فالحرية رحلة بحث عن فكّ كل القيود، التي نعرفها والتي لا نعرفها.. كانت حياة لينا مقاومة لكل القيود، قيود نظام قمعي، ومجتمع لم يتخلّص من موروث ذكوري..
لم تدع البطولة يوما، لكنها كانت البطلة.. بطلة دون منازع، صارعت الموت في جسد مكبّل بمرض مزمن قاس لا يرأف، لازم جسدها مذ كانت طفلة.. أتعبها المرض، أبكاها، وأرهقها وألزمها الفراش، لم تغادر لينا سريرها في المستشفى إلا لسنوات قليلة.. كانت فيها وفية لطريق المستشفى.. تعرفت هنالك على معاناة الأطفال المرضى وعائلاتهم، وبينما كانت تلملم معاناة جسدها، قارنت لينا الطفلة بين الوضع المزري الذي تعيشه المستشفيات، وبين الخطاب الرسمي الذي يقول إنّ كل شيء على ما يرام.. لم يحجب المرض عن لينا بذرة التمرّد والمقاومة.. فاختارت لينا أن تدوّن المعاناة اليومية لبنية تونسية، زأرت بين ركام الحقن والعلاج الكيميائي المضني.. فلم يضنها المرض لتتفوّق في دراستها وتتألق، رغم أنّ طريقها كان شائكا، قاومت لينا ضعف جسدها وعجزه بقوّة امرأة عظيمة.. صوّرت جسدها كجسد أفروديت ولم تنصع لمعاناتها.. كانت تحلم أن يكون جسدها حرّا، فحرّرته بخيالها، هكذا أيضا تقاوم لينا مرضها، بالجمال، وبالفعل الجمالي في كلّ مرة.. كأن تصطحب الأطفال والشباب بكتهم على رصيف المسرح البلدي.. لتنشر الجمال في شارع تونس الكبير، شارع الحبيب بورقية، هذا المكان الذي زأرت فيه لينا إننا نريد الحرية، أن الشعب أراد اليوم الحياة وكسر حاجز الخوف، فلم يرهبه رصاص أو غاز أو سجون..
أرّخت لينا لحكاية هذا الشارع بنبرتها ومدونتها وعدسة الكاميرا.. أرّخت بمواقفها التي دافعت دون قيد أو شرط عن الحقوق والحريات.. دافعت عن الاختلاف في مجتمع يقلقه الاختلاف كثيرا حتى أنّه يصادر الكثير من الحقوق والحريات، قاومت قوانين جسدها وقوانين مجتمعها وقوانين نظام يزعجه أمر الحريات.. فدوّنت لينا الكثير من مواقف الحرية وأرّخت للعديد من صورها.. فكانت إلى جانب المظلومين والمختلفين والمطالبين بالحرية والمساواة والعدالة..
تلك التي انقلبت حياتها رأسا على عقب في الحادية عشرة من عمرها، وأخضعها جسدها لقوانين قاسية حرمتها من حياة أكثر لينا من التي عاشتها.. لم تركّعها هذه القوانين وقاومت المرض مرارا وتكرارا.. قاومت كل أساليبه فلم تدع جسدها يستسلم أو يتداعى.. وراحت تنشر قصة الكفاح في كل مكان، بابتسامتها وعزيمتها وصلابتها وكل قوّتها، كانت إمرأة جسورة تصدح بأفكارها وأرائها عاليا، ولا تخشى لومة لائم، لم يرهبها شيء.. لا نظام بوليسي ولا متعصّب أو متطرّف يحتكر الحقيقة..
قاومت بجسد أنهكه المرض، ولم تستسلم لحدوده كل هذه السنوات، قاومته بشجاعة وأنفة، وبقيت لينا رغما عن المرض وعن أعداء الحرية والإخلاف أيقونة تونسية استبسلت حتى النفس الأخير كي تعيش إمرأة حرّة في وطن حرّ..