لاجئو الجسد أيضا. منذ القدم وحركة البشر لا تتوقف، هجرات في كل الاتجاهات والناس يتداولون حركتهم، يحملون ثقافتهم وعواطفهم ويريدون رسوّها في أمكنة آمنة. اللجوء مفهوم حديث، ظهر مع المجتمعات الديموقراطية التي أعطت للناس حرية التنقل وإمكانية أن يختاروا أمكنة إقامتهم. أعطتهم المواثيق الدولية حق العبور وحق التخلص مما يمكن أن يزعج راحتهم.
اللجوء أيضا هو تلك الضيافة التي توفرها جهة الاستقبال لتحمي اللاجئين من كل التجاوزات التي يمكن أن تعترضهم. ويمكن لهذه الضيافة ان تتحول إلى إدماج في النسيج المجتمعي لجهة الاستقبال، حدث هذا مثلا مع اللاجئين السوريين الذين استقبلتهم ألمانيا واعتبرتهم مع إجراءات مصاحبة مواطنين لهذا البلد. ومع ظواهر اللجوء التعسفي تسيطر دراسات تضع في مركزها فكرة المحتشد أو مراكز الإيواء مع ما يستتبع ذلك من إجراءات قانونية ورعاية إنسانية بإشراف منظمات دولية، وطنية أو محلية. في هذا السياق لا تخلو المسألة من اعتبارات جيوسياسية بموجبها تقع معاملة اللاجئين خصوصا إذا كانوا بأعداد وافرة نتيجة لحدث ما قد يكون حربا، أو كارثة طبيعية أو تصفية إثنية أو غيرها.
يمكن ان يكون اللجوء أيضا مسألة فردية يعيشها الفرد احتجاجا وهروبا من تعسف نظام سياسي أو هروبا دفاعا عن فكرة، في هذه الحالة تصبح التجربة فردية في معانيها تُقاس بقدرة الفرد على إعادة تركيب ذاته وأفكاره وعواطفه. يحدث هذا في أنظمة على العموم استبدادية لا تقبل الاختلاف ويقع التوجه إلى بلد أو ثقافة لا تخاف تعدد الآراء، بل بالعكس تعتبرها واجبا إنسانيا وحقوقيا يجب دعمه وتحضير كل الظروف المناسبة لإنجاحه.
في الماضي كان اللجوء يُعاش كشكل من الضيافة التي تحكمها النواميس الدينية، هو واجب ديني وشعائري، الآن أصبحت الضيافة مسألة دولة ومسألة تطبيق مواثيق دولية ومسألة تدعو الدفاع عن حقوق الإنسان في أبعادها المختلفة. ولهذا أُخضعت مسألة اللاجئين للقياس وصُنعت لها مؤشرات عديدة، ولكن العلوم الإنسانية والاجتماعية عندما تناولت قضايا اللاجئين فإنها تعاملت معها كمساحات التقاء و تفاعل و كتجربة يُعاد صياغتها في سياقات جديدة. مخيمات اللاجئين في أمكنة عديدة من العالم تكون على الحدود في الأغلب، ويعيش اللاجئون هذه الحدود الجغرافية على أنها حدود رمزية وحدود نفسية وعلائقية متنوعة. قد يدوم المخيم أياما وأشهرا وقد يتواصل لسنوات عدّة. تبدأ فكرة اللجوء على أنها مسألة ظرفية واستعجالية، ولكنها في النهاية تصبح موطنا. وتبقى التصورات حول اللاجئين مبعثرة بين اعتبارهم ضحايا واعتبارهم مصادر للقلق وللشك، ويظهر في شكل قلق على السيادة الوطنية وفي شكل قلق على الروابط الاجتماعية الأصلية.
تهتمّ المنظمات الدولية بقضايا اللاجئين مهاجرين كانوا أو غيرهم. والفكرة المحورية لهذا الاهتمام هي الخروج باللاجئين من محور الضحية ومحور الشّر. وفي هذه السنة يحتفل العالم باليوم العالمي للاجئين كل 20 جوان من السنة. وإذ وقع التركيز على الرياضة لمزيد إظهار ما يقارب من 85 مليون بشر وقع ترحيلهم تعسفيا من بلدانهم أو دُفعوا إلى ذلك بسبب الحروب والنزاعات والتفكير جديا في هذه الظاهرة واعتبارها من الثغرات الكبرى للإنسانية في هذه الألفية.
في تونس لا نزال عموما غير مدركين لهذه القضية بالرغم من وجود منظمات وطنية ودولية تهتمّ بعدد مهمّ من اللاجئين مستقرين بيننا. في تصورات الناس لا توجد فكرة اللجوء واللاجئين، ربما لآننا لم نعش الوضعية و لا ندرك معاناتها بالرغم من أن الذين هاجروا سريا إلى الضفة الشمالية من المتوسط هم في أغلبهم من اللاجئين. ولكن عندما نتعامل بشكل يومي مع مواطنين من جنوب الصحراء فإن التصور البارز الذي يسيطر على الأذهان هو أنهم من فئة غير المرغوب فيهم. هم في هذه التصورات منافسون في فرص العمل وهم مصادر عدة للقلق الاجتماعي ويُترجم هذا التصور في ضعف كبير في قبول الآخر وفي ممارسات إقصائية ذات طابع عنصري. التشريعات والقوانين المعمول بها لا تضع فكرة اللجوء في اعتباراتها بقدر ما تضع مسألة تجاوز الحدود و الإقامة غير الشرعية.
نحتاج إلى مزيد العمل على جعل ثقافة قبول الآخر هي الثقافة التي ندرك من خلالها أنفسنا قبل أن ندرك الآخر المختلف.
فكّر بغيرك، اللاجئون جسر لفهم الذات
- بقلم محمد جويلي
- 10:41 22/06/2021
- 694 عدد المشاهدات
اللاجئون عدّة، لاجئو الحروب ولاجئو الكوارث، لاجئو السياسة و لاجئو الفكرة، لاجئو الذاكرة ولاجئو العبور في كل الاتجاهات،