بغاية تحجيم موقعها الاحتكاري الذي بات يٌهدّد بشكل غير مسبوق ومخيف القواعد التنافسية لمختلف الأسواق وخصوصيات الأفراد ومتطلبات الأمن القومي لجميع الدول دون استثناء ...
على غرار «غوغل» و«أمازون» و«آبل» – تعتمد فايسبوك على استراتيجية التنويع la stratégie de diversification إلى جانب التجديد l’innovation technologique والتمويل الذكي le financement intelligent من خلال استحواذها على مجموعات كبيرة من المؤسسات الناشئة les startups العاملة في مجالات رقمية متعددة في طليعتها البحوث ذات العلاقة بالذكاء الاصطناعي، الاّ أنّ منصّتها التواصلية التي تستقطب قرابة مليار ونصف مستخدم عبر العالم تٌعدّ صناعة اتصالية/استخباراتية كونية مستحدثة من جيل 2.0 أثبتت طيلة العقد الماضي تفوقها على باقي البٌنى الاستعلاماتية التقليدية التي ألفناها حيث أنها نجحت بعلامة امتياز في تجنيد أكثر من مليار من مستخدمي الشبكة لصالح مشروعها الضخم في صنع عالم من «الشبيحة الافتراضيين» تٌخاض داخله حروب «الجميع ضد الجميع» حيث يتجسّس الزوج على زوجته والصديق على صديقته، لا مكان فيه على الاطلاق للخصوصية الفردية ولا للمقومات الدنيا للأمن القومي المتعارف عليها.. مشهدية رقمية مفزعة دفعت بالعديد من الجهات الرسمية إلى الدعوة للاسراع بتقليم أضافر هذه المؤسسات العملاقة عبر آلية التفكيك البنيوي قبل فوات الأوان ...
في حقيقة الأمر، لم تتوقف النداءات المتكررة لتقسيم مؤسسات GAFA الى عدد من الشركات عند حدود هذا الطرف او ذاك بل أنها وردت أيضا على لسان أحد المؤسسين السابقين لشركة الفايسبوك ذاتها «كريز هيوم» بقوله «نحن أٌمّة لها تقليد فى كبح الاحتكارات أيّا كانت النوايا الحسنة لقادة هذه الشركات» مضيفا بأن «نفوذ مارك زوغربيرغ لم يسبق له مثيل ولا يتوافق مع التقاليد الأمريكية» .. فحسب «كريز هيوم» ينبغي تقسيم فايسبوك إلى ثلاث مؤسسات منفصلة عن بعضها البعض : فايسبوك ، انستغرام وواتساب...
بيد أن مشروع القانون الذي تقدمت به العضوة الديمقراطية المؤثرة في مجلس الشيوخ الأمريكي «إليزابيث وارن» قد يٌشكّل نقطة تحوّل دراماتيكية لهذه المجموعة إذا تم التصويت عليه .. في معرض دفاعها عن موقفها المناهض للمجموعة، أشارت النائبة «وارن» بأنه «قبل 25 عاما لم تكن فايسبوك وغوغل وأمازون، موجودة، وهي الآن من بين الشركات الأكثر قيمة وشهرة في العالم، إنها قصة رائعة... إلا أن هذه الشركات أصبحت قوية للغاية، حيث اجتاحت المنافسة، واستخدمت معلوماتنا الخاصة من أجل الربح، واستغلت قوتها ضد أي شخص أو جهة ممانعة لها، وفي الأثناء تسببت أيضا بأضرار للمشاريع الصغيرة وخنق الإبتكار ..«متهمة إياها» باستخدام عمليات الدمج للحد من المنافسة، واستشهدت كمثال على ذلك باستحواذ فيسبوك على تطبيق واتساب وغوغل على اليوتيوب مع تعمدها إخفاء أسماء منافسيها في النتائج الأولية لعملية البحث ...».
تتطلّع خطة الديمقراطية والمرشحة للرئاسيات «اليزابيت وارن» إلى:
- تمرير تشريعات تعمل على تقنين عملية غلق المنصات الالكترونية لشركات التكنولوجيا الكبرى وتحويلها إلى مرافق خدمات عامة وفصلها عن بقية أعمالها.
- تقييد المنصات الكبرى من مشاركة بيانات المستخدمين مع أطراف ثالثة.
- السماح للمدّعيين العامين في الولايات المتحدة الأمريكية بمقاضاة أي منصة مخالفة.
- امكانية تغريم الشركة المخالفة بما يقارب 5 ٪ من عائداتها السنوية لانتهاك أحكام مشروع القانون.
منذ السنة الماضية، يتعرض عمالقة «وادى السليكون» الى حزمة من التحقيقات والإجراءات والعقوبات :
- للغرض فتحت الإدارة الأمريكية تحقيقا رسميا للبحث عن دور هذه الشركات في عملية الحد من المنافسة وخنق الإبتكار.. في بيان صادر عن وزارة العدل الأمريكية، تم التأكيد على «أن قسم مكافحة الاحتكار يجري مراجعة حول ما إذا كانت منصات الإنترنت الرائدة اكتسبت قوة سوقية، وما إذا كانت متورطة في ممارسات اخترقت قواعد المنافسة وخنقت الابتكار أو أضرت المستهلكين...».
- أطلقت احدى لجان مجلس النواب الأمريكي في جوان الماضي تحقيقا حول «المنافسة في السوق الرقمية» مؤكدة على أن «عددا قليلا من منصات مهيمنة، لا تخضع لسلطة ضبط الأسواق وتملك سلطة استثنائية في الاتجار والاتصال والمعلومات على الانترنت» ....
- تحتلّ اشكالية استشراء نفوذ مجموعة GAFA في القطاع البنكى والمالى والمخاطر العالية التي يمكن أن تترتب عنها أولوية الأولويات فى جدول أعمال «مجلس الاستقرار المالي» Conseil de Stabilité Financière التابع لمجموعة العشرين الكبار G20.
- اليوم المعركة على أشدّها بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي - فرنسا على وجه الخصوص - حول امكانية اعتماد ضريبة على المجموعة والمعروفة La taxe GAFA في حدود 3 ٪ من رقم معاملات هذه الشركات ...
- كما فرضت «المفوضية الأوروبية» ثلاث غرامات قاسية على «ألفابت»» Alphabet المجموعة الأم «لغوغل» بعد اتهامها بمخالفة قواعد المنافسة...
فالمزاج العام الرسمي في العالم متجه اليوم نحو كبح جماح مجموعة GAFA مما يعكس حالة الذعر والفوبيا الشديدة التي أصابت العديد من دوائر القرار.. فالأخطبوط الرقمي «لوادي السليكون» بأذرعته الأربع أضحى في حالة تمدد جيوسياسي كاسح أوقع الدولة في مأزق وجودي حادّ فإما أن تكون أو لا تكون! ونحن كالعادة - شعب 3000 سنة حضارة - مازلنا نغطّ في سبات تاريخي عميق ...
بالتأكيد، ستكون سنة 2020 «السنة الكبيسة الرقمية» الأطول والأرهق في تاريخ عمالقة الواب.. فهل تنجح جميع هذه المحاولات في إيقاف العربدة الرقمية البشعة التي تمارسها هذه الأفاعي الاحتكارية الكبرى؟