تعددت المراسيم المتخذة من قبل رئيس الحكومة في إطار مجابهة فيروس كورونا وتعددت مجالات تدخلها وذلك تطبيقا لما جاء صلب الفصل الأول من القانون الذي بموجبه فوض البرلمان إلى رئيس الحكومة صلاحية اتخاذ مراسيم طبقا لأحكام الفصل 70 فقرة ثانية من دستور 27 جانفي 2014. ورغم أن تقنية المراسيم هي بطبيعتها تقنية استثنائية يحوم الكثير من الغموض حول نظامها القانوني، فان ذلك لن يمنعنا من محاولة إبداء بعض الملاحظات تتعلق خاصة بالقيمة القانونية للمراسيم المتخذة بناء على الفصل 70 فقرة 2 من الدستور وبنظامها القانوني.
إن مراسيم الفصل 70 فقرة ثانية من الدستور هي نصوص يتخذها رئيس الحكومة في مجالات هي في الأصل من اختصاص السلطة التشريعية، أي أنها تندرج بطبيعتها ضمن مجال القانون وتمثل بذلك تدخلا في هذا المجال الذي يمارسه بصورة حصرية ومبدئية المشرع. غير أن تدخل المراسيم في مجال القانون لا يضفي عليها صفة النصوص التشريعية، ذلك أن صدورها عن جهة إدارية، حتى ولو كانت رئيس الحكومة الذي يعتبر الرئيس الأعلى للجهاز الإداري للدولة، يحول دون اكتسابها لصبغة النص التشريعي الذي يصدر بصورة حصرية عن السلطة التشريعية، وفقا للشروط والإجراءات والشكليات الدستورية وفي المجال المحدد للقانون.
إن صدور المراسيم عن جهة إدارية يجعلها خاضعة، بصورة مبدئية، إلى رقابة القضاء الإداري الذي يتمتع بولاية عامة في مجال النزاعات الإدارية، حيث جاء بالفصل 116 فقرة أولى من الدستور أنه : « يختص القضاء الإداري بالنظر في تجاوز الإدارة سلطتها، وفي النزاعات الإدارية.» ورغم الطبيعة الاستثنائية لتدخل رئيس الحكومة بواسطة مراسيم واقتران ذلك بالظروف الاستثنائية المرتبطة بالأزمة الصحية التي تمر بها البلاد إلا أن ذلك لا يعفي، حسب تقديرنا، من ضرورة خضوعها لرقابة الشرعية التي يمارسها القضاء الإداري بصورة مبدئية.
غير أن الصعوبة تكمن في غياب تنصيص صريح وإجراءات خاصة بالطعن في المراسيم أمام القضاء الإداري صلب القانون المنظم للمحكمة الإدارية، مما جعل فقه قضاء المحكمة في هذا المجال يتميز بالتردد والغموض واختلاف الاجتهادات حسب الدوائر ومن درجة قضائية إلى أخرى، ونعتقد أنه يمكن تطبيق النظام الإجرائي المتعلق بالطعن في الأوامر الترتيبية الصادرة عن رئيس الحكومة على المراسيم، خاصة وأنها صادرة عن نفس الجهة الإدارية، كما أنها ماديا لا تختلف عن الأوامر الترتيبية التي يصدرها رئيس الحكومة، وأن الاختلاف بينهما هو على مستوى مجال التدخل وأساسه الدستوري.
إن إخضاع المراسيم المتخذة من قبل رئيس الحكومة للرقابة القضائية يتماشى مع جملة من المبادئ القانونية والدستورية الجوهرية. فمن جهة أولى تعتبر رقابة الشرعية على القرارات الإدارية، كل القرارات الإدارية التي تجتمع فيها شروط المقبولية للطعن، من مستلزمات دولة القانون والحق والتي تأبى أن يبقى صنف من القرارات الصادرة عن الإدارة خارج إطار منظومة الرقابة القضائية على الشرعية، حتى ولو كان ذلك الصنف استثنائيا، ومهما كانت الظروف التي ارتبطت باللجوء إليه. إن دولة القانون الفعلية تأبى الاستثناءات لسلطة القاضي في الرقابة على جميع التصرفات والقرارات الصادرة عن السلط العمومية كلما توفرت شروط خضوعها إلى الرقابة شكلا ومضمونا.
