نافذة تبعا لشكوى تقدم بها طارق ذياب سنة 2012 عندما كان وزيرا للرياضة في حكومة حمادي الجبالي اثر تصريحات نقلت عن الاستاذة في جريدة «المغرب» انذاك. ننشر هذه التدوينة الهامة لانها احاطت بجوانب هامة من الممارسة القضائية في بلادنا و ذلك بعد استئذان صاحبتها
أغتنم لحظة الصفاء هذه لأوضح موقفي :
• أولًا، اعتبر انه من العادي جدا أن أحاكم إثر شكاية يرفعها مواطن ضدي فأنا أيضًا قدمت شكايات ضد بعض المسؤولين وأصر على كلمة مسؤولين مثل قضية العلمي المنشورة لجلسة 5 جانفي ولم يبلغه الاستدعاء رغم أنها ليست الجلسة الأولى أو قضية ضد النائب التبيني التي اتفقت مع عدة صديقات وأصدقاء على سحبها.
بينما لا و لم ولن أرفع شكايات ضد المواطنين والمواطنات الذين لا مسؤولية سياسية لهم رغم أن العديد منهم لم يترددوا في سبي و شتمي و تهديدي وذلك لقناعتي أن الديمقراطية هي ممارسة يومية نتعلمها ونبنيها تدريجيا من خلال الدفاع عنها و أيضًا من خلال تقييم الأخطاء و التجاوزات التي نرتكبها .
• ثانيا أنه حكم غيابي يعد خللا في حد ذاته لكنه واقع اليم و يعاني منه الاف التونسيين و التونسيات بل لسوء حظهم(هن )و لأنهم غير (محظوظين و غير مشهورين لا يصلهم الخبر من خلال إذاعة موزاييك كما كان الأمر بالنسبة لي.
فيفاجئ المواطن أو المواطنة بحكم غيابي و هو في المطار على اهبة السفر إلى الخارج أو في إطار مراقبة أمنية روتينية وهو بصدد قضاء أمر مستعجل و يكون الأمر أسوء إذا حصل ذلك اخر الأسبوع و يجد نفسه في حالة إيقاف إلى يوم الإثنين للقيام بإجراءات الاعتراض.
و هذا يعود أساسا إلى النص القانوني إذ يقتضي أن الاستدعاء يبلغ بطريقة إدارية أو بواسطة عدل منفذ وطبعا لا يحصل أبدًا أن توجه المحكمة الاستدعاء بواسطة عدل تنفيذ لكن اعتادت المحاكم أن توجه الاستدعاءات عن طريق مراكز الأمن التي بدورها يستحيل عليها تخصيص ما يكفي من الأعوان لتبليغ الاستدعاء بل أنه لا يتوفر في مراكز الأمن ما يكفي من الأعوان لتلقي الشكايات و القيام بإجراءات التتبع فما بالك بتوزيع استدعاءات المحاكم .
و مع الأسف، لم تغير المحاكم طرق العمل كتوجيه رسالة عادية على الأقل في المرحلة الأولى للتقليص من عدد الأحكام الغيابية علما أنه نادرا ما يمتنع أي شخص عن الحضور عندما يعلم حتى بطريقة غير رسميه أنه مطلوب جزائيا للعدالة. لهذا فالصبغة الغيابية للحكم مسألة تكاد تكون روتينية مع الأسف و إن كنت معروفة المقر و الهوية ويسعدني أن حالتي أثارت صدمة الكثيرين (ات )ولفتت الانتباه إلى هذا الخلل الذي كما ذكرت يؤذي ويوجع.
• ثالثا، فوجىء الجميع بتوقيت صدور الحكم. فعلا هذا التوقيت مريب لا لصدوره اليوم بل لعدم صدوره منذ عدة سنوات علما أنه من المحتمل، واسوق ذلك بتحفظ إلى حين الإطلاع على الملف والتثبت، قد يكون سقط بمرور الزمن .
