وهناك من يحزن لأيام ليفيق من حزنه عند تحقيق انتصار . هناك من يمتنع عن الأكل وعن الحديث و التواصل مع محيطه ويستوعب ما جرى لتمنحه الأيام فرصا جديدة للفرحة. هذه كرة القدم لا تبقيك فرحا طول الوقت و لا تبقيك حزينا طول الوقت.
عندما انهزم المنتخب البرازيلي في نهائي كأس العالم أمام الأورغواي سنة 1950في ملعب «الماركانا» الشهير وأمام 200 ألف مناصر عاش البرازليون الحدث كتراجيديا وطنية، كان يكفي التعادل كي يفوز المنتخب باللقب و لكن لا يقينية اللعبة كانت حاضرة . إنه اليوم الأكثر حزنا في التاريخ المعاصر للبرازيل، انتحار المناصرين بالمئات داخل الملعب و خارجه، لم تخسر البرازيل يومها مباراة في كرة القدم، إنها خسرت حرب تحرير. و خرجت للعلن مواقف الناس من التنوع الإثني الذي يشكل المجتمع البرازلي وعرّت الهزيمة تناقضاته وجعلته يكتشف أنه مجتمع عنصري تجاه السود و الملونين.
وقع تحميل حارس المرمى «بربوزا» ذي الأصول الإفريقية مسؤولية الهزيمة يومها، ولم ينل إلى أن غادر الحياة أية إشارة تدلّ على نسيان البرازيليين لفعلته، صاحبته اللعنة إلى آخر أيامه. مُنع « بربوزا» من التعليق على إحدى مباريات المنتخب البرازيلي في مونديال 1994 كما مُنع، خلال تصوير فيلم وثائقي، من الاقتراب من لاعبي المنتخب خلال تحضيراتهم لنفس المونديال وقد عومل على أنه نذير شؤم وكفى. ويُحكى أيضا أن سيدة كانت خارجة من متجر عام حين لمحت الحارس « باربوزا» فنادت ابنها الصغير وقالت له أنظر لذلك الشخص، إنه هو الذي أبكى ملايين البرازليين بقبوله هدفين في منتهى السهولة في نهائي كأس العالم سنة 1950. ومنذ تلك الدراما الوطنية لم يقبل البرازيليون وجود لاعبين من بشرة سوداء في فريقهم، نُظر إليهم كأحد أهم أسباب فشل البرازيل لا في كرة القدم فحسب بل في المجالات كلّها. ولم يرجع اللاعبون ذوي البشرة السوداء إلى المنتخب إلا في مونديال السويد سنة 1958 حين برز آنذاك الملك «بيلي» لا عبا صاعدا حققت معه البرازيل أول كأس عالم في تاريخها.
تترك هزائم الفرق و المنتخبات مزاجا عاما سيئا لدى المتابعين للعبة. و لأنها لعبة مفعمة بشتى أنواع المشاعر ، فإن كرة القدم تبقى الظاهرة التي تضع الوطن في بُعده المتخيل مشاعا بين الجميع. يخترق هذا الشعور جميع الفئات الاجتماعية و تضعها في مستوى واحد أمام هذا المُتخيل الجمعي. وحين ينهزم منتخب البلاد فإن الوطن هو الذي ينهزم رمزيا و إذا انتصر فإن انتصار المنتخب هو بمثابة كسب معركة تحرير أو حرب قومية. ولذلك تتحرك الأمزجة في هذا الاتجاه أو ذاك وفق النتائج و الآداء.
ليست البطولات القارية أو العالمية في كرة القدم سوى حرب رمزية دون أسلحة. تُخاضُ المباريات تحت الرايات الوطنية و نشيد البلدان وكثيرا ما يختلط الشعور بهزيمة المنتخب بهزيمة البلد بأكمله في تمثلات المناصرين الذين يعيشون أياما تحت وطأة الهزيمة أو تحت نشوة الانتصار إلى أن تأتي بطولة أخرى وهكذا دواليك. ولذلك يتشبث الناس بهذه اللعبة لأنها تصنع لهم البهجة قد تدوم أياما و أشهر وتمنحهم شعورا بالنخوة الوطنية التي تنسيهم ولو إلى حين وطأة الحياة عليهم.
هذه اللعبة قادرة على صناعة الأمزجة في كل الاتجاهات. مُفعمة بالمشاعر التي تبلغ في كثير من الأحيان أقصاها. تظهر هذه اللعبة الدول في كامل سيادتها في زمن ضعفت فيه هذه السيادة وتراجعت. لكل هذه العناصر يمكن للفرد أن يحزن لخسارة فريقه الوطني في تظاهرة كروية قارية.
المزاج المتعكّــر: عندما ينسحب منتخب بلادي
- بقلم محمد جويلي
- 10:59 01/02/2022
- 1397 عدد المشاهدات
تصنع كرة القدم أمزجة الشعوب في الاتجاهين. فهي تثير مشاعر الناس و تجعلهم حالمين بتحقيق فوز أو بطولة وتتعكر الأمزجة عند الهزيمة