لن يستقيم سعي ولن ينفع جهد. الإرهاب شرّ بغيض، يجب أن ينتهي. الإرهابيون شياطين أباليس يجب أن تقطع دوابرهم. لا وجود لإرهاب شرعيّ وإن جاء من أجل قضيّة عادلة، مقدّسة. لا وجود لإرهاب مقبول وإن كان لإزاحة مستعمر غاشم أو لتنحيّة سلطان متجبّر. إن أتى الإرهاب تونسيّ أو فرنسيّ أو فلسطيني فهو، عندي، إرهابيّ وما أتاه من فعل هو فعل منكر، هو شرّ مقيت. من يقتل الأبرياء من الناس هو مجرم. من يغدر بالناس أو بالبوليس هو غدّار، آفك، ظلوم. لا تهمّني المقاصد ولا الدوافع ولا أصل القضيّة. من يسفك دم الناس الأبرياء، من يزهق النفس البريئة هو إرهابيّ، هو سفّاك دماء، هو غاشم، ظالم، ظلوم. يجب القضاء عليه، فسخه من الدنيا ومن الدين...
لا يصلح الإرهاب أبدا. هو رجس من فعل الشياطين. هو إفساد للأرض ولحياة الناس أجمعين. لن يخدم الإرهاب قضيّة ولن يحقّق غاية أو منشودا. يعطّل الإرهاب القضيّة ويرفع عنها ما اكتسبت من تعاطف، من حقّ، من شرعيّة. ما بالإرهاب تتحقّق الأماني ولن تتحرّر بالإرهاب الأرض ولا الأمم. أنا ضدّ الإرهاب مهما كان لونه، مهما كان دينه. أنا ضدّ الإرهاب مهما كانت غاياته وتراني أرفضه وأرفض سعيه وأقف مواجها سبله. أنا دوما إلى جانب الضحيّة سواء كانت الضحيّة فلسطينيّة أو يهوديّة أو من الأمريكان أو من الجيش أو من البوليس...
ما كسب الحقّ بالغدر، بقتل الأنفس حراما، بإرهاب الناس الأبرياء. لن تربح المعارك بالنسف، بالتفجير، بالقصف الغادر... قد يكون هذا هو السبيل في ما مضى من الزمن. في ما مضى من الزمن، كان الغدر أداة للفتوحات، لكسب الحروب. كانت قوّة العسكر هي السبيل لهزم الآخر، لكسب الغنائم... انتهى اليوم زمن المدافع والجيش. ولّى زمن الفتوحات والغزوات بالسيف وبالحروب. اليوم، أساس القوّة هو العقل. اليوم، أساس النجاح هو الحجّة، هو المعلومة. تكمن قوّة الإنسان في ما يؤسسه من أدلّة، من براهين. يكون النصر لمن قارع الحجّة بالحجّة، لمن العلم والمعرفة والدليل. انتهى عصر الظلمات وما صاحبه من سيف ومشنقة ومنجنيق. انتهى زمن قطع الرؤوس وسحل الناس ظلما في الطريق. اليوم، هو عصر آخر مختلف. اليوم، تغيّرت الدنيا وهذه عولمة تتشكّل. اليوم، مفتاح الحياة هو العقل وأدوات العزّة تكمن في ما يملكه العقل من حصافة، من خيال، من معرفة...
لم يدخل العرب والمسلمون بعد العصر. مازال العرب والمسلمون في الظلمات، في الجاهليّة، في زمن الغدر والعفس والتفجير. مازال أهلنا يؤمنون بالإرهاب، بالخلافة، بالخرافة. مازالوا يذبحون الناس، على الملأ، من الوريد إلى الوريد. يفجّرون الطائرات والعمران والأنفاق والتماثيل. اليوم، نحن نحيا في رحم الزمن السحيق. نحيا مع يزيد بن معاويّة، يضرب بعصاه، بقدميه رأس الحسين. نحن في ظلّ الخلافة السادسة، نتّبع خطى السلف، نرجم الزاني والزانيّة، نقطع الأيدي، نقطف الرؤوس، نزهق أرواح الناس في الطريق. نحن قتلة. نحن دواعش. الدواعش أبناؤنا. هم أنصار الإسلام وحماة الدين...
