منبــــر: أمام إكراهات رزنامةإرساء «الجمهورية الجديدة»: المراجعة العاجلة أم التمديد (؟)

يفترض المنطق و حسن التدبير إيلاء الأهمية اللاّزمة للأطراف التي إنخرطت في مسار ما بعد 25 جويلية وساندت رئيس الجمهورية قيس سعيد

بصفة مطلقة أو بصورة نقدية، ويكون هذا من منطلق سلامة التصرف في متطلبات إخراج البلاد - بأخف الأضرار- من الأزمة الّتي تتخبّط فيها على كل الأصعدة .
لقد بات من المؤكد إستحالة الرجوع إلى الوراء و هو أمر بدا محسوما منذ الشهر الأول بعد إتخاذ الاجراءات الإستثنائية. كما بدا مؤكدا أيضا بعد مرور الاشهر الأولى من تقنين و تطبيق مخرجات التدابير الرئاسية،ضرورة المراجعة و التعديل على ضوء التفاعل الإيجابي لغير المعارضين و المؤيدين الذين سعوا إلى تبليغ أصواتهم و مواقفهم عبر كل القنوات الرسمية و الإعلامية. هذا التفاعل الإيجابي بدا يفقد شيئا فشيئا وهجه بسبب عدم تقبله من رئاسة الجمهورية بنفس الحماس والإيجابية اللذين تقتضيهما عملية البناء الجديدة التي يتطلبها تصحيح المسار. كما بدأ التقبل الإيجابي يفقد شعلته بسبب البطء في عرض مقترحات الحلول الكفيلة بتجاوز الإشكاليات والمصاعب الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية.

ودون التوقف على مواقف الأطراف الضالعة في الأزمة و تأزيم أوضاع البلاد في العشرية الماضية وإنخراطهم في مناهج الإستقواء و التقسيم و التقزيم ، لمحدوديتها ، رغم ما لها من آثار سلبية على المناخ العام و على الأداء السياسي للماسكين بالسلطة ، فقد كان لا بد من الإصغاء للمقترحات والآراء المخالفة في الأسلوب و في الجزئيات ضمن حوار جاد و عميق مع القوى الوطنية التي برهنت على إنخراطها في أي تمش شامل يستوعب الحلول المستقبلية التي تحقق الإنفراج وتضع ملامح الاصلاح الذي يخرج البلاد من الازمة التي تعيشها . إن إنتقاد القوى الداعمة للخيارات الرئاسية أو غير المعارضة له، تلقفه قوى الجذب إلى الوراء لتغذية الإختلاف و إتخذته ذريعة للتصعيد في خطاب معارضتها للسلطة و تأليب المجتمع السياسي عليه. هذه الوضعية غير مريحة للبلاد و للقوى الداعمة،و خاصة تلك التي تنشط في إطار أحزاب سياسية محكومة بضوابط تنظيمية و بمحاسبة القواعد لها، وبشعبيتها لدى الرأي العام. فهذه الأحزاب وجدت نفسها خارج إطار التحاور معها و إستشارتها بخصوص الإستحقاقات القادمة سواء في وضع الدستور الجديد أو في الاستفتاء.لذلك تحركت و بلغت هواجسها و بدت ساعية للدفع نحو تعديل تفاصيل خيارات هرم السلطة المعلنة.

إن نطاق الحوار و مخرجاته حسب ما جاء بالمرسوم الرئاسي عدد 30 المؤرخ في 19 ماي 2022، لم يكن فقط ،محل إنتقاد من الأحزاب السياسية المؤيدة لرئاسة الجمهورية أو غير المؤيدة لها،بل شمل الاتحاد العام التونسي للشغل الذي عبر بوضوح عن رفضه الحوار بالشكل المطروح، رغم رفضه الرجوع إلى الوراء، وفي ذلك إعلان عن عدم رضاه على مخرجات الحوار المنتظر وربما ، عدم تقبله للموقع الذي أسند له في رقعة الحوار و الإستشارة، خاصة و أنه أُعتبر القاطرة الكفيلة بقيادة الحوار ،أسوة بالدور الذي لعبه في تشكيلة الرباعي الراعي الحوار في أزمة 2013 رغم إختلاف الظروف و الأسباب . كما لا يغيب عن الجميع أثر ضغط القواعد خاصة الوسطية منها في إتخاذ المواقف، وكذلك ضغط الرأي العام الّذي كانت له إنتظارات حارقة لتحسين الأوضاع المعيشية. كل هذه المعطيات والجو العام المشحون ، جعل إطارات وقواعد المنظمة الشغيلة والمحامين و الصحافة والإعلام ، وفئة واسعة من الخبراء والحقوقيين و منظمات المجتمع المدني ، يتطلعون إلى قاعدة حوار تمكنهم من مناقشة مختلف الرِؤى الجديدة الّتي ستقترح عليهم وعلى الفاءات المفترض أن تكون واسعة بخصوص الدستور الجديد، عبر آلية الاستفتاء .فالحوار في حد ذاته، غير مرفوض ،و لكن ظهر من مختلف ردود الفعل ، أن المطلوب هو

كيفية المشاركة الفعالة في هذه الحوار، وتوضيح منهجية إشراك أوسع الفئات في مخرجات هذا الحوار، خاصّة و أن الإستشارة الوطنية لم تقع بلورتها للرأي العام قبل دعوته إلى المشاركة فيها، للوقوف على كل المقترحات، لتحفيزه على الإنخراط في هذا التمشي أو ذاك . لذلك يكون من الأجدى توضيح الخطوط العامة للرؤى والأفكار الجديدة الّتي ستتناولها الهيئة الوطنية الإستشارية من أجل جمهورية جديدة، وبيان كيفية مناقشتها مع القوى الفاعلة في المجتمع وإطلاع الرأي العام عليها بعد بلورتها ، كي يتمكن أفراد الشعب من التعرف على ما سيطرح عليه عند التصويت. ولا يكون هذا في غرف مغلقة بل يجب أن تفتح كل المنابر لإبداء الرأي في مختلف المسائل لتكون مختلف مكونات الهيئة الوطنية الإستشارية على بيّنة من كل الآراء والأفكار التي يقع تداولها، و قد يتراءى لها من خلال ذلك دعوة أصحاب الأفكار المتميّزة ، لسماعها وإشراكها في ما سيطرح . قد يكون هذا هو المطلوب من رئيس الجمهورية ، لتحفيز أوسع الفئات على المشاركة في إبداء الرأي و الإنخراط في الاستحقاقات القادمة بدراية وتبصر . فهل ستشهد تونس الفرصة الأخيرة للتعديل والمراجعة لضمان أوسع مشاركة فيما ينتظر البلاد من تحديات قديمة جديدة ؟؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115