ما يتيح للتلميذ حيزا مهما من الزمن للاستعداد و للتدارك. وفي تجارب أخرى لا تتجاوز مواد الاختبار مادتين أو ثلاث على أن يقع اجتياز مواد الاختصاص شهرا قبل الباكالوريا العامة وهو حيز زمني يخفف الضغط على التلميذ ويتيح له الوقت الكافي للاستعداد.
إن ضعف أداء المنظومة المدرسية في تونس هو الذي يجعل العائلة أكثر تدخلا وتأثيرا عليها خوفا من الإهانة، إهانة عدم الحصول على الشهادة المدرسية. وكلّ إصلاح تربوي منتظر عليه أن يأخذ في الاعتبار الفصل بين السلط، سلطة العائلة وسلطة المدرسة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115