المرأة وصلاة الجمعة اليوم: الضرورة المتأكّدة

حين نلقي نظرة على الفقه في أحكامه القديمة نجده ينصّ على أنّ صلاة الجمعة غير واجبة على المرأة، وعليها أن تصلّيها ظهرا في بيتها وقد قال المالكية:»

إنّ كانت عجوزًا لا أَرَبَ للرِّجال فيها جاز حضورها الجمعة، وإن كان فيها أرب كُرِهَ حضورها، أمّا الشابَّة فإن خِيف من حضورها الفتنة حَرُمَ عليها الحضور، وإلاّ كُرِهَ..»-أنظر كتب نيل الأوطار للشوكاني ج3 ص 241، والفقه على المذاهب الأربعة”-
أمّا اليوم حين نلقي نظرة فقهية جديدة مقاصدية تخضع لتطوّر الزمن وتبدّل الأحوال فهل علينا أن نستند لنفس الحكم القديم ونبقي عليه أم ندفع المرأة لحضور صلاة الجمعة ونحثّها على ذلك ؟
ما أميل إليه هو دفع المرأة نحو مواكبة صلاة الجمعة وحثّها على المواظبة عليها في حياتنا اليوم

- مع ضرورة التأكيد على الإلتزام بكلّ ضوابط الأخلاق والآداب المسجديّة للمرأة وللرجل كذلك - ذلك لعدّة اعتبارات فقهية ومقاصدية :
01/ الأمر القرآني بصلاة الجمعة جاء عاما غير مقيّد خوطب به «الذين آمنوا « وليس فيه استثناء المرأة ولم يختصّ الرجال دون النساء فقد قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «الجمعة: 9.

02/ قد يرى أهل العلم أنّ آية سورة الجمعة قد ورد في شأنها تقييد بالحديث النبوي الشريف “الجُمُعَة حقٌّ واجب على كلِّ مسلم في جماعة، إلاّ أربعة : عبدًا مملوكًا، أو امرأةً أو صبيًّا، أو مريضًا”؛ ..

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الحديث لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ- أنظر كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد» لابن رشد القرطبي صفحة 159 طبعة بيروت 2006 - . كما قال ابن الهمام : حديث ضعيف ، قال البيهقي : لا يحتجّ بمثله ..وأخرج البيهقي من طريق البخاري ، عن تميم الداري مرفوعا « الجمعة واجبة إلاّ على صبي أو مملوك أو مسافر «ولم يذكر «المرأة» وفي رواية أخرى للطبراني ، عن الحكم بن عمرويه ، وزاد فيه المرأة والمريض ..وعليه فيبقى الباب مفتوحا للإ حتمالين بالعودة إلى القاعدة الأصولية التي ذكرها السيوطي في كتاب «الأشباه والنظائر» « لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه «

فمن اعتمد هذا السند لمنع المرأة من صلاة الجمعة يعدّ سنده ضعيفا .وقد جاءت عدّة أحاديث أخرى صحيحة تعارضه وبالتالي يمكن اعتبار هذا الحديث من المنسوخات التي لا يعمل بمضمونه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» رواه مسلم.

ومن ساند صلاة المرأة فسنده أقوى وهو السند القرآني وسورة الجمعة شاهدة على ذلك وقد قال النووي في «المجموع» (4 / 495): «ذكرنا أن المعذورين كالعبد والمرأة والمسافر وغيرهم، فرضهم الظهر، فإن صلّوها، صحت، وإن تركوا الظهر و صلوا الجمعة، أجزأتهم بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر، وإمام الحرمين، وغيرهما،

03/ما الموجب لحرمان المرأة بسبب «جمالها» من الاحتفال بهذا اليوم ؟ فقد قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا» فقد يكون المنع سابقا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسبب ضيق المسجد وغياب مكان لعزل النساء عن الرجال وعدم تعوّد المسلمات تحت تأثير الأعراف الاجتماعية على مغادرة بيوتهن .

04/ما الموجب لمعاقبة المرأة بسبب أنوثتها من التمتّع بالغايات والأهداف والأسرار من فرضية صلاة الجمعة؟ هذه الفريضة التي تقام في الجوامع وما يتحقق بذلك من وحدة في يوم الجمعة ذلك اليوم العظيم، والموسم الكريم الذي ادّخره الله تعالى للمسلمين عبر العصور الماضية إلى مبعثهم جميعا، واختصهم به، وفتح لهم فيه أبواب الرحمة، وأوسع لهم فيه الخير، وأجزل لهم فيه العطاء، وجعله أفضل أيام الأسبوع وخاتمة أعمال المسلم طوال سبعة أيام من أسابيع أشهر السنة كلها.

فهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين يجتمعون فيه على الذكر والصلاة في الدنيا، ويوم كرامة ورفعة ومزيد وقدر لهم في الآخرة، وله ما يقرب من ثلاث وثلاثين خاصية ذكرها العلماء في كتب الفقه والحديث،

وقد جاء في فضل شهود الجمعة في السنة النبوية الشريفة ما ثبت في الصحاح عنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَنْ تَوضّأ فأحْسَنَ الوضُوءَ ثمّ أتَى الجمعةَ فاستمعَ وأنصتَ غُفِرَ لهُ مَا بينَهُ وبينَ الجمعةِ وزيادةُ ثلاثةِ أيامٍ» وعنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أيضًا عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: «الصّلواتُ الخمسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ لما بينَهُنَّ إذَا اجتنبَ الكبائرَ»

05/ ما الموجب لحرمان المرأة من تطبيق قوله تعالى في مُحْكَمِ كِتابِه:»يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* الجمعة 9/10..؟.ففي هذِه الآيةِ الكريمةِ يأمرُ اللهُ تباركَ وتعالى عبادَهُ المؤمنِينَ رجالا ونساء إذا سمِعوا نداءَ يومِ الجمُعةِ أن يسعَوا إلى ذِكْرِ اللهِ تعالى، إلى عبادةِ اللهِ تعالى، إلى أداءِ صلاةِ الجمعةِ وأن يدَعوا البيعَ والشراءَ فإنّ ذلكَ خيرٌ لهم وأرجَى لهم عندَ اللهِ عَزَّ وجلَّ وأعْوَدُ عليهم بالبرَكاتِ والخيراتِ والحسناتِ، فإذا أدَّوُا الصّلاةَ وفرغُوا منها فلْينتشروا في الأرضِ لقضاءِ مصالحِهم ولْيطلبوا مِن فضلِ اللهِ تعالى فإنّ الرِّزقَ بيدِ اللهِ وحدَه وهو المُنعمُ المتفضّلُ الذِي لا يُضيعُ أجرَ مَنْ عمِلَ عملا صالحًا مِنْ عبادِه المؤمنينَ فمَنِ التزمَ ذلكَ نالَ ثوابًا عظيمًا وحازَ أجْرًا و فضْلا عميمًا، ومَنْ لم يفعلْ فقد فوّتَ على نفْسِه هذا الفضلَ الكبيرَ .

06/ ألا تحتاج المرأة باعتبارها اليوم شريكة الرجل في بناء الأسرة والأجيال وهي الأقرب والأكثر التصاقا لأبنائها وبناتها لحضور صلاة الجمعة وسَماعِ الموعظةِ والإرشادِ مِنَ الخطيبِ ليستنيرَ قلْبُها بنورِ الهدَى وتطيبَ نفْسُها بكلامِ الخيرِ وتستفيدَ مِنْ بركاتِ الجمُعةِ فإنّه لا يَخفى أنَّ للخطبةِ الأسبوعيّةِ والتذكيرِ والوعظِ المتكررِ ضِمنَها أثرًا عظيمًا في إصلاحِ النفوسِ وتقويمِ اعوِجَاجِها، وصلاةُ الجمعةِ تزيدُ المجتمعَ الإسلاميَّ والأسرة خاصة ترابطًا وتآلفًا يلتقي فيها أفرادُه على الخيرِ ويتعاونون على البرِّ والتّقوى فيتفقّدُ أحدُهمُ الغائبَ ويُعينُ المحتاجَ ويَعود المريضَ ويصلحُ بينَ المتخاصمينَ ويبذلُ النصيحةَ للمقصّرينَ ويتعلّمُ الآدابَ الإسلاميّةَ الراقيةَ التي تكونُ ثمرتَها الأمانُ والسّلامُ في المجتمعِ .وتسهم بما تتلقاه في الجمعة في تربية أطفالها وتخريج جيل متماسك.

07/ما المانع من الامتثال إلى القول النبوي الذي أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن عمر: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات»، ومعنى: «تفلات»: غير متعطرات ولا متزينات، ؟

08/ ما المانع من إتباع نساء النبيء رضوان الله عليهن والصحابيات وقد كنّ يصليّن مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد أخرج ذلك مالك في الموطأ. من حديث عائشة أنهن كن يشهدن الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس والظلمة.
09/ من تعللّ بالفتنة فهو تعليل ضعيف فالمرأة اليوم خرجت في كلّ مكان فالأفضل أن لا تهجر المساجد، بل ينبغي أن تشهد بعض الصلوات فيه، وبالأخص إذا كانت ستسمع درساً أو موعظة خاصة في المناسبات ويوم الجمعة أخصّها ...وقد يذهب في الظنّ أن هذا يتعارض مع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» رواه أبو داود. وهو حديث يعني أنّ الستر مطلوب في حقّ المرأة حتى في الصلاة واليوم نرى أن مسألة الستر والفصل تناقش فالأولى أن يكون في الحرم المكيّ وفي الحرم المدني في حين الرجال

والنساء يطوفون ويصلون كلّ الصلوات والجمعة معا دون حواجز ومن جهة ثانية فالتوصية بغضّ البصر جاءت في خطاب للذكور والإناث على حدّ السواء في قوله تعالى «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» النور/30، وقوله تعالى: «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ» النور/31. ومن جهة ثالثة فالفصل اليوم داخل الجوامع بين مصلّى الرجال ومصلّى النساء في المسجد الواحد يقلّل من إمكانيّة الفتنة إن لم نقل ينفيها ..ومن جهة رابعة فهذا الفصل لم يكن في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم بل مستحدث في شكل عمارة فخمة حديثة للمساجد والتي تؤدي إلى راحة المصلين وتيسير أمور العبادة عليهم، ووجود مكبِّرات الصوت التي توصل صوت المؤذن وصوت الخطيب يوم الجمعة إلى أعداد كثيرة من المصلين..

وهكذا فالخلاصة أنّ حضور المرأة اليوم في الجمعة واجب وضرورة يؤدي إلى خدمة الدين وتحقيق أهدافه وصناعة جيل ملتزم وإعداد جيل الأبناء تحت لواء القيم السمحة والأخلاق الفاضلة والتربية السليمة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115