° ° °
في ما مضى، كان في بلاد العرب والمسلمين تحفّز وتطلّع. كنّا في تونس نسعى إلى ما هو أرحب وأفضل. كنّا نمشي إلى العصر قدما... تغيّرت الأرض. تغيّر الزمن. ظهرت فجأة وجوه كالحة وعيون كلّها شرّ وسعير. هذا شعبيّ في ظلمات الجهل، يائس، يأكل بعضه بعضا. هذا شباب منهوك، مهزوم. سكنه كبت شديد وبؤس أشدّ. بلا أمل وبلا طموح، شبابنا اليوم في شبه موت، يسكنه اليأس. في رأسه قحط وريح...
من حولي، غدت الجوامع محلات تجاريّة، فيها بيع وشراء، فيها سموم وتشدّد. اليوم، يعيش المسلمون في بلدي على ما مضى من الزمن. رؤوسهم مشدودة إلى ما فات من الزمن. ينظرون في ما كان من خلافة وما فعله الرشيد وما قاله المأمون. الكلّ في غيب. مغمّض القلب. لا يرى ما يجري. لا يسمع الحياة تناديه. تدعوه إلى النظر، إلى التقدّم. الكلّ تراه يمشي إلى الصلاة. يصوم الشهر. يحجّ. يأتي التراويح وغيرها من الصلوات كلّها، لكنّه لا يقرأ، لا ينظر، لا يتبيّن ما يجري في الدنيا من تطوّر، من تطلّع، من شؤون مختلفة. نحن نكره الحياة. نحن نهوى القبور والموت. نحن نكره الغرب وكلّ ما جاء به الغرب من أنوار وعلوم. نحن اليوم نسكن في غياهب الغيب، خارج التاريخ. أحلامنا وهم. عيشنا خرافة...
° ° °
لن تنجح تونس في مسعاها وقد انتشر المفسدون والجهلة في كلّ أرض. كلّهم يتصيّد. كلّهم يتربّص. في قلوبهم بغض وغيض. في عيونهم دمّل. همّهم قتل وحرق وإرهاب. لن يتركوا تونس تعمل، تتغيّر، تتطوّر، تدخل العصر. لن يدعوها تنجح في المسعى. لن ننجح في المسعى وقد اندسّت في البلاد الخفافيش. همّ الجهلة إرهاب وحرق وتدمير. غاية الجهلة إفساد كلّ عيش وديع. كيف الدخول إلى العصر وإقامة الحرّيّة والمساواة وإرساء العدل وبعض من أهلنا، الكثير من أهلنا، جاؤوا من خارج التاريخ. غايتهم العود إلى الخلافة وإقامة الحدّ وتطبيق ما جاء في الشريعة من بؤس...؟ فشلنا في الدخول إلى العصر. فشل التعليم في إنارة العقول. فشلت المدارس في رفع راية الفكر. في المقابل، نجحت الجوامع في كسب ودّ الناس، في مدّ جناحيها على الناس. ها هي المساجد اليوم تسيّطر على النفوس. تعود إلى السلف. تدعو إلى الظلمات. تحثّ على الجهاد، على القتل، على الإرهاب لإعلاء راية المسلمين...
لن يطمئنّ العالم بعد اليوم. لن يستقرّ له وضع. كيف للأرض أن تستقرّ وقد انتشر في الأرض مجرمون ملاعين، همّهم تخريب وإرهاب؟ يجب على العالم أن يدرك أنه لن يستقرّ للعالم حال، إلا إن هو اتّحد لرفع الجهل عن أعين المسلمين، إلا إن هو مشى قدما لنشر نور العقل في الأرض وأيضا لضرب المفسدين حيث تواجدوا. يجب على العالم أن يدرك أنّه لا خلاص من هؤلاء المتشدّدين والقوميين والمتطرّفين وقد انتشروا في الأرض إلا بنشر التعليم المنير، بإعادة الاعتبار إلى العقل باعتباره الأصل والمرجع...
مع الكتاب والقلم، وهما أساس النهوض بالإنسان وضمان العيش المشترك، يلزم العصا والردع. لقطع أصل الإرهاب وقطع دابر أهله، يجب اتخاذ ما يلزم من تدبير صارم واعتماد قوّة القانون والبوليس. لكسر جناح المفسدين، لقطع أيدي الإرهاب، لصدّ العنصريين والشعبويين، يجب قطع أيدي المموّلين والنافخين للبغضاء من أيمّة وشيوخ وساسة وأثرياء فاسدين. الإرهاب مرض خبيث. لفسخه، يلزم العالم عزيمة وحرص وثبات مستديم.