التي تبت في النزاع في أجل أسبوع بناء على طلب يرفع عليها من أحرص الطرفين».
2 - إن عبارات النص واضحة و لا تحتمل بالتالي التأويل: «نزاع» و «إختصاص» و»أحرص الطرفين»، و الترجمة الرسمية باللغة الفرنسية للدستور تزيد في وضوح الصبغة النزاعية للفصل (les conflits de compétence entre le président de la république et le chef du gouvernement sont soumis à la cour constitutionnelle. Celle-ci…).
أولا: في عدم إختصاص القاضي الدستوري (الدائم أو الوقتي) بالنظر في الملف
نرى أنه لا يمكن تطبيق الفصل 101 المذكور على الأزمة الماثلة، لسببين رئيسيين على الأقل.
1 - السبب الشكلي:
- إن وقائع الملف تخص 3 مؤسسات تدخلت أو عليها أن تتدخل بصفة متعاقبة (الترشيح من رئيس الحكومة، ثم منح الثقة من البرلمان، و أخيرا أوامر التسمية من قبل رئيس الجمهورية مع أداء اليمين أمامه)، بما يعني دستوريا و سياسيا أن الملف يعني حتما و بالضرورة ثلاثة أطراف.
- إن الفصل 101 حصر تطبيقه على طرفين دون سواهما، و من داخل سلطة واحدة (السلطة التنفيذية)، و الحال أن الملف كما بيناه يخص 3 أطراف، يضاف الى ذلك أن أحدها من خارج السلطة المذكورة.
2 - السبب المضموني:
- نعتبر أن أحكام الفصل 101 من الدستور لا تخص الا النزاع بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة حول إختصاص محدد، و هل هو راجع للأول أو للثاني ؟ و من الحالات الممكنة: أولا تسليم الأجانب المطلوبين قضائيا من دولهم، وثانيا حدود الأمن القومي و بالتالي صلاحيات مجلس الأمن القومي، و ثالثا وأخيرا تعيين وزيري الخارجية و الدفاع (الفصل89 فقرة 1 من الدستور) أو إقالتهما (الفصل92 منه) بالتشاور مع رئيس الجمهورية، فهل تعني عبارة التشاور أن لرئيس الجمهورية رأي غير ملزم أو رأي ملزم (ٍرأي مطابق) بما يعني في المؤدى (in fine) قرار مشترك بينهما (codécision) ؟
- إن الإشكال إذن هو مسألة تأويل لإختصاص واحد (أمر التسمية و أداء اليمين)، وهو إختصاص ورد في الفصل 89 من الدستور (الفقرتان 5 و6)، و هناك إجماع على أنه راجع لرئيس الجمهورية دون سواه، بما يعني عكسيا وبالضرورة غياب كل تنازع حول هذا الإختصاص، لكن الخلاف يكمن في مدى هذا الإختصاص في التنفيذ (سلطة مقيدة أو تقديرية) و في مجاله في الزمان (بصفة فورية و دون أجل أو في آجال معقولة أو خاضعة للتقدير المطلق لرئيس الجمهورية).
ثانيا : في إختصاص المحكمة الإدارية بتأويل إختصاص رئيس الجمهورية
1 - و القانون الوضعي على حاله، فإن الملف كما حددنا طبيعته لا يمكن أن يقع البت فيه الا من قبل المحكمة الإدارية، و ذلك في نطاق وظيفتها الإستشارية:
- سيما أن فصلها الرابع جاءت عباراته مطلقة «كافة المواضيع»، و ذلك من دون إستثناء،
- فضلا عن أن الفصل4 المذكور هو ناتج عن تنقيح حصل في سنة 1983، وذلك قبل إرساء المجلس الدستوري في سنة 1989،
2 - إن رأي المحكمة الإدارية (هو في هذه الحالة غير ملزم) الذي إنتهى الى عدم إختصاصها، يشكل تنكرا لإختصاصها الإستشاري، مع الإشارة الى:
- أن الملف لم يعرض على الجلسة العامة الإستشارية المتركبة من 12 من القضاة السامين (الفصل27 في فقرته الأولى من قانون المحكمة الإدارية) و بمعدل تجربة لا تقل عن 20 سنة لكل واحد، بما كان يسمح بمزيد التأسيس والمشروعية، و الحال أنها مكلفة بالإستشارات المتعلقة بالمسائل القانونية (النص الفرنسي: juridiques و ليست législatives) الجوهرية، عملا بالفصل 28 من قانون المحكمة الإدارية.
بما يجعل، في قراءة متقاطعة و متناسقة، الفصل 4 من قانون المحكمة الإدارية يستوعب بالضرورة المسائل الدستورية التي هي صنف من أصناف المسائل القانونية.
- إن الدستور أكد على أن القضاء الإداري «يمارس وظيفة إستشارية طبق القانون» (الفصل116 في فقرته الأولى من الدستور).
3 - لم تكتف المحكمة الإدارية بالخطأ في تطبيق الفصل المتعلق بإختصاصها، بل إرتكبت خطأ مضاعفا لما أساءت قراءة و تأويا الفصل 101 من الدستور.
ثالثا: ملاحظات ختامية
1 - إن رئيس الجمهورية يجسد الدولة في المناسبات الكبرى (كما القانون الدستوري)، أما رئيس الحكومة فهو يجسد الدولة في سائر الأيام (كما القانون الإداري)، و لا علوية بالتالي للواحد على الآخر، فلكل واحد إختصاصاته المحصورة بالدستور، بدليل أن الفصل 71 منه و هو فصل تمهيدي في باب السلطة التنفيذية و قبل إستعراض قسميه، إقتضى أنه «يمارس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية و حكومة يرأسها رئيس الحكومة» .
2 - إن الأزمة جوهرها سياسي، و حلها بالتبعية سياسي، لكن يتعين على هذا الحل أن يكون مطابقا للدستور في نصه و متوائما مع روحه، بحيث أن الوعاء هو الدستور والحساء هو السياسة، و لا معنى لأحدهما دون وجود الآخر، و عليه فأن الأزمة ليست دستورية فقط و ليست هي سياسية لا غير، بل هي مزيج و خليط و تقاطع مكثف بينهما.
3 - تفريعا عما سبق، فالحل الذي يجب أن يكون متلائما مع الدستور يتمثل أصليا في قبول التعديل الوزاري بالكامل (تسمية و يمينا)، و إحتياطيا بإستقالة المشيشي سيما أن حكومته أضحت سياسيا و واقعيا في عداد حكومات تصريف الأعمال.
4 - و مع ذلك و إن ستنخفض الحرارة، فإن الأزمة السياسية و عدم الإستقرار الحكومي و لأنهما هيكليان سيظلان قائمين نظريا الى سنة 2024. فمن السذاجة أن نحلم بأن يكون ظل الدولة (بأجنحتها الرئيسية الثلاثة) مستقيما و الحال أن عودها (سياسيا وتمثلا) أعوج، بما يعني بالتبعية و على الأرجح أن الإنفجار الكلي و الوصاية الدولية قادمان إن فرديا أو بالتزامن أو بالتعاقب، خاصة في ظل التمادي في تطبيق الدستور والقانون بدون نزاهة، و ذوبان الثقة بين أغلب الأطراف الرئيسية، وتفاقم الأزمة الإقتصادية و التشريعية، و هيمنة القبائل على الدولة.
بقلم:
أحمد صواب
انتهى