وتغيير الجلدة دون أدني شعور بعذاب الضمير... سياسيون وإعلاميون وكتاب ومثقفون مزعومون وموظّفون باحثون عن ترقيات دون كفاءة ظنّوا أنّهم عابرون للزمن، وقادرون بما منّ الله عليهم من فنون المكر، وتغيير اللّون حسب الطلب، على الحضور في كلّ المحافل السياسيّة. لكن رغم كلّ هذا الحرص على اعتماد أحدث فنون التجميل القبيح، تتراءى صور هؤلاء المرضى ماقبل14جانفي وما بعده أمام التونسيين، على الشاشات وفي الشوارع وفي الإدارات العمومية ممسوخة مشوّهة ..
لقد بلغت بهم الدناءة حدّ التنكر لماضيهم وركوب الموجة الثوريّة، معوٌلين على ثقوب الذاكرة.وليس أتعس في هذا المشهد التونسي الهجين من رؤية تجمٌعي يسبٌ التجمٌع الذي تمسٌح على أعتابه وبحث عن صكوك الغفران في مقرٌاته !!! ، معوٌلا على لحية أطالها أداةَ احتطاب جديد، وعبارات دينيٌة دخيلة حفظها ،تشعٌ منها أنوار تقوى مزعومة استعدادا لميركاتو سياسي جديد شعاره الأبرز الوصولية والانتهازيٌة.ولقد زايد أصحاب اللّحى الطارئة على المناضلين الحقيقيين الذين قاوموا الاستبداد وواجهوا نظام «بن علي».وغزوا لغياب ماء الحياء على وجوههم، الساحة بنفاقهم ،وكذبهم مما جعل الصّادقين ينسحبون مندهشين من وقاحتهم وحقارتهم.
ماذا يعني أن ينتمي تجمّعي إلى النهضة أو أن يدٌعي الثورية ومحاربة الديكتاتورية ،ويطالب بالعدالة الانتقالية !!!!؟؟ وبأيّ صفاقة يعلن أنّه ابن الثورة ومولودها المنتظر وتاريخه يشهد أنّه حصل على عمل بضمان الانتماء هذا الحزب ؟؟؟؟ إنّ أمثال هؤلاء الذين انحشروا في المؤسسات العموميّة ناشرين الزيف والكذب حيثما حلّوا، هم السّوس الذي أتى على ما بقي من صوف هذا الوطن و عجّل بخرابه... لقد فات هؤلاء أنّ التاريخ لا يرحم كل من أراد أن يكون رجل كل الأوقات لأداء أرذل المهمات...فكم من متلوّن انتهى مركونا في زاوية ينكره القريب قبل الغريب...
إنّ هذه البلاد المنكوبة اقتصاديّا وسياسيّا ،لا تحتاج إلى جوقة المدّاحين القدامى الحالمين بعذريّة جديدة، ليمارسوا العهر الخطابي نفسه خدمة لحكّام جدد... لن تزداد صورة البلاد نقاوة عندما تدخل كتاب «غينيس» باعتبارها أكبر دولة مصدّرة للمدّاحين بمختلف الرتب وللإرهابيين على كلّ لون وشكل...
قديما قال العرب عن حكمة، عاش من عرف قدره ووقف دونه ومارس نقده الذاتي دون أن يتكئ على الأيام لينسى الناس سوءاته... ولن يحترم الناس متلوّنا مهما غزل من الكلام حريرا. ولن تنفعه كلّ عمليات التجميل التي أجراها على شكله وخطابه وسيظلّ عند الناس كذّابا انتهازيّا.. فما الفرق بين الإرهابي الذي كان يتنقّل من حانة إلى أخرى ليتحوّل إلى فقيه يعلّم الناس دينهم على إيقاع السلاح، وبين إرهابيي التلوّن وتغيير الجلدة الذين انتقلوا بنفس الرتبة من أبواق للتجمّع إلى أبواق للنّهضة وما جاورها من أحزاب.
قليل من الحياء فقط ..هذا ما يطلبه كلّ عاقل ،بعيدا عن الشيطنة أو التأليه.. تقتضي المروءة ألّا يتنصّل «التجمّعي» من انتمائه وألّا ينكر الأخطاء التي ارتكبت وهي كثيرة.. أما التوجّه إلى الضّفّة الأخرى بحثا عن موقع جديد لإعادة مهزلة التطبيل من جديد فهو عمل لا يختلف عن سلوك «تاجرة المتعة» التي تطلي وجها هدّته السنون بكل مساحيق العالم لتخرج في يوم ماطر تستعرض مفاتنها.لكن في غفلة منها تأتي الأمطار على ما به أرادت ستر بشاعتها
لقد فات هؤلاء أنّ حركة النهضة ، وقد ذاقت حلاوة السلطة والجاه بعد سنوات العذاب والتشرّد، تدرك تفاهة هؤلاء السماسرة الذين رضوا بأن يكونوا «ركوبة عامّة» ،وأن يمتهنوا على مرّ تاريخهم» النقل لحساب الغير». ولذلك تمارس معهم لعبة المخادعة فترخي لهم الخيط كي يتحّلقوا حول نار السلطة في انتظار أن تدفعهم فردا فردا إلى الهاوية بعد انتهاء صلوحيتهم.. تدرك النهضة والأحزاب التي ترفع شعار الثورة، أنّ أنذال كلّ الأوقات ،وخدم كلّ ماسك بالسلطة،هم باعة جوّالون يعرضون بضاعتهم في سوق اللؤم والخسّة ، ضرب الله عليهم الذلّ والمسكنة فهم في كلّ دناءة يهيمون لا تردعهم نفس أبيّة ولا تمنعهم عزة باعوها لأول قادم... فاختارت استعمالهم دون أن تطمئنّ إليهم...
إنّ الأحزاب التي ترفع شعار ثورة بدأت مساحيقها تختفي، لا تحتاج إلى المتلونين الحربائيين فهي مكتفية بأنصارها وهي تعي أن «بن علي» لم يكن يقود الناس إلى اجتماعاته بالسلاسل..ولم يرغم» الغرياني» أو «شلغوم» على العمل معه.
ومازال عدد غير قليل من الشعب التونسي يتذكّر عربدة روابط حماية الثورة التي انتمى إليها كلّ جاهل، أو نصف أمّي مّمن لفظته المدرسة باكرا ،أو حام حول البكالوريا دون أن يطالها ليتّضح أن أغلب المنتمين إلى هذا الهيكل الهجين كانوا يتوارون وراء ثوريّة مزيّفة للتّمويه والتغطية على تاريخهم الأسود في الوشاية والسرقة والإجرام ففيهم من خرج ليلة 13جانفي يعلن فرحه بخطاب الرئيس ليستيقظ ضميره الثوريّ بعد 14جانفي معلنا الثورة على الأزلام والفلول داعيا إلى محاسبتهم ومحاكمتهم.
سيظلّ هؤلاء المتلوّنون ،كما أرادوا لأنفسهم، مجرّد صور بشعة اختلطت فيها الألوان البنفسجيّة والحمراء والزرقاء لترسم كلّ عناوين الدناءة والوضاعة والحقارة...