ومن جهة ثانية، فان دولة القانون الديمقراطية ليست قائمة فقط على الانتخابات الدورية والنزيهة والتنافسية، وإنما أيضا على احترام القانون والخضوع للرقابة بمختلف أنواعها، بما في ذلك الرقابة القضائية. كما أنها دولة تقوم على الإقرار بالحق في التقاضي، وهو ما نص عليه الفصل 108 فقرة ثانية من الدستور. وفضلا عن ذلك ، فان الدولة الديمقراطية تكون فيها الإدارة خاضعة دوما للمساءلة، وهو ما نص عليه الفصل 15 من الدستور. إن كل هذه المبادئ تجعل من خضوع المراسيم إلى الرقابة القضائية أمرا مهما حتى لا تتحول هذه الآلية الاستثنائية لسن القواعد القانونية بصورة أصلية، وفي مجال يرجع في الأصل إلى السلطة التشريعية، إلى «منطقة محصنة من الرقابة القضائية»، حتى ولو تعلق الأمر بالتدخل في ظرف استثنائي لأن الظروف الاستثنائية، ولئن كانت تقتضي التدخل وفقا لإجراءات خاصة ومتلائمة معها، إلا أنها لا تبرر، بحال من الأحوال، خرق القانون أو التفصي من الرقابة القضائية لأن ذلك يمس من جوهر دولة القانون الديمقراطية.
كما تطرح المراسيم المتخذة من قبل رئيس الحكومة في مجال القانون إشكاليات تتعلق بمصيرها اثر مرور المدة المحددة للتفويض وهي، كما حددها قانون التفويض، شهران. فطبقا للفصل 70 فقرة ثانية من للدستور فان المراسيم تعرض، حال انقضاء المدة المحددة لاتخاذها، على مصادقة مجلس نواب الشعب. أما الفصل الثاني من قانون التفويض فانه نص على
أنه « تُعرض المراسيم التي سيتم إصدارها وفق أحكام الفصل الأول من هذا القانون في أجل عشرة أيام من انقضاء المدة المحددة بنفس الفصل على مصادقة مجلس نواب الشعب. وفي صورة عدم عرض هذه المراسيم من قبل الحكومة في الآجال المنصوص عليها بالفقرة الأولى من هذا الفصل، يتعهد المجلس بذلك تلقائيا. تتم المصادقة على كل مرسوم على حدة «. وعند هذا الحد فان ثلاث فرضيات، على الأقل، يمكن أن تطرح بخصوص مصير المراسيم المتخذة بناء على قانون التفويض.
الفرضية الأولى تتمثل في المصادقة من قبل مجلس نواب الشعب على المراسيم المتخذة من قبل رئيس الحكومة بدون إبداء احترازات دستورية بشأنها. وفي هذه الحالة تتحول إلى نصوص تشريعية، خاصة وأن الفصل 3 من قانون التفويض أكد أنه : « تخضع المراسيم الصادرة بموجب هذا القانون والمعروضة على مجلس نواب الشعب لنفس إجراءات النظر في المبادرات التشريعية». ويترتب عن ذلك أن المراسيم المتخذة في مجال القانون العادي تتم المصادقة عليها وفقا لإجراءات المصادقة على القوانين العادية، وتكون لها نفس القيمة القانونية لهذا الصنف من النصوص التشريعية. أما المراسيم التي تدخل ضمن مجال القوانين الأساسية، مثل تلك المتعلقة خاصة بالحقوق والحريات، فانه تتم المصادقة عليها وفقا لإجراءات المصادقة على القوانين الأساسية، وتكون لها نفس القيمة القانونية لهذا الصنف من النصوص التشريعية. وبتحولها إلى نصوص تشريعية ، فإن المراسيم المصادق عليها تكتسب قيمة الصنف التشريعي الذي تنتمي إليه، كما تصبح قابلة للدفع بعدم الدستورية لاحقا أمام المحكمة الدستورية عند تشكلها.
الفرضية الثانية هي مصادقة مجلس نواب الشعب على المراسيم المتخذة من قبل رئيس الحكومة وقيام أحد الأطراف المخول لها الطعن في دستورية مشاريع القوانين، وهي رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثون نائبا من أعضاء مجلس نواب الشعب بالطعن بعدم دستورية قانون المصادقة أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين. ومبدئيا فانه يجوز لرئيس الحكومة ممارسة حقه في الطعن رغم أن المراسيم صادرة في الأصل عنه، لأن تحول المرسوم إلى نص تشريعي والنظر فيه والمصادقة عليه وفق الإجراءات المنطبقة على المبادرات التشريعية، قد يكون مقترنا بإضافات وتعديلات يقوم بها المجلس أثناء نظره في مشروع القانون صلب اللجان أو صلب الجلسة العامة.
