إلى عناية وزراء الداخلية والدفاع: الهاكر التونسي : من يكون ؟ وكيف يٌمكن الاستفادة منه ؟ - الجزء الثالث والأخير -

سنخصّص الجزء الثالث والأخير من الدراسة الى كيفية الاستفادة من قدرات «الهاكر التونسى» في حدود الممكن والمتاح، بعيدا عن المجازفات غير مضمونة النتائج...

1 - الاستفادة من الهاكر : لماذا ؟
شئنا أم أبينا أمسى «الهاكر» بقبعاته المتعددة وأنماطه التنظيمية المختلفة فاعلا رئيسيا داخل الفضاء السيبرنى.. من خلال أنشطته تكتسب النظم المعلوماتية ومن خلفها السيادة الرقمية للدول مزيدا من الصّلابة أو قد تتعرّض الى أفظع عمليّات التخريب الرقمية، كيف لا وتاريخ الاختراق والقرصنة التي غيّرت وجه المشهد الجيوسياسى في العالم لازالت محفورة في الأذهان وكنا قد أشرنا لها في العديد من مقالات السابقة - أستونيا 2007 ، فضيحة «كامبريدج اناليتيكا 2016، «عملية قرطاج» 2019 الخ الخ -.. كما علينا أن نٌشدّد على حقيقة مسكوت عنها بأنّ ديمومة سلامة اشتغال ملايين الحواسيب المرتبطة فيما بينها يعود الفضل في جزء منه الى الهاكر من ذوى التوجه الايتيقى Hacker à prédominance éthique الذى تمكن قبل غيره من الكشف عن الثغرات الخوارزمية والابلاغ في الوقت المناسب.
انها بالفعل دراما «هاكر اليوم»، الذى أمسى من جهة شبيها بالعميل المزدوج Agent double يشتغل لحساب جهات متعددة على قاعدة من يدفع أكثر، ومن جهة ثانية، يٌعدّ فاعلا جيوسياسيا حاسما لا يمكن للدول الاستغناء عن خدماته.. فالقوة السيبرنية الروسية الضاربة تستمد بريق رمزيتها من أيقونات عالم الهاكرز الروسى، وشقيقتها الصينية يستحيل ذكرها دون احالة مباشرة الى الوحدة رقم 61486 وفرق الهاكرز APT كوجهان لعملة واحدة...
من هذا المنطلق تبلورت فكرة الاستفادة من الهاكرز من قبل مجموعة من الدول، وانطلقت رحلة البحث عن مقاربات لاحتواء جزء من هذه المجاميع قبل ان تتبخّر نهائيا في الطبيعة السيبرنية المتقلّبة التي لا تخضع الى قانون الجاذبية باى حال من الأحوال...
ولئن كانت النصوص القانونية الزاجرة للجريمة الالكترونية أمرا على غاية الأهمية فان التعويل عليها بالكامل يٌعدّ خطأ استراتيجيا جسيما.. فلا السجون ولا حتى المنظومات التربوية المتقدمة قادرة على ايقاف الزحف الرقمى للهاكر خاصة ونحن في قلب تحول رقمى كبير (انترنت الأشياء Internet des objets والذكاء الاصطناعى بالخصوص) تحيطه الفوضى من كل جانب...
2 - ماذا نقصد بالاستفادة على وجه التحديد ؟
ماهية الاستفادة التي نتطلع اليها تستند على مفهوم تثمين valorisation le concept de قدرات الهاكر التونسى المٌغيّبة تماما ضمن «استراتيجية احتواء شاملة» معقلنة وناجعة، تتحرك وفق أطر وأهداف وميكانيزمات محددة.
والاستفادة التي نقصدها تستند على التنوّع في المقاربات والاجراءات بتنوّع السجّل الهايكرى لكل شخص التصقت به هذه الشهرة، بمعنى أن الهاكر الاكثر استعدادا للهايكرة الايتيقية البنّاءة يٌعامل ضمن مسار اجرائى مغاير تماما عن «الهاكر» القرصان المنغمس في الجريمة الالكترونية...
3 - ماذا يحدث في التجارب المقارنة ؟
تختلف اليات احتواء الهاكرز من بلد الى اخر ومن مؤسسة رقمية الى أخرى :
- فالروس لا يرون حرجا في التغاضى عن الانشطة المشبوهة لمجاميع الهاكرز مقابل تجنيدهم في عمليات قرصنة واختراق كبرى خارج الحدود ...
- في حين أن السلطات الصينية والكورية الشمالية تنتهج سياسة ادماجهم بشكل أو باخر داخل المنظومة الاستعلامية العسكرية...
- في الولايات المتحدة الى جانب القيادة السيبرنية USCYBERCOM التابعة للبنتاغون المحدثة سنة 2009 واستنادا الى تسريبات «ادوارد سنودن» المزلزلة فان انشطة القرصنة والاختراق موكولة أساسا الى « وكالة الأمن القومى « National Security Agency وما خرج عن سيطرتها يتكفل به «عمالقة الواب» على أحسن وجه تحت عناوين ومسوّغات مخادعة منها دعم الهاكر الايتيقى صاحب القبعة البيضاء «حامى المقدسات الرقمية» ...
