أي معنى من استنزافنا؟

من منكم تحوّلت شعلة حماسه يوما بعد يوم إلى سلاسل من جليد، جعلته مكبّلا باللامعنى، مقهورا منكفئا على ذاته،

تاركا كل أسباب الكفاح، أو ما يعطي لحياته معنى، تاركا الشأن العام برمّته، ومكتفيا بما يعيشه من أيامه في حياته الخاصة فقط؟
قصص لا تكاد تنتهي، وأمثلة لا تكاد تُحصى، هي قصصنا جميعا، بشكل أو بآخر، في مجتمع محقون بالقهر والتسلّط، يتنفّسه أبنائه بوعي أو دونه، فيصرفهم عن شؤونه ويرميهم إلى خارجه في معزل عن كل قضاياه..لأنهم ببساطة منهمكون في محاربة اليومي، في جهاد عبثي دائم معه، ولسان حالهم يقول: هل خلقت في هذا الوطن لأجل فواتيره التي لا تنتهي؟ هل أعيش هنا كي أُؤمّن بالكاد قوت اليوم وأنشغل بقوت غد مجهول؟ في الوقت الذي تُهدر فيه الطاقات والكفاءات أو تتلاشى أو تهاجر أو تنسحب لتترك المكان قهرا لأولئك الذين تصيّدوا المجتمع والفضاء العام ومجالات السياسة والصحافة والثقافة والفن، أولئك المقتنعون تمام الاقتناع أنهم يقدّمون الإفادة فعلا..؟ فأينما ولّيت وجهك فإنّ السلطة لا محالة بيد جماعة أو مجموعات تافهة ..
قصص استنزاف لا تنتهى، الكل يستنزف الكل، في مجالات السياسة كما في بقية المجالات.. حروب استنزاف لا تنتهي، لندفع جميعنا الثمن في النهاية، ولعلّ الحالمين الأحرار هم الذين يدفعون الثمن مضاعفا.. يدفعونه من دمائهم ومن أحشاء أحشائهم ومن رسالتهم التي يحملونها ويؤمنون بها.. من شغفهم وكل ما قد يجعلهم شغوفين بالحياة..
أي معنى من استنزاف الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية للكفاءات؟ بل لكل تونسي يريد أن يعيش بمعنى ومعان؟ أي معنى من يومي يخنق الخيال ويحاصر الإبداع ويحبط العزائم ويقتل الأحلام؟
أيّ معنى من أي يحدث كل هذا؟ من سيبني هذا الوطن؟ وبأيّ ثمن؟ وهل مازال الوطن وطنا أم تحوّل بفعل القهر إلى مجرّد مقابر جماعية لجثث تتنفّس حتى حين انطفائها تماما؟
أيّ معنى من حياة تعلي الجمود بدل التفكير وتصوّر المكروه كأمر ضروري، وتعتبر غير المقبول كأمر حتمي؟ أي معنى من اختفاء المضامين وسيادة التخلف والفساد وقتل الكفاءات والمتميّزين؟
لو لم تكن الإرادة حرّة، تلك التي تقهر القهر نفسه لسّلم كل حالم وكل حرّ حياته لتيار مجتمعه لانصاعه إلى غلبة قومه وقهرهم.. ولكن أي معنى من كل هذا الاستنزاف؟
مازلنا نتعايش مع طغيان القحط ومع سراب حلم الديمقراطية التونسية، الممزوجة بكساد اقتصادي وعقم سياسي عظيم، تُدمّر ودمّرت من خلاله ألاف الأحلام والمشاريع..
طبقة سياسية لم تنجح إلا في إثبات فشلها وانتهازيتها ورجعيتها وفوضويتها وفسادها الناخر حتى العظم.. طبقة سياسية عالقة في الماضي وتنظر إلى المستقبل بعيون لم يخترقها النور أبدا..
وبينما تغذي الأزمة نظيرتها تختمر عناقيد الغضب في عيون من تشبثوا بأحلامهم، من تشبثوا بحقّهم في القطع مع معارك لا تعنيهم، معارك ليست بحجم الوطن، ولا بحجم الحياة التي يريدون..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115