كما أنه يجوز للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أن تتعهد بالطعن لأنها لن تتعهد بمرسوم، وهو ما لا يتيحه لها الدستور صلب فصله 148، ولا كذلك القانون الأساسي المنظم لها، ولكنها سوف تنظر في مشروع قانون يتعلق بالمصادقة على مرسوم، وهو الاختصاص الحصري الذي تمارسه الهيئة طبقا للفصل 3 من القانون المنظم لها والذي جاء فيه « تتولى الهيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومـة أو ثلاثـين نائبـا على الأقل. يقـصد بمـشاريع القـوانين كافـة النـصوص التـشريعية المـصادق عليهــا مــن المجلــس الــوطني التأسيــسي أو مجلــس نــواب الــشعب والتي لم يتم ختمها بعد. غير أن الهيئة الوقتية سوف لن تراقب دستورية إجراءات المصادقة على المرسوم فحسب، وإنما سوف تمتد رقابتها لتشمل مضمون المرسوم الذي تم عرضه للمصادقة لأنه يصعب عمليا الفصل بين مشروع قانون المصادقة وبين محتواه المتمثل في جملة الأحكام التي ضمنت في الأصل صلب المرسوم أو تلك التي نقحت أو أضيفت أثناء نظر اللجان البرلمانية أو الجلسة العامة في مشروع قانون المصادقة.
الفرضية الثالثة والأخيرة تتمثل في رفض مصادقة مجلس نواب الشعب على البعض من المراسيم التي تم اتخاذها من قبل رئيس الحكومة بموجب قانون التفويض. ويطرح السؤال في هذه الفرضية هل تصبح المراسيم التي لم تتم المصادقة عليها في حكم الملغاة، خاصة وأن مشروع القانون المتعلق بالتفويض كان ينص في الفقرة الأخيرة من فصله الثاني، وبناء على مقترح اللجنة البرلمانية الذي تم التراجع عنه، على أنه تعتبر لاغية المراسيم التي لا تعرض على مصادقة مجلس نواب الشعب؟ وماذا، في هذه الحالة، عن الحقوق المكتسبة التي اقترنت بتنفيذها قبل رفض المصادقة عليه، أي هل أن رفض المصادقة يكون له اثر رجعي أم لا؟
إن الاتجاه صلب اللجنة البرلمانية، والذي تم التخلي عنه عند المصادقة على قانون التفويض، نحو الإقرار بأن المراسيم المتخذة من قبل رئيس الحكومة على أساس قانون التفويض تعتبر في حكم الملغاة إذا لم تقع المصادقة عليها يمكن فهمه بالحرص على احترام توزيع الاختصاصات في مجال سن القواعد القانونية بصورة أصلية بين البرلمان والسلطة التنفيذية، وكذلك بالحرص على حماية مجال تدخل السلطة التشريعية. غير أن المراسيم غير المصادق عليها، ولئن تدخلت في مجال القانون، إلا أنها برفض المصادقة عليها، لا ترتقي إلى مرتبة النص التشريعي وبالتالي فانه يمكن للمجلس النيابي أن يسترجع المبادرة لسن لقواعد بصورة أصلية في المجالات التي تنظمها تلك المراسيم بواسطة نصوص تشريعية ولو أن ذلك يبدو مستبعدا بالنظر إلى الوضعية الاستثنائية والظرفية التي تم فيها سن المراسيم والمرتبطة بغرض معين، وهو مقاومة تفشي فيروس كورونا والحد من تداعياته على المرافق الحيوية.
يبدو من غير الوجيه إذن القول بأن المراسيم التي لم يصادق عليها مجلس نواب الشعب تصبح لاغية، لأن ذلك من شأنه أن يمس بمبدأي الأمان القانوني المترتب عن استقرار الوضعيات القانونية من جهة، ومن الثقة المشروعة للمواطنين في السلط العمومية، من جهة ثانية. غير أن المراسيم التي لم تقع المصادقة عليها لا يمكن لها أن ترتقي إلى مرتبة النصوص التشريعية، بل تبقى نصوصا صادرة عن جهة إدارية، وهي بالتالي خاضعة للنظام القانوني للقرارات الإدارية ولطرق الطعن في القرارات الإدارية. كما يمكن الدفع بعدم شرعيتها أمام القاضي الإداري بمناسبة القرارات الإدارية المتخذة على أساسها.