- في بريطانيا تم بعث مراكز متخصصة في تأهيل الهاكر القرصان واعادة ادماجه في المسالك المؤسسية الامنية...
- الخ
4 - الممكن والمتاح تونسيا
من الأكيد اننا لا نزعم اختراع العجلة من جديد، الا أن «عجلة احتواء الهاكرز» بطبيعتها تتميز بالتفرد والتجديد والا فان مصيرها سيكون حتما الفشل الذريع...
فالفضاء السيبرنى في بلادنا تعمّه فوضى عارمة وقد فاقم من خطورته غياب نص قانونى خاص بالجرائم الالكترونية، فمشروع «قانون مكافحة الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال» لازالت رياح «شرش برّانى» تتقاذفه بين «القصبة» و»باردو» منذ سنة 2015 الى حدّ اليوم...
وفي انتظار أن تتحقق رؤية هلال هذا القانون، فانه يتوجب على الأقل الاستعجال دون تسرّع بوضع دليل اجرائى Manuel de procédures يكون بمثابة الوثيقة/المرجع التي تحتكم اليها مختلف الأجهزة المعنية باحتواء ظاهرة الهاكر.. دليل اجرائى قابل للتحيين والتطوير كل سنة على أقصى تقدير، يٌقسّم الهاكرز الى مجموعتين حسب معيار الميول الهايكرية المهيمنة / للهاكر الواحد tendances prédominantes en Hacking / Hacker يٌحدّدها سجلّه في مجال الاختراق والقرصنة تنضاف اليها مجموعة من الاختبارات النفسية المعمقة.
أ- المجموعة الأولى المميزة باللون البرتقالي (الهاكرز ذوى الميول الايتيقية)
يتم التعاطى معها وفق المنظومة الاجرائية التالية :
- اخضاع جميع أعضاء هذه المجموعة لفترة اختبار ومراقبة لا تقل عن ستة أشهر يتم خلالها تكليفهم بانجاز عدد من مهام اليقظة السيبرنية من الدرجة الدنيا والوسيطة،
- بعد انقضاء الستة أشهر المخصصة للاختبار والمراقبة يقع تمكين من ثبت جدارته الايتيقية والعلمية بالانتماء لهذه المجموعة من فرص تعاقد مع المؤسسات المعنية بالأمن والدفاع السيبرنى بمٌرتّب وحوافز مٌجزية تقيه من مغبة الانقياد الى مسالك الهايكرة الغير مشروعة،
- تامين عملية رسكلتهم المستمرة في مجال السلامة المعلوماتية،
- اسناد الطلائع منهم مسؤولية بعث النواة الصلبة لمنظومة يقظة سيبرنية مواطنية - أنظر مقال « نحو ارساء منظومة للدفاع السيبرنى : لماذا وكيف ؟ ».
- ملاحقة من ثبت تورطه في جرائم الكترونية وشطبه نهائيا من سجلّ هذه المجموعة.
ب – المجموعة الثانية المميزة باللون الأحمر (الهاكرز ذوى الميول المشبوهة والاجرامية )
بات من المستعجل المبادرة باحتواء هذه المجموعة الخطرة قبل أن تبتلعهم جهات أخرى.. خلافا للمجموعة الاولى، فان مستوى خطورة هذه الفئة من الهاكرز تستوجب اجراءات أكثر حيطة وتشدد.
- اعلان صريح لمن تمت ادانته قضائيا بالسجن وبخطايا مالية عن توبته الرقمية عبر فيديو على موقع «اليوتيوب» مقابل الافراج عنه ووضعه تحت المراقبة الادارية عن بعد باستخدام السوار الألكترونى أو عن طريق تطبيقة ذكية مثبته على هاتفه الجوال.
- اخضاعه لفترة مراقبة واختبار لا تقل عن سنة واحدة قابلة للتجديد أثناءها يتم اختباره للقيام بمهام محدودة في مجال التدريب على الهايكرة أو التنبيه الرقمى lanceur d’alerte بمقابل مالى معقول يكفل له عدم الانزلاق مجددا في وحل الجريمة الالكترونية.
- اعادة تأهيله من قبل متخصصين في التربية على الميديا وعلم النفس الاجتماعى لمدة لا تقل عن السنة،
- الحاق من تجاوز فترة الاختبار والمراقبة بنجاح بالمجموعة البرتقالية الاولى،
- ملاحقة من ثبت تورطه في جرائم الكترونية وحرمانه نهائيا من برامج التاهيل أو اية فرصة تدارك ثانية.
في المحصلة، لا يمكن لاى «مقاربة احتواء للهاكر» مهما كانت درجة عبقريتها أن يٌكتب لها النجاح ان لم تنتهج سياسة العصا والجزرة الشهيرة...
انتهى

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115