احترفوا الشكوى والبكاء كالأطفال تماما والشعب في صدمة دائمة، عنتريات وشنفريات وبهلونيات، مضحكات، مبكيات،عجائبيات تلك هي السياسة في تونس اليوم..
قدر أحمق الخطى كما قال الشاعر .. تراكم الوحل والحجارة في طريق الخلاص نحو وطن لم يعد يتسع للأحلام ويقتل الأفكار في رحمها.
وكيف للأحلام أن تنجو في وطن حكوماته لم تفلح إلا في السقوط بانتظام؟ وكيف للأحلام أن تنجو في وطن نظامه السياسي غاية في التعقيد واللف والدوران؟ فالسلطة مشتّتة، لا تعرف فيها من يحكم، ولا احد يستطيع أن يحكم، والكل يفلت من الحساب والعقاب؟ في تونس أصبحت الأزمة تغذي الأزمة، دون أن ننسى الأزمات المعلقة خاصة بعد جائحة كورونا، ارتفاع متزايد في معدلات الفقر والبطالة وتراجع كبير للنمو، وعودة غول التضخم مما قد يزيد من تأجيج الاضطرابات الاجتماعية ويزيد من عجز الميزانيات ويساهم في ارتفاع الدين العام ولا حلول جذرية إلا تلك المسكنات الوقتية في واقع سياسي عبثي بامتياز، فلا نسمع عن البرامج الإصلاحية أو خطط الإنقاذ إلا في الحملات الانتخابية، فلا حديث عن خلق الثروة في كل معاركهم الطاحنة كالتي نراها في البرلمان ولا حديث عن دفع النمو، ولا محاولات لابتكار القيمة والمعنى ولا بدائل تنموية ولا مقاربات علمية..
وكيف للأحلام أن تنجو ومشاهد اجتياز الحدود نحو أوروبا أصبحت شبه يومية، شباب وكذلك عائلات يركبون البحر بحثا عن حلم يتحقق، وقد تستقرّ الأحلام في بطون الحيتان، حدث ويحدث ذلك كل يوم..
ولا ننسى هجرة الأدمغة، فحسب الوكالة التونسية للتعاون الفني فإن 95 ألف تونسي هاجروا نحو أوروبا والولايات المتحدة وكندا ودول الخليج، 78 % منهم جامعيون في اختصاصات الهندسة والطبّ والبحث العلمي والتعليم الجامعي. كما كشف المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في دراسةٍ أجراها مؤخّرا أن 80% من الأساتذة الجامعيين ينوون الهجرة. ألا تكفي هذه الأرقام؟ أليست مفزعة؟
الكل دون استثناء يبحث عن أحلام تتحقق في بلد لا يقتل الأحلام..
تونس لا تعوزها الثروة بل يعوزها الإيمان بقيمة العمل، ولا إيمان دون قيام عقد سياسي يعلي من السلم الاجتماعية يخرس لغة العنف بجميع أنواعه وألوانه وأشكاله وفروعه وأوصافه، واتجاهاته.. فالأحلام لا تتحقق في واقع عنيف مأزوم..
والأحلام تتحوّل إلى كوابيس يومية في ظل مشهد يسوّق لمبادئ الجمهورية وعلوية القانون قولا لا فعلا.. والأحلام لا تتحقق في ظلّ انتكاسة متواصلة للحريات الفردية وحرية التعبير والضمير..
والأحلام تتبخّر إذا كانت المواطنة غير متساوية، مع أنها لبنة أساسية ومحورية من لبنات النظام والسلم الاجتماعي والنفسي والإستراتيجي..
ربما أيضا على الشباب الحالم أن يفكّر خارج صناديق الدولة وبرامجها ويتحسس أحلامه بنفسه، ويكفّ عن المطلبية حتى حين فالخلاص فردي في هذا الوضع المأزوم.. فقصص النجاح تكتبها الشعوب لا الدول..
وإلى أن تتعافى الدولة تبقى تونس قصيدة منسية وأغنية لم تلحن بعد.. وتبقى تونس طائرا حرا ربط الحكّام جناحيه..
وتبقى تونس طائرا حرا ربط الحكّام جناحيه..
- بقلم سيماء المزوغي
- 12:13 27/07/2020
- 1237 عدد المشاهدات
قد تُعرف السياسة أيضا بفن استنزاف الخصم، وفي تونس لا يوجد خصوم بل أعداء، يستنزفون بعضهم البعض إلى مالا نهاية.. يقطعون أوصالهم ويكسرون عظامهم،