عندما نعرف أن القضية لا تستوجب أكثر من ثلاثة سماعات وهي الشاكي والمشتكى بها و مكافحة كي تحال على الدائرة الجناحية فالملف من حيث الوقائع واضح لا يتطلب جهدا جهيدا ويستند الى نسخة من جريدة «المغرب» لا أكثر و لا أقل يعني في أقصى الحالات كانت تفصل في ظرف عامين (وعيا مني بظروف عمل المحاكم).
لماذا لم أحاكم في الاجال المعقولة (احد اركان وضمانات المحاكمة العادلة)؟ هل يعود ذلك لأنني بعد مدة من الشكاية ضدي صرت طرفا من المنظومة الحاكمة و أتمتع بحصانة سياسية و أصبحت معصومة من المحاسبة و الحال انني لم أطالب بها و أرفض أي امتياز مهما كان نوعه كما لم اعتصم بالحصانة البرلمانية كامل المدة النيابية لقناعتي أن الحصانة محصورة في العمل البرلماني فقط .
المثير للريبة و المخيف أننا و بعد كل الاصلاحات الدستورية والقانونية التي تحققت، لم يستكمل القضاء الإصلاح الذاتي و مازال عديد القضاة يتعاملون مع القضايا بمعايير سياسية سواء لانتماءاتهم السياسية أو طمعا في مراكز معينة بما فيها المراكز السياسية والحقائب الوزارية أو خوفا على ملفاتهم أو فقط لمجرد رغبة في التقرب من السلطة ايا كانت تلك السلطة.
وهذا لم يعد مقبولا فإن كان القاضي قبل 14 جانفي شبه مجبر على الانصياع للسلطة السياسية والتي كانت ككل الأنظمة تسعى إلى إخضاع السلطة القضائية لها باعتبار ان حقوق القاضي الشرعية في الترقية أو عدم النقلة التعسفية كانت بيد السلطة التنفيذية فاليوم لم يعد هناك أي مبرر لهذا التصرف لوجود المجلس الأعلى للقضاء على هناته والذي بالمناسبة يمكن للقضاة الطعن في قرارته و افتكاك حقوقهم .
ورغم رفضي التام للتعميم و لشيطنة السلطة القضائية فأني كنت و مازلت أصر على ضرورة تشجيعها و الدفع بها نحو الإصلاح الذاتي و التطور نحو الاستقلالية عن المناخات و موازين القوى السياسية و احثها على استبطان قيمة الحرية حتى يصبح القضاء فعلا خلاقا ومبدعا .
قضيتي كألاف قضايا الناس أثبتت لا فقط تأثر الحكام بالمناخ السياسي لكن أيضًا غياب الذوق و إلا كيف يحكم بالسجن بعقوبة سالبة للحرية في قضية مرت عليها عشرة سنوات و الحال أن كل تشريعات العالم تنص على انقراض الدعوى بمرور الزمن لأن المشرع يعرف أنه تهدا نفس المجتمع والشاكي كلما مر الوقت على الجريمة وأنهما ينسيان و يتسامحان ويغفر الشاكي للمشتكى به خاصة إذا كان نقي السوابق والجريمة شخصية لا تمس بالنظام العام وهو ما تبين بالكاشف في قضيتي بالذات فقد فوجىء الشاكي نفسه بالحكم و ظن أنها سقطت (ربما على حق ) بمرور الزمن .
وأخيرا لم و لن أطالب بامتياز بل أطالب بأن اعامل ككل الموطنين و المواطنات لا أكثر و لا أقل لا كالمواطنين في الوضع الحالي بل كما يستوجب تعامل القضاء معهم أي على أساس العدالة بدون تأثير سياسي مباشر أو غير مباشر و بإبداع و فكر خلاق و ذوق رفيع مفعم بالحرية
و أختم هذا بتحية حب و اعجاب لكل قاضية وقاضي يشعر بدوره و يمارس رسالته الجميلة في حماية الحقوق والحريات.
بشرى بلحاج حميدة