وُلِد ألبير ممّي في سنة 1920 في تونس، من عائلةٍ يهودية وزاول تعليمه في مدرسة حاخامية حيث تعلم اللغة العبرية، بالإضافة إلى لغته الأم أو لنقل لهجته الأم، "اللهجة التونسية" لهجة والدته التي لا تعرف سواها. في سنة 1927 انتقل ممّي إلى مدرسة ابتدائية بتونس العاصمة وفيها تعلّم الفرنسية، وبعد انتهاء الحرب الثانية في سنة 1945 تحديدا انتقل ألبير ممّي إلى الجزائر التي درس فيها الفلسفة، ليتلحق سنة 1956 بجامعة السوربون في باريس لإكمال دراسته العليا، في تلك السنة نالت كل من تونس والمغرب استقلالهما عن فرنسا. ليصبح ألبير ممّي بعد بضع سنوات أستاذا في كلية علوم الاجتماع بجامعة السوربون ، وبدأ رحلته في نشر العديد من المقالات والروايات التي ربط بينها خطّ رفيع إسمه "البحث عن الهوية".. تلك الهوية التي لم ينحز فيها لدين أو عرق سوى الإنسان..
هو الكاتب المغاربي العظيم، هكذا وصفه سارتر وكامو، وربما يحقّ لنا أن نصفه اليوم بالكاتب الإنساني العظيم، الذي لا يؤمن إلا ببناء جسور التواصل بين الشرق والغرب، أو لنقل بين المغرب العربي وأوروبا، حيث بقيت رواياته الإنسانية تتبرأ من قيود الاستعمار بكل تجلياته وتفرعاته وتبعاته، وتستنهض المستعمر عسى أن يترك كل ما يعيق العلم وكل ما يحجب العقل، حيث ناضل ألبير ممّي ضد العنصرية والتمييز والاستعمار وساند حركات التحرير الوطني، حاملا لواء الحرية وحقوق الإنسان الكونية في كل آثاره وكتاباته، وشرّح ملامح وصورة المُسْتَعْمَر في كتابه "بورتريه المُسْتَعْمَرين" ، وتبع عمله هذا بكتاب "بورتريه المتحررين من الاستعمار Portrait du Décolonisé" في منتصف خمسينيات القرن الماضي والذي كتب الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر مقدمته.
ربما لا نستطيع أن نتحدّث عن حياة هذا الرجل ولا تكفي هذه الأسطر لنتحدّث عن أعماله وعن كل القضايا التي طرحها من خلال كتاباته أو مقالاته أو حواراته الصحفية، وهذا الرجل لم يغلّف أفكاره مراعاة لمشاعر الشعوب، خاصة تلك التي كانت مستعمرة، واعتبر أنّ الخلل فيها وأنّها تتعلل بالاستعمار وتعلّق عليه شماعة عجزها وتأخرها، حتى وإن مضت على استعمارها عقود من الزمن.. لم تستطع أن تلملم شتاتها وتنهض..
في حوار أجراه ألبير ممّي مع مجلة إكسبرس الأسبوعية الفرنسية (في عددها الصادر في 16 جوان 2004، ونقله إلى العربية الكاتب والمترجم اللبناني بسّام حجّار في مجلة العربي في عددها لشهر جويلية 2005)، اعتبر أنّ ما بين "40 و80 ٪ من المداخيل الوطنيّة في بلدان العالم الثالث لا يُعاود توظيفها، حيث يتمّ إنتاجها. والحال أنّك إذا لم تنفق مالاً في بلدك
فلن ترفد الاستثمار فيه، وتحثّ بذلك على استشراء الفساد والاستيلاء على الأموال العامّة، وتعرقل نموّ الصناعات الوطنية، ولا تنتج، في آخر الأمر، سوى البطالة. والبطالة تولّد العنف. فيستقرّ في بلدك الثلاثي المدمّر المتمثل بالفقر والبطالة والعنف. ولمواجهة هذا العنف، لا توجد سوى وسيلة وحيدة تتمثّل بالعنف المضاد أو بالطغيان".
ويضيف ممّي: "أرى أن أصدقائي العرب محقّون في قولهم إنه ما من بلد من بلدان العالم الثالث قد يتغلّب على أزماته إلا بقيام نظام حكم قوي فيه، فمن دون استخدام القوّة سيسود الاضطراب الشامل. ولكن المشكلة تكمن في أن الطغيان يولد بدوره ردود فعل شعبية تتسم بقدر أكبر من العنف، ما يولّد حالة دائمة من عدم الاستقرار ويحدّ من تدفّق الاستثمارات الدولية. لذلك تبدو الأوضاع هناك أشبه بالحلقة المفرغة التي لا سبيل للخروج منها."
ومن خلال اختصاصه كعالم اجتماع ومن خلال كتابه بورتريه المتحررين من الاستعمار يعتبر ممّي أن لا حلّ للبدان العربية غير الإنخراط في الحداثة دون قيد أو شرط، فالحداثة تقتضي أساسا دولة القانون والمؤسسات والحريات العامة والفردية، لذلك يرى ممّي أنّ البلدان العربية مازالت مبنية على القبلية، وأنّها لم تعرف بعد معنى الأمة وبالتالي مازلت دولها غير مكتملة، أي لا يمكن أن نصفها بالدولة، بالتالي مازلت تتحسس طريقها كي تكون أمما ودولا بمؤسسات تنبني على القانون والمواطنة.. وبكل ما تقتضيه الحداثة من شجاعة وجرأة. فالفرديّة حسب ممّي شرط من شروط التقدّم والعلمانية شرط من شروط المجتمع الديمقراطي..